أكن للمستشارة الجليلة تهاني الجبالي محبة واحتراما خاصا.. فقد توحدت جهودنا ومشاعرنا في حربنا ضد تنظيم الإخوان الذي جثم علي صدورنا خلال فترة حزينة من تاريخ بلدنا.. ولن أنسي مواقفها المحترمة والجريئة في هذه الفترة والتي دفعت ثمنها باستبعادها من المحكمة الدستورية العليا.. ورغم اختلاف منهجنا وتوجهاتنا الاقتصادية وابتعادنا في الفترة الأخيرة الا أني اتذكرها كثيرا مؤخرا عندما أري شخصيات كثيرة تكتب فيما لا تفهم فيه وتفتي بآراء سياسية عفي عليها الزمن وتتميز بجهل مطلق وعدم دراسة، خاصة علي مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت ساحة الديمقراطية الفعلية لكل مواطن صوت فيها سواء كان جاهلا او متعلما، خبيرا أو مبتدئا.. وسبب ذلك هو أنها في مؤتمر للقوي المدنية أيام حكم الإخوان دعي إليه د. ممدوح حمزة لتكوين جبهة مدنية فوجئت برأي شجاع وجريء وغير مألوف منها وهو أن يكون التصويت في الانتخابات بثقل مختلف علي أساس المستوي التعليمي أي مثلا المتعلم غير الأمي وحامل الدكتوراه غير خريج الجامعة... فمثلا ولكي أوضح أكثر ان يكون صوت المتعلم ضعف صوت الأمي.. والحقيقة كان هذا اقتراحا مذهلا ومثيرا للجدل ولم استطع وقتها أن أهضمه.. تذكرت المستشارة تهاني الجبالي عندما أعلنت نتيجة الانتخابات وإن شابها شواهد التزوير بفوز د. محمد مرسي في الانتخابات فكان واضحا أن هذا الفوز كان وراءه أعضاء التنظيم وجزء كبير من الفئات ضعيفة التعليم.. وقلت في سري: عندها حق.. والآن عندما أري بعض المناقشات والمقالات علي مواقع التواصل وسطحية الآراء من أي أحد بغض النظر عن الخبرة والعلم... أتذكرها مرة أخري.. فجأة اصبح الكل خبيرا وفجأة اصبحنا بلد التسعين مليون خبير..الكل يفتون ويدعون وحدهم المعرفة والفهم في أمور لا يفهمون فيها اساسا ووسائل الاعلام ساعدت في انتشار مئات من محبي الظهور والشهرة بدعوي الخبرة والعلم ببواطن الأمور !! فمنهم من يدعون القرب من صانعي القرار ومعرفة ما وراء الستار بحكم علاقاتهم الوطيدة بأجهزة الدولة وقد شاهدناهم وهم يؤكدون وقت الانتخابات الرئاسية فوز الفريق شفيق قبل ظهور نتيجة الانتخابات وعد الأصوات علي أساس ان عندهم معلومات اكيدة بذلك من اعلي الجهات يعني جايب النتيجة من الكنترول!! لتجيء النتيجة كما شاهدناها العكس تماما.. ومنهم صحفيون يكتبون نصائح في الاقتصاد وهم لا يفقهون في الاقتصاد شيئا.. وخبراء مزعومون يتم استضافتهم في معظم برامج الفضائيات يفتون في كل شيء بكل اريحية وثقة بصفتهم خبراء في الاقتصاد او الامن او غيره واذا بحثت عن خلفيتهم ومؤهلاتهم تجد انهم لم يحصلوا علي مؤهل عال.. ومنهم أيضا كتاب متمسكون بالتجربة الناصرية والتجربة الشيوعية رغم فشلها الذريع وتحول كل من الصين وروسيا معقل الشيوعية إلي الاقتصاد الحر ونجاحهم إلي حد أصبحوا فيه من أغني وأقوي الدول الاقتصادية !.. إلي كتاب يستندون إلي إشاعات ومعلومات مغلوطة ويقدمونها كحقائق ثابتة لا تقبل الجدل أو النقاش ويبنون علي أساسها نظرية المؤامرة التي يعشقونها.. فنحن نحب هذه النظرية حتي ننفي عن أنفسنا أننا نحن المسئولون عن فشلنا المستديم فمن عادتنا الاستناد إلي بعض الكليشيهات المستهلكة مثل إلقاء اللوم في أي أزمة تموينية علي جشع التجار وأي أزمة سياسية علي إسرائيل وأمريكا... في الحقيقة لا اعلم سر تفشي ظاهرة الفتي وفوضي التحليل السياسي والاقتصادي التي نشاهدها ولكني اعزوها إلي عادة قديمة نؤمن بها في مصر فما ان تشكو لأحد من ألم في رأسك او بطنك او اسنانك مثلا الا ويتطوع ويملي عليك أسماء ادوية يحلف لك ان فيها الشفاء فقد جربها من قبل ورغم انه ليس طبيبا وانت تعرف تماما انه ليس طبيبا ولكنك تشتري الدواء وتجربه ايمانا بالمثل القائل: »اسأل مجرب ولا تسأل طبيب» الذي يبدو انه قد اصبح جزءاً أصيلا من ثقافتنا.