التوزيع الحالى لسلطات الدولة جعل عددا لا بأس به من المنتمين إلى تيارات مدنية يضع انتخاب عمرو موسى للرئاسة خيارا مطروحا، بعد أن كان مجرد التفكير فى هذا الخيار ضربا من ضروب «خيانة الثورة» و«التفريط فى دم الشهداء». ربما شجعتهم على ذلك الطبيعة الاحتكارية الإقصائية التى عبرت عنها التيارات الإسلامجية، مضافا إليها ما أبدوه من استعداد للتغاضى عن إراقة الدماء فى سبيل مصالحهم، واستدعائهم ميليشياتهم لتحميهم ممن يمارسون حقهم الطبيعى فى التظاهر أمام مجلس الشعب. هذه الممارسات خوّفت أنصار القوى المدنية من أن رئيسا إسلامجيا (بعد برلمان ودستور وحكومة إسلامجية) يساوى دولة استبداد فتية، عمرها الافتراضى طويل، واستبدادها محمى بالدين، ومدعوم بميليشيات شعبية مدربة. هذه وصفة إيرانية بامتياز. اقرئى إن شئتِ مسار السنة الأولى بعد الثورة الإيرانية، فترة حكم أبى الحسن بنى صدر، أول رئيس للجمهورية الإسلامية. لكن وصول عمرو موسى إلى الرئاسة يحمل أخطارا هو الآخر. وصوله يعنى أن دماء الشهداء ستذهب هدرًا، كما حدث طوال العام الماضى، ويعنى أن جيل مبارك سيبقى فى السلطة، ويعنى أن المؤسسة العسكرية ستظل مهيمنة على الدولة من خلال الإمساك بمفاصل جهازها الإدارى، ويعنى أن حلم التغيير المدفوع مجتمعيا من خلال القوى السياسية الشابة سيسلم إلى رجل لم يكن يوما جزءا من المشروع، ولا حتى بذل جهدا لفهمه وفهم القائمين عليه ومد حبال التواصل معهم. والأخطر من ذلك أن كلامه يشى بأنه مبيت لسوء النية تجاههم. راجعى تصريحاته فى المنيا التى شن فيها هجوما عنيفا على حركة 6 أبريل، أعاد فيها، وهو من يدعى إقامة جمهورية جديدة، نفس اتهامات سلطة مبارك، وسلطة وريثه المجلس العسكرى. حركة 6 أبريل، حتى لا يساء فهم كلامى، ليست أبدا فوق النقد. لكن نوعية النقد هى التى تدق ناقوس الخطر. لقد كان عمرو موسى فى خدمة النظام حين كان شباب 6 أبريل يعرِّضون أنفسهم للخطر، متصدين لظلمه. أولا بانتشارهم بين العمال ودورهم الفاعل فى الإضراب الذى يحملون تاريخه عنوانا لحركتهم، وثانيا لدورهم الرئيسى فى الإعداد لثورة 25 يناير، وثالثا لوقوفهم فى وجه السلطة العسكرية والاحتكار الدينى بعد الثورة. وفى هذا الإطار اتهمهم نظام مبارك، ثم اتهمهم المجلس العسكرى بعده، بهذه التهمة. وحين يرددها عمرو موسى دون حرف زيادة ولا نقصان، فإنه يكشف إلى أى جانب ينحاز. أعلم أن وزير «خارجية» مبارك يعوِّل «داخليا» على أصوات «حزب الكنبة». وهذه وحدها قد تكفيه للنجاح. لكن هذا يدل على قصور نظر، ومحدودية رؤية سياسية. كيف؟ مصر تحتاج حاليا إلى رئيس ذى قاعدة شعبية واسعة، لا بد أن تشمل، فى ما تشمل، جزءا لا بأس به من الأعضاء النشطة للأمة، حساب الأعداد المطلق لا يصلح هنا، تماما كما أن وزن عضو فى الجسم ليس مؤشرا إلى مدى أهميته. الإنسان بأصغريه، والأمة أيضا بصغارها، لأنهم قلبها النابض ولسانها الناطق، وهم أيضا الجزء المغامر من مخها. قد تصل أغلبية خاملة بالرئيس إلى الكرسى، لكنها لن تمنحه غطاء شرعيا شعبيا، ليس بعد ثورة قادها شباب مُصرٌّ على التغيير، من بينهم حركة 6 أبريل التى يتهمها المرشح الرئاسى بلا أقل من «الخيانة العظمى». وقد أثبتت أحداث السنة الماضية أن القوى الشبابية، على ضعفها فى الصناديق، رقم صعب فى الشارع، ومحرك أساسى للرأى العام. بل إن هذه النقطة بالذات (التواصل مع الحركات الشبابية) هى الميزة الكبرى لمنافسه فى الانتخابات الرئاسية، د.عبد المنعم أبو الفتوح، الذى أعتقد أيضا أن أمامه فرصة كبيرة فى مزاحمة عمرو موسى على أصوات حزب الكنبة حين تبدأ المناظرات التليفزيونية. حيث عمرو موسى معروف سابقا، ولن يضيف إليه ظهوره فى المناظرة كثيرا، بل قد يسحب من رصيده، حين يقارن الناس بينه وبين أبو الفتوح، الموهوب طبيعيا بالقبول، كما أنه الوجه الجديد، الآمل فى زيادة تابعيه، لا نقصانهم. أضيفى إلى ذلك حقيقة أن حزب الكنبة خدّاع، لا يمكن الاستهانة بتغلغل كوادر الإخوان فى ثناياه، والانتشار الشعبى للسلفيين بين صفوفه. وسوف تكون أصوات هؤلاء، غالبا، لأبو الفتوح، أو مرشح إسلامجى آخر، إن وصل مع عمرو موسى إلى الجولة الثانية. من المفيد أيضا أن يتذكر عمرو موسى أن حزب الكنبة أثبت فى الانتخابات البرلمانية مدى نفوره من «الفلول». هذه الحقائق كان لزاما أن تجعله أكثر حرصا، وإصرارا، على إيجاد صلة بالقوى الشبابية، بدلا من معاداتها. لكن يبدو أن الطبع غلاب. رئيس هذه المرحلة، أيا من كان، يجب أن يكون مترفعا عن الصغائر، حاضنا الجميع، معارضيه قبل مؤيديه، قادرا على الابتسام ومد اليد للطيف السياسى كله. يخطئ من يظن أن مصر تحتاج فقط إلى ضخ أموال، فلا مال حيث لا استقرار. حتى الآن رسب عمرو موسى فى هذا الاختبار!!