الاحتلال يطلق نحو 6 صواريخ على المنزل المحاصر في بلدة قباطية جنوب جنين    محافظ الشرقية يفتتح النصب التذكاري للشهداء    تخرج الدورة الأولى للمعينين بالهيئات القضائية من الأكاديمية العسكرية المصرية    وزير البترول يتابع تطور تنفيذ المنصة الرقمية للخامات التعدينية    وزير التجارة يبحث مع اتحاد المصنعين الأتراك مقومات الاستثمار بمصر    بنك مصر يتعاون مع شركة أمان ليك لخدمة عملاء قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة    الأنبا تيموثاوس يدشن معمودية كنيسة الصليب بأرض الفرح    الكويت: حبس مواطن ومقيمين احتياطا لاتهامهم بالقتل الخطأ فى حريق المنقف    يورو 2024.. نزلة برد تجتاح معسكر منتخب فرنسا    الجمهوريون يصوتون بالنواب الأمريكى لمحاسبة وزير العدل لازدرائه الكونجرس    "أول مرة أشوف ظلم وهبطل كورة".. يوسف حسن يهاجم إدارة الزمالك لتجاهله    عضو إدارة الأهلي السابق: خبيت حسني عبد ربه لضمه.. وخطفت لاعبا من داخل الزمالك    ذروة الموجة الحارة.. الأرصاد تعلن حالة الطقس والظواهر الجوية غدًا    تطورات جديدة في بلاغ سمية الخشاب ضد رامز جلال    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الجمعة 14-6-2024، السرطان والأسد والعذراء    اليوم.. نتفليكس تعرض فيلم الصف الأخير ل شريف محسن    وكيل الصحة بمطروح يتابع سير العمل بمستشفى مارينا وغرفة إدارة الأزمات والطوارئ    رضا عبد العال: أرفض عودة بن شرقي للزمالك    "المحطات النووية": تركيب مصيدة قلب المفاعل للوحدة الرابعة بالضبعة 19 نوفمبر    أسواق عسير تشهد إقبالًا كثيفًا لشراء الأضاحي    عاجل- الرئيس السيسي يتوجه اليوم إلى السعودية لأداء فريضة الحج    قرار جمهوري بتعيين الدكتور فهيم فتحي عميدًا لكلية الآثار بجامعة سوهاج    محاولة اختطاف خطيبة مطرب المهرجانات مسلم.. والفنان يعلق " عملت إلى فيه المصيب ومشيته عشان راجل كبير "    3 عروض جديدة تستقبل الأطفال في عيد الأضحى 2024.. تعرف عليها (صور)    رئيس صندوق التنمية الحضرية يتابع الموقف التنفيذي لمشروع "حدائق تلال الفسطاط"    «يوم الحج الأعظم».. 8 أدعية مستجابة كان يرددها النبي في يوم التروية لمحو الذنوب والفوز بالجنة    فطار يوم عرفات.. محشي مشكل وبط وملوخية    11ستمبر.. تأجيل محاكمة 4 متهمين بالتسبب في إصابة مزارع بالعمي    نقل المصابين في مشاجرة عائلتي بكوم إمبو للمستشفى الجامعي وسط حراسة أمنية مشددة    صور | احتفالا باليوم العالمي للدراجات.. ماراثون بمشاركة 300 شاب بالوادي الجديد    انفجار مولد الكهرباء.. السيطرة على حريق نشب بمركز ترجمة بمدينة نصر    النيابة أمام محكمة «الطفلة ريتاج»: «الأم انتُزّعت من قلبها الرحمة»    في وقفة عرفات.. 5 نصائح ضرورية للصائمين الذاهبين للعمل في الطقس الحار    مجانًا.. فحص 1716 شخصًا خلال قافلة طبية بقرية حلوة بالمنيا    آداب عين شمس تعلن نتائج الفصل الدراسي الثاني    قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أكتوبر 2024    ضبط نجار مسلح أطلق النار على زوجته بسبب الخلافات فى الدقهلية    في أول ليالي عرضه.. «ولاد رزق 3» يزيح «السرب» من صدارة الإيرادات    بالأسماء.. غيابات مؤثرة تضرب الأهلي قبل موقعة فاركو بدوري نايل    كندا تعلن عن تزويد أوكرانيا بصواريخ ومساعدات عسكرية أخرى    لبيك اللهم لبيك.. الصور الأولى لمخيمات عرفات استعدادا لاستقبال الجاج    المفتى يجيب.. ما يجب على المضحي إذا ضاعت أو ماتت أضحيته قبل يوم العيد    إيران: ما يحدث بغزة جريمة حرب ويجب وقف الإبادة الجماعية هناك    باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي.. ضبط تشكيل عصابى تخصص فى النصب على المواطنين    عاجل| رخص أسعار أسهم الشركات المصرية يفتح شهية المستثمرين للاستحواذ عليها    وزارة الصحة تستقبل سفير السودان لبحث تعزيز سبل التعاون بالقطاع الصحى بين البلدين    «الإسكان»: تنفيذ إزالات فورية لمخالفات بناء وغلق أنشطة مخالفة بمدينة العبور    حملة مرورية إستهدفت ضبط التوك توك المخالفة بمنطقة العجمى    دار الإفتاء توضح حكم صيام يوم عرفة    5 أعمال لها ثواب الحج والعمرة.. إنفوجراف    «معلومات الوزراء»: 73% من مستخدمي الخدمات الحكومية الإلكترونية راضون عنها    وزيرة التخطيط تلتقي وزير العمل لبحث آليات تطبيق الحد الأدنى للأجور    على خطى كرة القدم.. ريال مدريد بطلا لدوري السلة    حريق هائل في مصفاة نفط ببلدة الكوير جنوب غرب أربيل بالعراق | فيديو    البرازيل تنهي استعداداتها لكوبا 2024 بالتعادل مع أمريكا    رئيس هيئة الدواء: السوق المصرية أكبر الأسواق الإفريقية بحجم مبيعات حوالي 7 مليارات دولار سنويًا    هشام عاشور: "درست الفن في منهاتن.. والمخرج طارق العريان أشاد بتمثيلي"    ناقد رياضي ينتقد اتحاد الكرة بعد قرار تجميد عقوبة الشيبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اخبار مصر : تفاصيل استشهاد كريستى أمام الاتحادية
نشر في أخبار النهاردة يوم 03 - 02 - 2013

اخبار مصر عقارب الساعة تشير إلى التاسعة والنصف ليلاً. دخان كثيف مسيل للدموع ينتشر فى محيط شارع الميرغنى قادم من اتجاه قصر الاتحادية. طلقات الخرطوش والرصاص الحى يدوى فى أرجاء المكان، فيواجهه هتاف «الشعب يريد إسقاط النظام». قوات الأمن تتقدم وتكثف إطلاق الخرطوش فتصطدم طلقاتها فى أعمدة الكهرباء التى تتوسط الشارع محدثة صوتاً صاخباً. يقف محمد حسين قرنى حسن سالم، شاب عشرينى يتحدث مع صديقيه نانسى عطية ورامى مصطفى. فى مواجهة قوات الأمن، يشتد إطلاق النار صوب المتظاهرين فيهرولون مسرعين للابتعاد عن مجاله. يتشبث «محمد» بيد زميله «رامى»، وفجأة يسقط مصاباً. تتعالى أصوات المتظاهرين، «الإسعاف.. شيله على الإسعاف بسرعة»، يبدو نزيف دموى حاد يتسرب من أسفل أذنه. يضع المتظاهرون «شال» على رقبته لوقف النزيف الذى ينهمر. يحمله المتظاهرون نحو سيارة الإسعاف التى تقف على ناصية تقاطع شارع الميرغنى مع الخليفة المأمون. يقتربون من سيارة الإسعاف ويحاولون إدخاله فيجدون مصاباً آخر داخل السيارة يداوى قدمه من طلقة خرطوش اخترقتها. ينتبه المسعف فيشاهد إصابة «محمد» فيترك من يُعالجه ويحمله داخل السيارة. يستكشف المسعف موضع الإصابة ليعرف مصدر نزيف الدم فيكتشف أنه فاقد الوعى وبه طلق نارى فى صدره وأسفل أذنه. يقفز «رامى» -صديق «محمد»- داخل سيارة الإسعاف وتنطلق السيارة مسرعة نحو مستشفى هليوبوليس بمصر الجديدة. تدخل السيارة إلى المستشفى الساعة العاشرة مساءً ويتم عرض حالته على الأطباء، فيكتشفون أنه فارق الحياة، فيجهش «رامى» بالبكاء، نائحاً «قتلوك الأندال يا محمد». «رامى»: وصانى بجنازة فى ميدان التحرير وقال لى «لو مارجعتش هاكون مع الطاهرين»
يروى الدكتور محمد إيهاب، طبيب بمستشفى هليوبوليس، قائلاً: محمد فقد حياته قبل أن يصل إلى المستشفى، فإنه يُشتبه أن الطلقات التى أُطلقت عليه هى طلقات من الرصاص الحى وليست من الخرطوش، حيث إن طلقات الخرطوش عند إصابتها الجسم تنتشر محدثة عدة إصابة متفرقة، لكن إصابة محمد عبارة عن ثقبين، لطلقتين».
يأمر الأطباء بنقل جثمان محمد، إلى ثلاجة حفظ الموتى الملحقة بالمستشفى بعد أن وضعوا عليه لاصقة بيضاء مكتوباً عليها اسمه، ويتولى عمال الثلاجة هذه المهمة، وينقلونه على حامل حديدى خاص بنقل الموتى. يدخل جثمان الشاب العشرينى من باب حديدى إلى غرفة حفظ الموتى، التى لا تتعدى ال40 متراً. ويكشف عنه العامل الغطاء، وهو ينطق الشهادتين، وبجانبه صديقه «رامى» ينظر إليه، فتنهمر الدموع من عينيه.
خارج الثلاجة جلس رامى مصطفى صديق القتيل يبكى، حيث روى ل«الوطن» ملابسات الواقعة قائلا: «محمد وصانى قبل دقائق من استشهاده، وقالى: لو مارجعتش بيتنا.. قولوا لأمى أنى بقيت مع أطهر ناس فى الدنيا». محمد طالب فى الفرقة الرابعة بكلية التجارة بجامعة القاهرة، وساكن فى فيصل، وطول عمره فى المظاهرات وكان متطوعاً فى جمعية أطباء التحرير فى المستشفيات الميدانية من شهر نوفمبر 2011 عشان يساعد المصابين، ودلوقتى بقى فى قوائم الشهداء.
«رامى» الشاهد الأول على قتل «محمد» يكمل حديثه «محمد كان عضواً فى جمعية أطباء التحرير، وعشان هو متطوع نزل لمحيط قصر الاتحادية لاستطلاع المكان، تمهيداً لنزول الأطباء لإنشاء المستشفى الميدانى، تحسُّباً لتفاقم الأحداث والاشتباكات، وقابلته فى الأحداث ووقفت أتحدث معه أنا وزميلتنا (نانسى)، وفجأة وجدت نفسى بصحبة محمد فى مواجهة مدرعتين من على بُعد، حاولنا الجرى بأقصى سرعة بعيداً عن مرمى (الغاز والخرطوش)، ولكن آثار الاختناق التى عبأت محيط القصر الرئاسى أعاقت الحركة، لنجد ضابط أمن مركزى ملثماً (بقناع أسود)، يخرج من الكابينة الأمامية للمدرعة، مطلقاً الرصاص باتجاه (كريستى) -اللقب الذى طالما أحب أن يلقب به الشهيد- لتستقر رصاصتان فى (صدر ورقبة محمد)، ليختفى ذلك الضابط عن المشهد وسط أصوات (القصف والصراخ)». يضيف «رامى» خلال حديثه أن محمد ترك ورقة مكتوباً عليها «اسمه ورقم تليفون للاتصال فى حالة حدوث مكروه له»، وقال لأحد أصدقائنا قبل وقوع الاشتباكات «أنا نفسى لما أموت تعملوا ليا جنازة زى جنازة جيكا الله يرحمه».
«نانسى»: قبل موته قال لى «النظام خلاص سقط.. والحرية مش ببلاش»
الساعة قاربت على العاشرة والنصف. أعداد من المتظاهرين ورفقاء «القتيل» تصل إلى المستشفى. مهرولون إلى ثلاجة الموتى ليلقوا نظرة الوداع على صديقهم، تمتلئ غرفة ثلاجة الموتى بالشباب والفتيات. يتعالى صوت بكائهم. يطلب منهم عامل المشرحة الخروج لوضعه فى الثلاجة، حفاظاً على حالة جسدة.
الساعة الحادية عشرة، تقترب من بوابة المستشفى سيارة شرطة تقوم بدورية ليلية، ينزل منها النقيب «مينا عادل» فى صحبة بعض أفراد الشرطة تابعين لقسم النزهة الجديدة بمصر الجديدة، يسأل عن سبب التجمُّع، فيعرف أن هناك حالة قتل، فيشرع فى تحرير محضر بعد معاينة الجثة، ويروى ل«الوطن» قائلا: «أنا دخلت وعاينت الجثة وبها طلقين نافذين لرصاص حى فى الرقبة والصدر ليس لهما مخرج، وهذا يدل على أن هذه الطلقات تم إطلاقها من على بعد».
يبدأ أفراد الشرطة فى غُرفة الأمن التابعة للمستشفى بتحرير أقوال شهود الواقعة. ويبدأ فى سؤال رامى مصطفى الذى أكد ل«الوطن» أن الأمن يحاول تلفيق المحضر، وكأنه «طرف ثالث أطلق النيران»، موضحاً أنه رفض الإدلاء بأقواله فى المحضر الذى حُرر فى المستشفى، وأصر على أن يحرر محضراً فى قسم شرطة النزهة الجديدة. وقال «محمد حقه هيرجع.. ولو مارجعش يبقى مانستهلش نعيش».
يبدأ أقارب «محمد» فى التوافد على المستشفى، وعلى وجوههم الوجوم والصدمة. يدخلون إلى الثلاجة ليلقوا نظرة الوداع على قريبهم. يصل والد القتيل، الرجل ستينى ذو لحية بيضاء، مع زوجته والدة «القتيل» التى ترتدى «نقاباً» يُغطى وجهها ولا تظهر سوى عينيها اللتين تنهمر منهما الدموع، تتجه مسرعة نحو باب ثلاجة الموتى وهى تردد: «حسبى الله ونعم الوكيل فيكم.. ضيعتوا ابنى.. والله العظيم أنا بوست إيده عشان ماينزلش المظاهرات.. وقلتله يا محمد ماتروحش.. دى سكة خراب.. ماسمعش كلامى وقالى آخر جمعة يا أمى ومش هانزل تانى.. أنا فطرت معاه وماعرفش إنى دى آخر مرة هاشوفه.. دا محمد عمرى كله.. خرج من بعد صلاة الجمعة ومارجعش تانى البيت.. آه يا ربى.. حسبى الله ونعم الوكيل على اللى بيحرّضوه.. اعفو عنه يا رب».
ترتمى أم «القتيل» فى أحضان ابنها الأصغر «يوسف» ذى الثمانية عشر عاماً وتجهش فى البكاء، ينظر إليهما الأب وهو متماسك، ويدعو قائلاً «حسبى الله ونعم الوكيل».. يرن هاتف أم «القتيل» فترد قائلة: «أخوكى مات يا فاتن.. أخوكى مات.. محمد مات يا فاتن.. ويسقط من يدها التليفون».
يستدعى النقيب «مينا» والد «القتيل» ليأخذ أقواله بالمحضر داخل الغرفة. يسأله عدة أسئلة قائلاً: «هل توجه اتهاماً إلى أحد بقتل محمد الله يرحمه؟»، فيجيبه الأب باقتضاب قائلاً: «أنا ماباتهمش حد وماشوفتش اللى قتله، أجيب حقه إزاى، ابنى مات فى المظاهرات ماعرفش مين اللى قتله، لو أعرف أن واحد بعينه قتله أعرف أجيب حقه، لكن أنا ماعرفش، أنا مش عايز ابنى يتشرّح، عايز أنهى الإجراءات وادفن ابنى فى أسرع وقت».
تصل «نانسى عطية»، الشاهدة الثانية على قتل «محمد»، التى كانت بجواره وقت الواقعة. تدخل فتستمع إلى حديث والد «القتيل» فتتوسل إليه مع زملاء ابنه، قائلين له «ابنك لازم حقه يرجع، ماينفعش تقول إن ماحدش قتله».. يقترب «رامى» من والد «القتيل» ويقبّله على جبينه قائلاً له «أنا شوفت بعينى.. ابنك اتقتل برصاص الداخلية.. ابنك حقه لازم يرجع.. أنا قدّمت شهادتى فى قسم الشرطة فى محضر رسمى.. بلاش تضيّع حق ابنك».. لكن يتمسك الأب بأقواله.
يبدأ النقيب «مينا» فى سؤال «نانسى» فتجيبه قائلةً «أنا كنت مع (محمد) قبل ما يتقتل بدقائق، وفى أثناء حالة الكر والفر، أطلق أحد رجل الأمن الرصاص من خلف مدرعة كان يحتمى بها، بعدها سقط (محمد) ينزف.. أنا باتهم الرئيس محمد مرسى ووزير الداخلية الحالى بقتل (محمد)».
تروى «نانسى» ل«الوطن» آخر ما سمعته من «محمد» قبل وفاته: «كان شايل علم عليه صورة (جيكا) فى المسيرة اللى طلعت من مسجد النور بالعباسية، وقالى فى آخر حوار دار بينى وبينه: احنا هنكمل والنظام خلاص يا جماعة سقط، بعد أحداث الاتحادية الأولى، لازم تتحمّلوا وتعرفوا إن الحرية مش ببلاش».
والدته: «بوست إيده عشان ماينزلش المظاهرات» وقال لى: «آخر جمعة هانزل فيها يا أمى»
الساعة قاربت على الواحدة بعد منتصف الليل، يصل وكيل النيابة لمعاينة جثمان «محمد» برفقة أفراد الشرطة الذين حضروا لإنهاء إجراءات المحضر، وبعد المعاينة، أمر وكيل النيابة بتشريح الجثمان، وتم نقله إلى مشرحة زينهم، كى يُصدر تصريح دفنه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.