القمة السادسة التي تجمع الرئيس عبدالفتاح السيسي والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل اليوم، تعطي الضوء الأخضر لانطلاق قطار التعاون إلي آفاق غير مسبوقة، والمؤكد أن الظروف التي تنعقد فيها قمة برلين اليوم تختلف بشكل كبير عن اللقاء الأول الذي جمع السيسي وميركل في دافوس يناير 2015. ألمانيا الآن أكثر تفهما للمواقف المصرية، وأكثر اقتراباً واقتناعاً بزاوية الرؤية المصرية للأحداث في الشرق الأوسط وأفريقيا، قبل القمة الأولي كانت جماعة الإخوان الإرهابية وحلفاؤها في تركيا وقطر يحاولون إثارة الغبار بعد ثورة 30 يونيو العظيمة.. أما الآن وبعد مرور عامين ونصف العام علي اللقاء الأول فألمانيا أكثر اقتناعاً بأن جماعات الإرهاب والتطرف لا يمكن الاستماع لها بل يجب محاصرتها والقضاء عليها. قمة السيسي وميركل في المستشارية الألمانية اليوم تعكس الشراكة الحقيقية بين مصر وألمانيا، شراكة تقوم علي أساس الاحترام المتبادل وتحقيق المصالح المشتركة. العلاقات المصرية الألمانية تتنوع وتتعدد وجوهها، فهي لا تقتصر علي الجانب السياسي فقط بل تنطلق إلي الجوانب الاقتصادية والشراكة في التعليم الفني والتعاون في الإنتاج الزراعي والحيواني. فألمانيا لديها اهتمام كبير بالمساعدة الفنية في مشروعي 1٫5 مليون فدان والمليون رأس ماشية، مع نقل وتوطين التكنولوجيا، وتبدو العلاقات أكثر وضوحا وإشراقا في السياحة، حيث استقبلت مصر حتي نهاية مايو الماضي 400 ألف سائح ألماني ومن المنتظر أن يصل العدد إلي مليون بنهاية هذا العام، وألمانيا الدولة الأقوي في أوروبا لم تتخذ أي إجراءات لوقف السياحة لمصر بعد حادث الطائرة الروسية. أما التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية فيكشف عن تطابق لمواقف مصر وألمانيا في هذا الملف، فقادة ألمانيا يتفهمون الآن تماما أن مصر هي خط الدفاع الأول عنهم وعن أوروبا والعالم في مواجهة الإرهاب. الآن بعد أن اكتووا بنيران الإرهاب الذي ضرب العواصم الأوروبية واحدة بعد الأخري باتوا متأكدين أن ما تفعله مصر في مواجهة الإرهاب بشمال سيناء وليبيا ليس أمراً داخلياً، لكنه شأن دولي أيضا يجب دعمه ومساندته. ولذلك وقع الألمان مع مصر لأول مرة اتفاقاً أمنياً العام الماضي للتعاون في مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية.. كما عقدت ببرلين لأول مرة أيضا في مايو الماضي مشاورات رسمية ضمت الوزراء المعنيين بمكافحة الإرهاب من البلدين، وكان لخطاب الرئيس في قمة العرب وأمريكا بالرياض صدي واسع في ألمانيا بتأكيده علي ضرورة مواجهة كل من يقوم بتمويل أو تسليح أو تدريب الإرهابيين. كما تدعم ألمانيا بقوة رؤية الرئيس السيسي بأن تقود مصر بلد الاعتدال والوسطية عملية تجديد الخطاب الديني وتنقيته من أي فكر ضال أو منحرف. وكان لزيارة الإمام الأكبر د.أحمد الطيب شيخ الأزهر لألمانيا قبل بداية شهر رمضان صدي إيجابي وكان لكلمته أمام 2000 من رجال الكنائس في يوم الكنيسة الذي يعقد كل عامين مردود طيب ليبدأ بالفعل العمل علي أن يتولي الأزهر تدريب أئمة المساجد الألمان في مصر. المؤكد أن قمة اليوم ستعطي المزيد من الزخم لعلاقات تسير علي المسار الصحيح ولشراكة تحقق مصالح الدولتين علي كل الجبهات. وقطعاً فإن أحد أهم الملفات في زيارة الرئيس الحالية لألمانيا، هي مشاركته في القمة الألمانية الأفريقية تحت شعار »الاستثمار في مستقبل مشترك» والجميع ينتظر الكلمة المهمة التي سيلقيها الرئيس عن التحديات التي تواجه القارة الأفريقية وكيفية التغلب عليها، كما يشارك الرئيس اليوم في مائدة مستديرة حول الاستثمار بالبنية التحتية في القارة الأفريقية. وتعكس القمة إيمان ألمانيا بأن أفريقيا التي سيتضاعف عدد سكانها في عام 2050 تحتاج اهتماماً عالمياً بالاستثمار وخلق فرص عمل بداخلها فهذا هو السبيل الوحيد للوقوف في وجه الإرهاب والهجرة غير الشرعية. العالم الآن يؤمن برؤية مصر.. مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف تبدأ بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية.