في السفر تجد وتشاهد العجائب، ويجعلك السفر أيضاً تقارن ما بين حالك وحال الآخرين، وهذه المقارنة إما أن تجعلك شاكراً لله علي ما أنعم عليك وإما أن تجعل قلبك حزيناً لوصول الحال إلي هذا الحد، لقد أمضيت فترة من شهور الصيف في فرنساوألمانيا، وصادف أن كنت في دوسلدورف بألمانيا لمدة ثلاثة أيام - جمعة، وسبت، وأحد -، وكانوا يحتفلون بمناسبة ما لديهم،وقد امتلأت الشوارع بخيام علي الجانبين، فظننت نفسي أني واقف في عرفات - والتي لم يكتب الله لي الوقوف بها في هذا العام ؛ لأسباب صحية، وأسباب تنظيمية اتخذتها حكومة خادم الحرمين الشريفين لتخفف من الازدحام في الحج، وذلك بتقنين عدد السعوديين، والمقيمين في السعودية في الذهاب إلي عرفة ومني، وبدا ذلك واضحاَ جليًا بأن نقص العدد أكثر من ستمائة ألف مما جعل في المشاعر متسعا لضيوف الرحمن، فالحج مرة في العمر ومن يسر الله له الزيادة فهو خير ولكن دون الافتئات علي حقوق المسلمين، والحمد لله الذي أكرم ضيوفه، ومر الحج بسلام، والشكر لخادم الحرمين الشريفين، وحكومته الذين لم يقصروا في بذل أي جهد لراحة ضيوف الرحمن، زاد الله بيته أمنًأ وأمانًا -، وأعود إلي دوسلدورف، لقد شاهدت في تلك الأيام التي قضيتها هناك أنواعًا من المأكولات الشعبية الألمانية، والتي اندثرت، أو ملابس ألمانية، أو أشياء أخري، واستلفت نظري وانتباهي في أحد الشواع أن هناك حوالي عشرين خيمة تعرض عن جامعات ألمانية جديدة وهذه الجامعات قد اختصرت مدة الدراسة الجامعية فيها إلي ثلاث سنوات، بدون إجازات صيفية، ويدرس الطالب بها ويعمل في نفس الوقت في التخصص الذي يدرسه نصف الوقت، وأيضاً يعرف الوظيفة التي سيعمل بها حين تخرجه، وقد ترجموا بذلك حديث النبي عليه الصلاة والسلام عندما سأل الله علمًا نافعًا فقال » اللهم اني أسألك علماً نافعاً وعملاً متقبلاً ورزقاً طيباً»، وحديثه عندما استعاذ من علم لا يعمل به، هذان الحديثان يعطيانا كيف يجب أن يكون التعليم، وللأسف طبقوها في ألمانيا جزاهم الله خيرًا، ونحن لم نطبقها في دولنا( وذلك من عجائب السفر ) أتحدث عن هذا الموضوع اليوم لأن مشاكلنا في الدول العربية كثيرة، ومصر هي نصف العالم العربي، وإن صلحت مصر صلح العالم العربي، والعكس بالعكس؛ففي بعض دولنا العربية تُسمي وزارة التعليم - وزارة التربية والتعليم -، والواقع أنه ليس هناك تربية ولا تعليم، وأصبح نظامنا التعليمي كله يخدم الشهادة لأن الشهادة جواز المرور للوظيفة،ولقد سمعنا عن الرغبة في تغيير التعليم علي مدي سنوات وما زلنا مكانك سر، واستبشرت خيرًا بعد زيارة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي لليابان، ورغبته في نقل التجربة اليابانية إلينا، فإن أراد فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي أن يغير من نظام التعليم فَلْيُعْلِنَ أن الدولة ليست مسئولة عن التعليم، فالدولة في الإسلام ليست مسئولة إلا عن: الأمن الداخلي، والأمن الخارجي، والقضاء، والفقراء، وليعلن فخامة الرئيس كذلك أن الدولة ليست مسئولة عن التوظيف، وأن المُوظِفَ هو المسئول عن اختيار موظفيه طبقًا لقدراتهم ومعارفهم العلمية (وليس معارفهم الشخصية وكروت الواسطة) عندها لن يهتم الآباء بالشهادات ولن يهتم الطالب بحفظ المواد ونسيانها مباشرة بعد الانتهاء من الامتحان، وعندها لن تجد ما يسمي بظاهرة الدروس الخصوصية التي أصبحت من أكبر بنود الصرف في ميزانيات الأسر، وعندها لن يصبح دخول المدارس عبئًا علي الآباء، ونحن ندعي أن التعليم مجاني، ليته لم يكن مجانيا، ولم تصل إلي هذه الدرجة، وقد قلت في مقالة سابقة إن الحكومة مسئولة عن الفقراء فقط، ففي كل دول العالم، عادة تكون الدولة مسئولة عن غير القادرين من المواطنين؛أما في مصر فالوضع مختلف تماما !!! ففي مصر الدولة مسئولة عن كل أهلها قادرين وغير قادرين (من المهد إلي اللحد)!!!؛ فلو حصرت الدولة جهودها للتعليم والصحة علي الفقراء ودفعت عنهم مصاريفهم لاستفادوا ولتحمل كل قادر عبئه،ولو نظرنا إلي الدولة التي يريد فخامة الرئيس نقل تجربتها التعليمية إلي مصر وأهلها، وهي دولة اليابان لوجدنا أن اليابان من أكثر الأمم تطبيقًا لرؤية الإسلام في الإنسان، وإن كانوا غير مسلمين بالمعني الذي أدخل في أذهاننا ( عجيبة أخري )، وإذا اعتبرنا قول الرسول صلي الله عليه وسلم » إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» فاليابان قد اكتملت أخلاقهم ونحن في هذا العصر في كل يوم تنحدر أخلاقنا أكثر وأصبح الإسلام عندنا ينحصر في طول الذقن وقصر الثوب !!!، وبعد ذلك لا مانع من الغش، ومن الحقد، ومن الحسد، ومن الكذب، والذي قال النبي عليه الصلاة والسلام »إن المسلم لا يكذب». كررت في هذا المقال والمقال السابق لفظ الفقراء، ومحدودي الدخل، وتعريفهم يحتاج إلي مقال آخر؛فإلي لقاء إن كتب الله لنا العمر.