ابتسم الرجل واقترب من الباب وقد كنت متوقعا أن يركب في الخلف كما يفعل الزبائن المهمون من أمثال سعادته لكني فوجئت به يفتح الباب الذى بجوارى ويدخل وهو مستمر فى الابتسامة قرون استشعار كنت أزعم دائما أننى امتلك من قرون الاستشعار ما يجعلنى أشم رائحة النصابين من على بعد آلاف الأميال وكنت أسخر بينى وبين نفسى عندما أسمع نوادر الزبائن الذين يركبون معى فى التاكسى وهم يحكون كيف وقعوا فى شراك النصابين وكنت دائما أتباهى بأننى والحمد لله محصن ضد هؤلاء النصابين ، وبأننى قد تعاطيت منذ الصغر تطعيما ضد هذا الوباء كما كنا نتطعم ضد الحصبة والكوليرا زمان .. لذا وبمجرد أن يبدأ الزبون فى سرد وقائع عملية النصب عليه أقوم أنا بإكمال الحكاية له من واقع خبرتى الطويلة فى سماع حواديت وحكايات النصابين . منذ يومين أشار لى زبون يبدو عليه علامات الوقار فهو أشيب شعر الرأس واللحية .. يضع على عينيه نظارة من النوع الغالى الفخيم ويرتدى بدلة من الواضح أنها ماركة ملابس عالمية ويمسك فى يده بعدتين موبايل لا يقل سعر الواحدة منهما عن عشرة آلاف جنيها..وقد اعتدنا نحن أبناء كار التاكسيات أن نطلق على مثل هذا الزبون لقب زبون لقطة لا يتردد الواحد منا فى أن يقف ليقله إلى وجهته حتى لو كان متجها إلى المريخ فكان من الطبيعى ألا أتردد فى الوقوف لهذا الزبون اللقطة الذى أشار لى فى ميدان العباسية قائلا: • الزمالك يا أسطى ؟ الزمالك والأهلى وكل اللى تؤمر بيه سعادتك اتفضل اتفضل ابتسم الرجل واقترب من الباب وقد كنت متوقعا أن يركب فى الخلف كما يفعل الزبائن المهمون من أمثال سعادته لكنى فوجئت به يفتح الباب الذى بجوارى ويدخل وهو مستمر فى الابتسامة العريضة قائلاً: اين عليك سواق ابن بلد أنا هركب جنبك ياسلام ياسعادة الباشا أنا أكيد امى داعيالى إن سعادتك تركب جنبى أهلا أهلا ليلة القدر وهكذا وفى أقل من الفيمتو ثانية أصبحنا أنا والزبون اللقطة أصحاب وقد ضغطت على قرون الاستشعار التى عندى ضد النصابين فجاءت النتائج كلها سلبية..سألته أسئلة كشف الكذب التي أوجهها بصنعة لطافة للزبائن لأختبر معدنهم فجاءت إجاباته كلها مقنعة لا لبس فيها ولا غموض..فتأكدت من خلال إحساسى أنه رجل صادق تماما وأن ليلة القدر انفتحت أمامى فى هذه اليوم الذى سيكون بالتأكيد يوم سعدى..فالرجل كما فهمت منه يعمل فى مجال الاستيراد والتصدير وأنه صاحب شركة عالمية مقرها الأساسى فى الزمالك ولها عدة فروع فى عدة دول عربية وأجنبية..وأنه - من حسن حظى طبعا - لا يجب قيادة السيارات رغم أنه يمتلك اسطولا من أحدث وأفخم الموديلات وفى هذا اليوم كان سائقه الخاص فى أجازة بسبب مرض زوجته فاضطرالرجل أن يستخدم التاكسيات ..وقد أثلج صدرى عندما قال لى أنه يعانى من عدم قدرته على توظيف شباب مخلصين مبتكرين قادرين على العطاء بلا حدود وأنه يعانى من كسل موظفيه وعدم قدرتهم على متابعة كل ماهو حديث فى المجال رغم أن أقل واحد منهم يتقاضى أجراً لا يقل عن ثلاثة آلاف جنيه..شعرت عندما قال لى الرجل هذا الكلام أن طاقة القدر لم تنفتح لى وحدى بل لأسرتى جميعا وقلت أن الفرصة قد جاءت أخيرا لتلبية كل طلبات التوظيف فى أسرتى المليئة بالشباب المتعطل عن العمل لقلة فرص العمل فى البلد .. فمنذ عدة سنوات وأنا احتفظ فى التاكسى بالبيانات الشخصية لعدد كبير من أبناء اخوتى وأقاربى وجيرانى على أمل أن ألتقى يوما بزبون من هذه النوعية التى تمتلك مجموعة من الشركات والمصانع التى يمكن من خلالها حل مشكلة عدد من الشباب الذين تقذف بهم الجامعات سنويا إلى سوق عمل بلا عمل. فلوس فكة ياما انت كريم يارب..هكذا هتفت بينى وبين نفسى وأنا أتأهب لمفاتحة الرجل بأن طلبه عندى وأن الشباب الذين يبحث عنهم بمواصفات خاصة هم أولاد اخوتى وأقاربى وجيرانى الذين هم أولى بالمعروف وقبل أن انطق بكلمة فوجئت بالرجل يخرج من جيبه ورقة مالية فئة المائتى جنيه وسألنى: ألاقى معاك فكة 200 جنيه يا اسطى؟ لا بصراحة ياباشا إحنا لسه ماسترزقناش. طب ممكن تركن لحظة جنب أى سوبر ماركت؟ آه طبعا غالى والطلب رخيص. وهكذا ركنت عند أقرب سوبر ماركت حيث هم الرجل بالنزول عندما صممت على أن يظل هو بالتاكسى وانزل أنا أفك له المائتى جنيه حيث أعطانى البائع بالسوبر ماركت مائة جنيه خمسات وعشرات ومائة صحيحة وعدت فسلمتها له حيث أمسك بها دون أن يعدها ثم فوجئت به يفتح الشباك الذى بجواره ويبدأ فى إلقاء ورقة من فئة الخمسة أو العشرة..فى البدايت اعتقدت أنها فلتت منه رغما عنه فتوقفت بالتاكسى فإذا به يشير لى لاستمر فى السير قائلا لى:لا تقلق هذه الخمسة رزق له صاحب سوف يأتى بالتأكيد ليأخذه..هذه العشرة لها صاحب مؤكد سيسوقه القدر لها وهكذا حتى انتهى الرجل من المائة جنيه الفكة وهو يؤكد لى أن هذه عادته وهوايته التى يحلو له دائما أن يمارسها كلما ركب سيارته الخاصة بجوار سائقه الخاص ثم تنهد الرجل وهو يمسك المائة جنيه الصحيحة فى يده وقال لى : طبعا أنت فاكر انى بارمى للناس الغلابة الفكة بس أكيد طبعا سعادتك لا وحياتك..حتى الورقة ام 100 جنيه دى هارميها لصاحبها بتهزر أكيد سعادتك أبدا وحياتك هى كمان لها صاحب أكيد مقسوماله طب مش يمكن سعادتك تكون مقسومة ليا أنا؟ ممكن طبعا مين عارف ؟ يعنى ينفع سعادتك لو رميت ال100 جنيه أنزل أنا آخدها ويبقى ملهاش دعوة بالحساب؟ ينفع طبعا هو أنا اللى باقسم الأرزاق؟ لو ربنا قسمهالك يبقى انزل خدها وقبل أن أرد عليه ألقى بالمائة جنيه من الشباك فطارت للوراء وأوقفت التاكسى وتركت الموتور دائر ونزلت بسرعة لالتقاطها وجريت وراء المائة جنيه فى نفس اللحظة التى قام الرجل فيها وبسرعة شديدة بالنزول من التاكسى ليجلس مكانى وبسرعة الريح انطلق بالتاكسى لادرك فى هذه اللحظة أننى ضيعت فى وهم التحصين ضد النصابين عمرى أننى وقعت ضحية لنصاب من نوع جديد طار بالتاكسى ليتركنى فى الشارع ومعى المائة جنيه وأنا أضحك بهستيريا:سبحان مقسم الأرزاق..تاكسى العمر اللى لسه باقسط تمنه للبنك راح وب100 جنيه بس ؟ يابلاش!