في عصور الإنحطاط، وما أكثرها في مصر وغيرها من البلدان، كان الطاعون هو الزائر الذي لا يتواني عن الحضور ليفتك بالناس بالآلاف. كل المؤرخين القدامي مثل المقريزي أو ابن إياس أو الجبرتي كتبوا عن ذلك في مصر وقدموا أحيانا إحصاءات بالموتي بالآلاف علي الإجمال. حين غزا نابليون مصر عام 1798 تأمل علماؤه ظاهرة الطاعون التي فتكت بالمصريين عبر التاريخ. بالذات التاريخ الوسيط وتعاقب دول وحكام لم يكن لهم من عمل إلا نهب ثروات البلاد. كانت فرنسا من البلاد السباقة لمعرفة سبب الطاعون وهو القذارة التي كانت تعاني منها الجيوش في حروبها الطويلة خارج المدن أو تعاني منها المدن الظالم حكامها. قرر نابليون أن تنتهي القذارة من مصر. تم تخصيص امرأة لكل شارع مهمتها إجبار النساء علي إخراج »فرش البيت» إلي الشمس كل أسبوع ومن لا تفعل ذلك كان يتم عقابها بالضرب بالخيزرانة علي مؤخرتها وسط الشارع. الأهم من ذلك إنه قرر إنهاء عادة الدفن في البيوت، وهي عادة دخيلة أصلا علي مصر التي تعوَّد أهلها منذ العصر الفرعوني علي دفن موتاهم غرب القري حيث تغرب الشمس ذاهبة إلي العالم الآخر كما كانوا يعتقدون، ومن ثم تكون المقابر غرب البلاد هي الأقرب إلي يوم البعث. اختفي الطاعون من مصر ولم يظهر إلا مرة واحدة في عهد محمد علي بعد ثلاثين سنة تقريبا من خروج الفرنسيين عام 1801. لكنه حين ظهر استطاعت الدولة القضاء عليه بسرعة ولم يحصد الآلاف التي تعود في العصور الوسطي علي حصدها. بعد ذلك وحتي الآن لم يعد الطاعون إلي مصر. أقول هذا الكلام ليس بمناسبة الزبالة التي في الطرقات، ولا بمناسبة العشوائيات المتداخلة البيوت وهي خطر جاسم. لكن بمناسبة لم تخطر علي بال أحد وهو أن يكون السجن مصدر الطاعون. لا يقل لي أحد أن السجون في مصر نظيفة ولا يقل لي أحد أن العلاج بها متوفر فمن يدخل السجن ويدخل المستشفي الملحق به يعرف أن هذا كله هراء. فالمستشفي أقذر أحيانا من العنبر. والعنبر جرت العادة أن ينظفه من يسكنه بشرط أن يتسع لهم ولا يكون زحاما كالذي نسمع عنه. لكن في الأسابيع الأخيرة كثر الحديث عن قذارة السجون الذي دائما ما يتم إنكاره حتي ظهرت حالة الشاب أحمد الخطيب التي صارت تشغل وسائل الاتصال الاجتماعي ولا نري ردود فعل إيجابية عليها من الدولة حتي الآن. وأتمني حين ينشر المقال أن يكون حدث أي رد فعل إيجابي فأنا أكتب المقال قبل نشره بيومين، قبل أن ينتشر مرض المسكين أحمد الخطيب إذا كان أحمد نفسه لا يهمكم. أحمد الخطيب الطالب بالفرقة الرابعة بكلية التكنولوجيا الحيوية بجامعة 6 أكتوبر قبض عليه بعد عودته من تركيا والمشاركة في برنامج دراسي هناك في 28 أكتوبر عام 2014 من منزله بالشيخ زايد وبعد اختفاء لمدة أسبوع ظهر وتنقل حتي وصل إلي سجن طرة وحكم عليه بعشر سنوات سجنا مشددا وغرامة 100 ألف جنيه لانتمائه إلي جماعة إرهابية ونقل بعدها لسجن وادي النطرون. قضية من مئات القضايا لم يكن لها أن تنفجر لولا ما جري لأحمد الخطيب. تدهورت حالته وصارت الشكوك في أمراض عدة. مرة التهاب رئوي ومرة اشتباه في سرطان الدم - لوكيميا - وأهله يتقدمون إلي المنظمات الحقوقية وإلي الدولة لبحث حالة ابنهم حتي انتهي الأمر إلي قسم الباثولوجي بمستشفي القصر العيني الذي حدد الحالة بمرض » الليشمانيا » الحشوية التي ظهرت في تضخم الكبد والطحال ونقص في خلايا الدم وطبعا انهيار في المناعة وهو مرض إذا تأخر علاجه ينتهي بموت المريض. لكن القضية الآن أكبر من أحمد الخطيب. كل من كتب فيها من الأطباء وبينهم الدكتور أحمد خالد توفيق الطبيب والأديب صاحب روايات الخيال العلمي، وهو هنا لا يتخيل من فضلك - وقد قرأت مقاله فأصابني الرعب. الليشمانيا الحشوية نوع من أنواع الطاعون لا ينتقل بالبق أو البراغيث كما هي عادة الطاعون وسط القذارة لكنه ينتقل بذبابة تسمي ذبابة الرمل تنقل المرض من وإلي المريض وسط القذارة وبسببها. والسؤال الذي سأله أحمد خالد توفيق هو هل نجا المحبوسون مع أحمد الخطيب من المرض؟ المرض بعد أن بحثت عنه في أكثر من موقع إلكتروني بالإضافة لمقال الدكتور أحمد خالد توفيق متوطن في أفريقيا وأمريكا الجنوبية وضحاياه في العام الواحد يصلون إلي نصف مليون شخص. هو لا يظهر علي المريض يوم العدوي ولا بعد شهر ولا بعد عام. يكمن في الجسم ويظهر بعد عامين بعد أن يكون قد تمكن من جسد المريض وإذا تأخر العلاج فعليه العوض. والسؤال الآن هل فرقت الذبابة التي نقلت المرض إلي أحمد بينه وبين بقية المساجين الذين يعانون من ظروف قاهرة من الزحام والقذارة والإهمال في السجون والتي صارت أعدادهم أكبر من كل السجون رغم بناء سبعة عشر سجنا جديدا في الأعوام الثلاثة الماضية. تقدم مثقفون وشخصيات عامة إلي وزير الصحة بعريضة تدعو إلي إخراج أحمد وعلاجه والكشف علي بقية المساجين معه وفي كل السجون المصرية وتقدمت بذلك أيضا نقابة الأطباء إلي الوزير. وأضيف إليهم الكشف علي كل حراس السجون من عساكر وضباط وكل العاملين فيه فالذبابة لن تفرق بين أحد ولابد أنها ليست ذبابة واحدة. لابد أن الذباب بكثافة القذارة. ولا يعني أن هذا حدث داخل السجن إنه لن ينتشر خارجه. فكل العاملين في السجون يعودون إلي بيوتهم ولا أحد يضمن حركة الذباب في مصر حين تنتشر القمامة في كل مكان. هذا هو الطاعون يا سادة كما أشارت كل المقالات التي قرأتها عن هذا المرض رغم أنه لا ينتقل بالبراغيث ولا البق فالطاعون أنواع وعلي من بيدهم أمر البلاد سرعة التصرف فالأمر أكبر من وزير الصحة. انقذوا أحمد الخطيب وانقذوا الوطن.