لنتعلم كيف نحب كل ما هو خير، وكل ما هو حق، وكل ما هو جدير بالاعجاب، ولا يوجد إنسان غير جدير بالمحبة إذا جعلنا بيننا وبينه لوناً من الألفة والإنسجام، ولعل أفكار أشد معارفنا جهلاً قد تثير اعجاب أكثرنا علماً وحكمة، وإذا نحن امعنا النظر في النواحى الطيبة فى نفوس المحيطين بنا، لقامت الألفة وحسن التفاهم بيننا وبينهم، وكلما اجتهدنا فى كشف محاسنهم، ازداد حبنا لهم واعجابنا بهم، ولا يمكن لنا أن نأمل فى حياة متوافقة مؤتلفة إذا لم نكن نحن متوافقين مؤتلفين مع غيرنا، فإذا استطعنا تنمية هذا الاحساس فى قلوبنا، بدلاً من التحامل، الفينا الحياة سهلة رضية، كالسباح الذى يمضى مع التيار، والآخر يسبح ضده! أن ما يبدو حولك من مظاهر لا ترضيك، ترجع غالباً إلى ضعف قدرتك على الحب والاعجاب، وإلى عجزك عن خلق روح من الوفاق بينك وبين ما يدور حولك. اذهب إلى مكان هادئ، وأخلو إلى نفسك وأسألها: هل انت تنظر إلى معارفك بعين الرضا؟ هل تحاول أن تكشف عن النواحى الطيبة والخيرة فى نفوسهم؟ هل ترى جوانب الاشراق فى طباعهم؟ أم أنك تنظر إليهم بعين ساخطة لا ترى إلا العيوب؟ وواجباتك اليومية، هل تراها مجالاً لاكتساب الخبرة والتقدم؟ أم أنك لا تلمس منها سوى الجوانب الصعبة المعقدة؟ فإذا صدقت نفسك الاجابة، ورأيت أنك لا تنظر بعين الحب والرضى إلى من حولك وما حولك، وجب عليك أن تعترف بأنك مخطيء فى نفسك ميول وأفكار تجعل حياتك تسير ضد التيار، بدلاً من أن تجعلها هادئة رضية، وكيف ترجو الهدوء والسعادة وأنت تجد فى كل عمل معنى للحزن والأسي، ولا تسمح لذهنك إلا بالتفكير المعادى لكل شيء؟ إذا كان هذا أمرك، فقد آن لك أن تتغير.. أبداً الآن فى تنمية الحب فى قلبك، التمس فى كل انسان وفى كل شيء، ما يفعم قلبك بالحب والاعجاب، فإذا فعلت فكل شيء حولك قد تبدل وتغير، وإذا بك ترى عدو الأمس صديق اليوم، وإذا المصاعب تصبح هينة لينة، وإذا الهموم والاكدار تخف يوماً بعد يوم، لتحل محلها أسباب البهجة والانشراح، وإذا محاسن الناس تزداد وضوحاً أمامك كلما امعنت فى التماسها، وإذا واجباتك اليومية لذيذة مسلية طالما أنت تبحث عن نواحى المتعة والتسلية فيها، وإذا الحياة تفتح لك جوانبها المشرقة السعيدة. هذا كله راجع إليك وحدك، فأنت تستطيع أن تعيش فى وئام أو فى خصام، أن تحب أو تكره، أن تكون شهماً نبيلاً مبسوط الرزق، أو أن تكون خسيساً مقتراً، تزداد كراهية الناس لك يوماً بعد يوم! قل لنفسك ابتداء من الآن سأنسى كل خلافاتى وأحفادى، سأطهر قلبى من الكراهية والحقد، سأحب للناس ما أحبه لنفسي، ولا تعتقد أن حبك لنفسك يعنى أنك انسان أناني، فإن هذا الاعتقاد خاطئ، فالمقصود بحب النفس هو الحب الكريم المثالي، البعيد عن الأنانية، وايثار الذات، وإلا لما قال الرسول عليه السلام «حب لأخيك ما تحب لنفسك» إن الحب هو العطاء والمنح والتضحية، الحب هو مصدر العواطف الانسانية جميعها، الحب هو الاهتمام بكل من حولك، وتقديم العون والرعاية لكل محتاج، الحب هو الذى يجعلنا نبدو فى عيون الآخرين فى صورة تمضى نفوسنا، وتشملها بالهدوء والسلام، الحب يحفزنا على العمل والتفانى فيه والاخلاص له. وإذا احسست فى أى لحظة بأن شعورا من الحقد والكراهية يملأ قلبك نحو أى انسان، حاول أن تتخلص منه، أنظر فى المرآة، سترى هذا الشعور مرسوماً على وجهك، سترى أن صورتك قد تغيرت، وان شكلك يبدو منفراً، وانك تستحق الرثاء للحالة التى وصلت إليها! أما إذا كان قلبك عامرا بالحب لكل الناس، فإنك سوف تشعر بصفاء النفس، وراحة البال، سترى وجهك فى المرآة مريحا مضيئاً مشرقاً هانئاً. والحقد لا يظهر فقط على الوجه، بل يتغلغل فى النفس والوجدان، فيطفىء شعلة التفكير، وبسلب قوة العزيمة والارادة، بل ويتعدى كل ذلك إلى الاضرار بالجسد، واتلاف الجهاز العصبى وفى يدك وحدك أن تتجنب كل هذه الأمراض. حاول قدر استطاعتك أن تملأ قلبك بالحب، وتكون على وفاق وصداقة مع نفسك، وتغار عليها غيرتك على الأعزاء والاحباب والأصدقاء، وليس معنى هذا أن تكون ملاكاً ، وترتفع عن مستوى الأخطاء والنزوات، فنحن بشر خلقت فينا الخطيئة، ولكن معناه الا ترتكب الخطأ وتكرره عن عمد واستهتار، ولامبالاة، فإذا سيطر عليك الحقد حاول التخلص منه، وإذا داهمك الشعور بالانتقام قادمة وحده، اجعل حبك للناس نابعاً من حبك لنفسك، ذلك الحب الكريم الرفيع الخالص من النزوات البغيضة مثل الغرور والاعتداء الكاذب وايثار المنفعة الشخصية. ان الحب الكريم للنفس سيدفعك إلى الحب الكريم لكل من حولك، فأحذر أن تكون عدوا لنفسك، فإن من يعادى نفسه يكون عددا لكل الناس. قالت: أشعر أن الحياة مملة جافة... فارغة من الحب! قلت: وزوجك! قالت: حاولت أن أحبه، ولكن لم أستطع.. قلت: ألم تتزوجيه عن حب؟ قالت: اختارته لى أمي، ولم أشأ أن ارفضه حتى لا أصدمها، وهى مريضة بالقلب: قلت: كان من واجبك أن تصرى على رفضه.. قالت: كنت أحسب اننى سأحبه. قلت: وما شعورك نحوه الآن؟ قالت: أعيش معه كرجل غريب.. قلت: الكثيرات يعشن مثلك مع أزواجهن! قالت: ولكنى أخشى على نفسى من الضعف أمام أى اغراء. قلت: وضميرك ومبادئك؟! قلت: لا استطيع أن أعيش بلا حب.. الحب هو زادى وغدائى فى الحياة.. والقلب أحيانا ينطلق دون تفكير أو ارادة!! قلت: وعقلك.. هل أعطيته اجازة؟ قالت: العقل أحيانا تجرفه العاطفة، ولا يمكنه الصمود أمام تيارها!! قلت: نصيحتى لك أن تستمرى فى محاولاتك لتحقيق الوفاق بينك وبين زوجك.. فالزواج ليس حبا فقط، ولكنه حنان ومودة وعطف أيضا. قالت: الحياة اذا خلت من الحب ، أصبحت بلا أمل! قلت: أنا متأكد أن الحب سيأتى مع الوقت، وعليك الآن أن تبدئى بالخطوة الأولي. قالت: أعدك أننى سأحاول، ليس من أجل حياتى فقط، ولكن من أجل أمى المريضة.. قلت: واجعلى العقل دائما هو الحارس الأمين الذى يسهر على قلبك، حتى لا يضعفه ويصيبه الندم!!