تقول الوقائع إن أول اتصال تليفوني دولي بالرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب بعد إعلان نجاحه. كان من الرئيس عبد الفتاح السيسي. هنأه بفوزه ووجه له الدعوة لزيارة مصر. ثم قال مستشار ترامب ان مصر ستكون المقصد الأول في الشرق الأوسط للرئيس الأمريكي. وفيها ستتم الزيارة الأولي له. وقال ترامب ان مصر دولة قوية وحليفة للولايات المتحدةالأمريكية. وكان اللقاء الأول بين ترامب والرئيس السيسي قد جري علي هامش مشاركة الرئيس السيسي في اجتماعات الأممالمتحدة. حيث التقي بالمرشحين معاً: ترامب وهيلاري كلينتون. كان اللقاء مع ترامب دافئاً وودوداً وإنسانياً. وتحدث فيه ترامب عن تطلعه لزيارة مصر وانتظاره لذلك. وعن تطلعه لرؤية الأهرامات. في حين أن هيلاري كلينتون تحدثت عن حقوق الإنسان وعن الأوضاع السياسية في مصر. وعن التجاوزات التي تتم. ولم توجه الدعوة للسيسي لزيارة أمريكا. وكان موقفها استمراراً لحالة الفتور في العلاقات المصرية الأمريكية التي كان يمكن أن تصل للقطيعة التامة، لو أنها فازت في الانتخابات. وكانت العلاقات المصرية الأمريكية قد شهدت حالة من الفتور ابتداء من 2013 ويمكن وصف العلاقات بين البلدين بمرحلة سيئة. فلم يتم دعوة أي رئيس مصري لزيارة أمريكا منذ هذا التاريخ. أيضاً تم وضع قيود علي المساعدات المدنية والعسكرية الأمريكية لمصر. وزيارة ترامب المتوقعة لمصر تثير عندي شخصياً كثيرا من الذكريات. ففي عام 1974 أتي لمصر الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، في زيارة وصفها الدكتور فؤاد زكريا بأنها توشك أن تكون استفتاء علي مستقبل أمريكا في المنطقة. ويومها كتبت روايتي: يحدث في مصر الآن، عن الزيارة. لم تكن رصداً لما جري من وقائع في الزيارة. ولكنها كانت تناولاً روائياً للحلم الأمريكي الذي وصل لحدود قريتي يومها. كتبت عن المعونة الأمريكية التي أرسلتها أمريكا لمصر، يتم توزيعها قبل مرور نيكسون في قطاره مع السادات في الرحلة من القاهرة إلي الإسكندرية. وما جري من حكايات أكثرها خيال ينطلق من واقعة حقيقية جرت في الحياة السياسية حول هذه الزيارة. لا أنسي أن مصر 2017 غير مصر 1974، مرت 43 سنة بين التاريخين، تغير فيها كل شيء. سواء في أمريكا أو مصر أو الوطن العربي أو العالم الإسلامي أو العالم من حولنا. ومصر التي سيصل إليها ترامب ليست مصر التي جاء إليها ريتشارد نيكسون. وأمريكا التي سيزورها الرئيس عبد الفتاح السيسي ليست هي أمريكا التي زارها رؤساء مصريون سابقون. قال فلاسفة الإغريق القدامي: أنت لا تنزل إلي النهر مرتين. التغيير سنة الحياة التي لا يمكن أن تتوقف. فكما تجري المياه في النهر بشكل أبدي ومستمر. فإن التغيير أيضاً أبدي ومستمر في أمور الحياة. أعود لروايتي: يحدث في مصر الآن. التي لم يتحمس أي ناشر وقتها لنشرها. مما دفعني لنشرها علي حسابي الخاص. ولأنني لم أكن أمتلك ما أنشرها به. طبعت إيصالات وزعتها علي الأصدقاء والمعارف. وبعائد بيع الإيصالات قمت بطبع الرواية في مطبعة فقيرة في حارة من الحارات المتفرعة بشارع الترعة البولاقية بشبرا. صدرت طبعات جديدة من الرواية سواء في مصر أو عواصم عربية كثيرة. ثم ترجمت إلي الروسية. وجري تحويلها لفيلم سينمائي. كان عنوانه: زيارة السيد الرئيس. أخرجه المخرج: منير راضي. وتوقف عن الإخراج بعده. كان صلاح أبو سيف أول من فكر في تحويل: يحدث في مصر الآن، لفيلم سينمائي. قبل أن يفكر في روايتي: الحرب في بر مصر، التي حولها لفيلم: المواطن مصري. كان صلاح أبو سيف يريد تغيير عنوان الرواية إلي: يحدث في ريف مصر. أضاف كلمة ريف، وحذف كلمة الآن. وتقدم للرقابة بمعالجة رفضتها الرقابة. لأن في قانون الرقابة مادة تمنع تنفيذ أي فيلم يسيء للعلاقات الاستراتيجية ودول العالم. ووقتها أواخر سبعينيات القرن الماضي كانت العلاقة الوليدة بين مصر وأمريكا من العلاقات الاستراتيجية لمصر، التي يجب الحفاظ عليها وعدم الاقتراب منها أو انتقادها. بعد رفض الرقابة الموافقة علي المشروع الذي قدمه صلاح أبو سيف، رغم التنازلات الموجودة فيه. صرف صلاح أبو سيف النظر عن الموضوع واتجه لروايتي الأخري: الحرب في بر مصر. ثم جاء منير راضي بعد سنوات ليحول الرواية لفيلم سينمائي. أصر علي تغيير العنوان لزيارة السيد الرئيس. وعندما اقترحت عليه أن يستعين بأغنية أحمد فؤاد نجم، التي غناها الشيخ إمام: شرفت يا نيكسون بابا يا بتاع الوتر جيت. رفض منير الاستعانة بالأغنية أو اللحن بشكل مبدئي. لم أفهم دوافعه لديه. ذكريات هلت علي النفس عندما تحدث ترامب عن تطلعه لزيارة مصر ومشاهدة الأهرامات والالتقاء مع صديقه الرئيس عبد الفتاح السيسي. بعد أن تحولت لإنسان مثل البيوت القديمة لا تسكنه سوي الذكريات.