لم تكن تصريحات أمينة لجنة المرأة فى حزب الحرية والعدالة عن المتظاهرات خارجة عن «السياق الإخوانى»، ولا كانت تعبر عن رأيها الشخصى. الجماعة المحافظة التى تملك أجندة مختلفة تماما عن أجندة الثورة، لم تكن الحرية يوما شعارها. والجماعة المحافظة ترى للمرأة دورا مرسوما سلفا، ومحدودا، ومتخلِّفا عن دور الرجل. وليس هذا باختيارها الشخصى الذى يجب على الجميع أن يحترموه، إنما بإملاء قانونى تشريعى، وبضغط اجتماعى، يلزمها -كما قالت أمينة لجنة المرأة فى حزب الحرية والعدالة- أن تُنيب عنها أباها أو زوجها أو غير ذلك من محارمها، أن تسلمه صوتها، وتوقع له على توكيل باتخاذ القرار الميدانى بدلا منها. والجماعة العجوز تختار مرشدها العام أكبر الأعضاء سنا، وحين طورت هذا جعلته من بين أكبر الأعضاء سنا، وتعاقِب من يخالفون قرارها بالطرد والفصل، وتلزم الأتباع بالسمع والطاعة أولا ثم المناقشة، فتتخذ القرار فوقيا. كل ما ذكرته أعلاه، بالإضافة إلى عدم ثقتها فى المختلفين دينيا فى موقع القيادة، يضعها، لو تفكرت فى الموضوع، فى منزلة أقرب إلى المؤسسة العسكرية منها إلى المواطنين الذين خرجوا يحلمون بعالم جديد، شاب التفكير، منفتح، يحترم الخيار الإنسانى، ويحترم القانون الذى يسرى على الجميع، ولا يساوم فيه إن كان منتهكوه من المتنفذين، لا منحهم الأمان. الجماعة، مثلها مثل المؤسسة العسكرية، اتفقا مع الثورة على إسقاط مبارك، حين لم يكن من إسقاطه مَفرٌّ. لكنهما لم يتفقا مع الثورة على ما هو أكثر من ذلك. بل الأصح أن الجماعة والمؤسسة اتفقتا على إعادة إنتاج النظام القديم بأشخاص جديدة. اتفقتا على العداء لكل المجموعات الشبابية الفاعلة، بل والتعامل معها تعاملا أبويًّا قاسيا، مستخفا، ممليًا، والنظر إليها على أنها انتقاص من تلك السلطة الأبوية، ولم يتورعا فى سبيل ذلك على تشويهها وسجن أعضائها، بل والقتل إن لزم. وهنا أريد أن أؤكد لك أن موقف الإخوان، إذ تعرض رفاق الثورة للقمع، لم يكن الصمت السلبى، بل كان مشاركة إيجابية فى القمع، تبدو فيه الجماعة كالمتلقى للتعليمات والمعلومات من نفس المصدر الذى يتلقى منه المجلس العسكرى تعليماته ومعلوماته. استعيدى معى نقاط الاختلاف منذ إسقاط مبارك إلى الآن: فى اعتصام 9 مارس تولت شبكة رصد الإخوانية مهمة تهيئة الأجواء لتبرير فض الاعتصام بالقوة وللتغطية على التعذيب داخل المتحف المصرى ورددت نفس أقاويل طلعت زكريا التى رددها عن المعتصمين أثناء الثورة، فى أول مظاهرة كبرى ضد المؤسسة العسكرية سمَّتها الجماعة جمعة الوقيعة بين الشعب والجيش، وفى شائعة التمويل الأجنبى ل«6 أبريل» كانت الجماعة رأس الحربة فى الدعاية ضد الحركة، ونشطاء الجماعة هم من سموها 6 إبليس. أما فى ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء فكان من الجماعة ما رأيت من هَمْز ولمْز وتمييع على جثة قرابة المئة شهيد. مرة بادعاء انتظار نتائج التحقيقات التى لم تأت أبدا (بدلا من الاعتراض الحقيقى على بطء التحقيقات والدفع فى اتجاه إجرائها) ومرات بادعاء أن الأحداث غرضها تعطيل الانتخابات، وهى دعاية سلبية تظهر الشباب فى صورة المعطل للمسيرة السياسية، رغم أنهم كانوا وقودها الحقيقى، وما من تسريع فى تلك المسيرة إلا وجاء بتضحياتهم. بل وصل الأمر بالجماعة إلى الادعاء أن طرفا ما (لاحظ نفس العقلية الطرف ثالثية) اتصل بهم وطلب منهم المشاركة رغم أنه كان يثنيهم عنها كل مرة، وذلك دون أن تكلف الجماعة نفسها بإعلان هذا الطرف، ربما أسهم ذلك فى كشف الحقيقة وفضح النيات. لا تنتظروا، إذن، من الإخوان خيرا فى موضوع انتخابات الرئاسة، فلن ينتخبوا إلا مرشح المؤسسة العسكرية. ولا تغضبوا منهم، فإنما يفعلون هذا لحكمة: أنهم وصلوا إلى مرحلة النهاية، نهاية الجماعة التى لا بد أن تنتهى لكى ينشأ المجتمع الجديد. سينتخبون مرشح العسكر، ووالله سيضعهم فى السجون مرة أخرى، وسيعلم محمد بديع أنه لم يكن المرشد الذى مكّن الله للجماعة على يديه، بل المرشد الذى محق الله الجماعة على يديه. لأن من سامحوا عبد القادر عودة ورفاقه على انخداعهم لعبد الناصر، لن يسامحوا محمد بديع وعصام العريان ورفاقهما على «الانْلِداغ» مرة أخرى. سيكون من جميل المفارقة أن كثيرا من العلمانيين «الكفار» ستذهب أصواتهم إلى عبد المنعم أبو الفتوح الإسلامجى، الذى كان حتى أشهر مضت عضوا فى مكتب الإرشاد، بينما سيحاربه «إسلامجيون» بكل قوتهم. مفارقة تظهر الفرق فى معنى الانفتاح على الآخرين، وعدم البحث فى النيات. إنها السياسة.