الميليشيات تترك رسالتها على أجساد الضحايا. لا تريد الميليشيا إخفاء وحشيتها، فهى إعلان وجودها، كما أن الاستعراضات العسكرية أو الكمائن الأمنية إعلان عن وجود القوات النظامية. الميليشيا شرسة بحكم تركيبتها المحشودة بتشكيلة المرضى بالعنف.. هؤلاء هم الكتلة الرئيسية فى ميليشيا الدولة العميقة.. وكما ترصد شهادة الغريب ملكة، التى أشرت إليها أمس، نحن أمام أربعة مستويات للميليشيا: 1- العناصر المعتقلة عسكريًّا داخل السجن الحربى، وتشير دلائل إلى احتمال أن يتم إغواء هؤلاء بالخروج والإعفاء من الجريمة فى مقابل مهام مهاجمة المعتصمين. ويتم اختيار العناصر المدرّبة من بينهم، خصوصا من أسلحة الصاعقة والعمليات الخاصة، ممن يمكن الوثوق بهم للقيام بالمهام الأشد خطورة، والتى تشمل القتل.. وهى النوعية الأكثر خطورة والأقل عددا بين مَن يهاجمون المعتصمين، ويعملون مع مجموعة ضباط ميدانيين متخفين للقيادة والسيطرة على هذه العناصر. وضبط حركتها وأماكن الهجوم ومستواه وتوقيتاته. 2- الصف الثانى من مهاجمى الاعتصامات هم قطيع كبير من عناصر خطرة يعبّئها الأمن الوطنى والمباحث العامة من العشوائيات والأحياء الشعبية القريبة. وهى العناصر ذاتها التى تم تسليحها «بعد استئمانها»، وتم منحهم سلاح أقسام الشرطة الذى قيل إنه سُرق فى أثناء أعمال اقتحام الأقسام خلال جمعة 28 يناير 2011. وكانوا قد حلوا محل اللجان الشعبية الطبيعية بحكم تسلحهم وتفرغ أغلبهم، حتى اشتكى الناس من ممارساتهم وإتاواتهم، إلى أن تم حلها ومنعها بقرار المجلس العسكرى مع انفلاتها من عقال السيطرة، سعى بعضها للاستقلال عن شبكات التوجيه، وجرت استعراضات إعلامية للقبض على هؤلاء، وروج إعلاميًّا لأسطورة البعض منهم، لتثبت قدرة الداخلية ويقظتها. 3- يكتمل مشهد بلطجية الداخلية، بمن يسمون بالمسجلين «خطر»، وهم الفئة الأوسع، وهم خلاف مَن يعرفون بالبلطجية «المرتزقين من العنف، والمستأجرين لممارسته»، لكن الإعلام دمج الجميع تحت بند «بلطجية»، ولعل مبرر ذلك أنهم فى أعمالهم ذات التوجه السياسى مأجورون من أجل ممارسة العنف. 4- المسجلون «خطر» يشكلون تنويعة تضم أصحاب السوابق الإجرامية، كهجّامى المنازل، وقاطعى الطرق، ومروّجى المخدرات، والسارقين. وبوضعهم داخل هذا السجل، يصبحون رهنًا لنظام رسمى للمراقبة. وعادة ما يلزمون بمعاودة ضابط المباحث المكلف بالمراقبة عليهم على فترات قصيرة. ويمثل ضابط المباحث المكلف بمراقبة هذه العناصر الخطرة مركزًا من مراكز الشبكة الكبيرة «الميليشيا»، لما له من ميزة معرفة طبيعة كل مجرم من المنضوين فى شبكته، وكونه يملك سلطانا يمكنه من تهديد العنصر الخطر وإجباره على أداء أعمال بعينها لصالحه، كالمراقبة «ناضورجى» والإرشاد «تقديم التقارير الشفهية عن أعمال الإجرام المتوقعة»، بل والقيام بأعمال خارج نطاق القانون لصالح الضابط. ويرضخ عادة هذا العنصر الخطر مخافة إعادته إلى السجن معتقلا، أو ملفقا له تهمة. ويضاف إلى هاتين الفئتين شبكة المشبوهين، وهؤلاء ليسوا بلطجية أو أصحاب سوابق من المسجلين «خطر»، إنما هم عناصر تروج حولها سمعة الإجرام، دون إثبات ذلك بحكم قضائى. وعادة يسعى المبتدئون منهم لترويج سمعة الإجرام عن أنفسهم بحمل كنية غريبة «اسم تصييت»، من عينة «بسكوتة»، ذلك الذى تم تصويره يطلق الخرطوش على معتصمى العباسية، و«حموقة»، و«بزازة»، و«فرخة»، وغيرها. وهؤلاء جميعا يقعون تحت عين المراقبة من قبل المباحث العامة كنوع من الأمن الوقائى. ولذا يوجد لهم ملفات، باعتبارهم مجرمين محتملين. وهؤلاء ظلوا من العناصر المفضلة خلال فترة الانتخابات لسهولة التحكم فيهم. وتمثلت أدوارهم داخل الميليشيا الموجهة ضد المعتصمين فى القيام بشحن أهالى المناطق المجاورة وإثارتهم وحفزهم على المشاركة فى قمع الثوار، وأحيانا ممارسة ما من شأنه إفزاع السكان من وجود الاعتصامات أو مرور المسيرات فى جيرتهم. .. يبقى هنا فى الشهادة إشارة مهمة إلى أن بمثل هذه الميليشيات ارتكب البشير جرائمه فى السودان.. عبر عصابات معروفة باسم «الجنجويد»، وهذا ما تكرر مع شبيحة بشار الأسد فى سوريا.. وترى الشهادة أن اللجوء إلى الميليشيات شبه العسكرية التى تتزيّا بالزى المدنى لا يعنى تمرير أكذوبة أن أهالى يضربون فى أهالى، وأن مؤيدى الاعتصام ورافضيه يشتبكون وينجم عن ذلك ضحايا. هى ممارسة معروفة للتغلب على المعوقات القانونية والإجرائية التى تحكم المؤسسات النظامية الأمنية، وتحريك عناصر غير محسوبة أو موظفة رسميا لدى محسوبة أو موظفة رسميا لدى هذه المؤسسات يسعى بها صاحبه أن يتنصل من المسؤولية. هذه شهادة دقيقة على الأشباح التى سماها الإعلام الرسمى «الطرف الثالث»، واكتشفنا أنه اسم خرافى للتغطية على ميليشيات الدولة العميقة.