إحالة 49 من العاملين بمنشآت مختلفة في الشرقية للتحقيق    رئيس مجلس الشيوخ: صدور قانون الإجراءات الجنائية خطوة تشريعية تاريخية    التخطيط: 3.6 مليار جنيه استثمارات حكومية لتنمية جنوب سيناء بخطة 2025/ 2026    الحكومة: اكتشاف جديد في الصحراء الغربية يضيف 16 مليون قدم مكعب غاز يوميا إلى الإنتاج    سلاح الجو الإسرائيلى ينفذ سلسلة تغييرات وتدريبات على الحدود مع لبنان    اشتباكات عنيفة بين الجيش السوداني والدعم السريع غرب كردفان.. فيديو    بيراميدز ينضم لقائمة الأفضل في أفريقيا    بيراميدز ضمن القائمة المختصرة لأفضل ناد إفريقي    هلت الشتوية، أمطار غزيرة على مرسى مطروح    إخماد حريق شب في عقار بالفيوم    لم تتمالك دموعها، لبلبة تغني "شيء طبيعي" في ماستر كلاس محمد عبد العزيز (فيديو)    المركز الإعلامي لمجلس الوزراء: أكثر من 700 مادة إعلامية نُشرت حول افتتاح المتحف المصري الكبير في 215 وسيلة إعلامية دولية كبرى    الصحة: مصر حققت تقدما ملحوظا في تقوية نظم الترصد للأوبئة    محمد عبد العزيز: ربما مستحقش تكريمي في مهرجان القاهرة السينمائي بالهرم الذهبي    الدقيقة الأخيرة قبل الانتحار    بروتوكول الممر الموحش    سر رفض إدارة الكرة بالزمالك لتشكيل اللجنة الفنية    رسالة شكر من الفنان للرئيس، تطورات الحالة الصحية ل محمد صبحي    التنسيق بين الكهرباء والبيئة لتعظيم استغلال الموارد الطبيعية وتقليل الانبعاثات الكربونية    ليفاندوفسكي على رادار ميلان وفنربخشة بعد رحلته مع برشلونة    جراديشار يصدم النادي الأهلي.. ما القصة؟    عاجل- أشرف صبحي: عائد الطرح الاستثماري في مجال الشباب والرياضة 34 مليار جنيه بين 2018 و2025    مساعد وزير الإسكان يبحث التعاون مع ألمانيا بمجالات رفع كفاءة الخدمات بالمدن الجديدة    وزيرا التعليم العالي والأوقاف يبحثان تعزيز التعاون مع بنك المعرفة المصري لدعم الأئمة والدعاة    موعد امتحانات نصف العام الدراسي 2025-2026 (موعد إجازة نصف العام 2025-2026)    السجن المشدد ل4 متهمين بسرقة سوبر ماركت بالإكراه فى قنا    محافظ الشرقية يلتقي رئيس الهيئة العامة للخدمات البيطرية لتعزيز سبل التعاون المشترك    نيويورك تايمز: أوكرانيا تواجه خيارا صعبا فى بوكروفسك    القسام تستأنف البحث عن جثث جنود الاحتلال    فاز بانتخابات العراق.. السوداني من مرشح توافقي إلى قطب سياسي    المستمتع الجيد.. 5 أبراج تملك مهارة الإنصات وتمنح من حولها الأمان    3 زلازل تضرب ولاية باليكسير غرب تركيا    «الكوسة ب10».. أسعار الخضار اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025 في أسواق المنيا    محافظ الغربية: كل شكوى تصلنا نتعامل معها فورا.. ومتفاعلون مع مطالب المواطنين    إجراء 1161 عملية جراحية متنوعة خلال شهر أكتوبر بالمنيا    وزير الصحة يُطلق الاستراتيجية الوطنية للأمراض النادرة    في قلب الشارع.. قتل مهندس كيمياء نووية مصري ب13 رصاصة في الإسكندرية    رئيس جامعة قناة السويس يكرّم الفائزين بجائزة الأداء المتميز عن أكتوبر 2025    الدوسري خلال «خطبة الاستسقاء»: ما حُبس القطر من السماء إلا بسبب تقصير الناس في فعل الطاعات والعبادات    الغنام: إنشاء المخيم ال17 لإيواء الأسر الفلسطينية ضمن الجهود المصرية لدعم غزة    اتحاد شركات التأمين: يثمن إتاحة الاستثمار المباشر في الذهب والمعادن النفيسة    موعد شهر رمضان 2026.. وأول أيامه فلكيًا    بورفؤاد تدفع ب7 سيارات كسح لمواجهة أزمة غرق الشوارع بمياه الأمطار    ندب قضاة ومنفعة عامة.. قرارات جديدة لرئيس الوزراء    «مبروك لحبيبتي الغالية».. فيفي عبده تهنئ مي عز الدين بزواجها    متحدث الأوقاف: مبادرة صحح مفاهيمك دعوة لإحياء المودة والرحمة داخل الأسرة والمجتمع    الوزير: مصر مستعدة للتعاون مع الهند بمجالات الموانئ والنقل البحري والمناطق اللوجستية    الداخلية تلاحق مروجى السموم.. مقتل مسجلين وضبط أسلحة ومخدرات بالملايين    خبير لوائح يكشف سر لجوء اتحاد الكرة للجنة المسابقات لإصدار عقوبات السوبر    الداخلية تكشف الحقيقة الكاملة لفيديو "البلطجي وسرقة الكاميرات" في الدقهلية.. القصة بدأت بخلاف على الميراث!    المرشحون يستعدون لجولة الإعادة ب«حملات الحشد»    المصرية للاتصالات: تحسن التدفقات النقدية الحرة يعكس قوة الأداء المالى    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 13نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا    إنهاء أطول إغلاق حكومى بتاريخ أمريكا بتوقيع ترامب على قانون تمويل الحكومة    10 صيغ لطلب الرزق وصلاح الأحوال| فيديو    المهن التمثيلية تصدر بيانا شديد اللهجة بشأن الفنان محمد صبحي    صاحب السيارة تنازل.. سعد الصغير يعلن انتهاء أزمة حادث إسماعيل الليثي (فيديو)    «سحابة صيف».. مدحت شلبي يعلق على تصرف زيزو مع هشام نصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفاصيل استشهاد «كريستى» أمام «الاتحادية»
شهود الواقعة: رجل أمن أطلق الرصاص على «محمد» من مدرعة أمام قصر الرئاسة

عقارب الساعة تشير إلى التاسعة والنصف ليلاً. دخان كثيف مسيل للدموع ينتشر فى محيط شارع الميرغنى قادم من اتجاه قصر الاتحادية. طلقات الخرطوش والرصاص الحى يدوى فى أرجاء المكان، فيواجهه هتاف «الشعب يريد إسقاط النظام». قوات الأمن تتقدم وتكثف إطلاق الخرطوش فتصطدم طلقاتها فى أعمدة الكهرباء التى تتوسط الشارع محدثة صوتاً صاخباً. يقف محمد حسين قرنى حسن سالم، شاب عشرينى يتحدث مع صديقيه نانسى عطية ورامى مصطفى. فى مواجهة قوات الأمن، يشتد إطلاق النار صوب المتظاهرين فيهرولون مسرعين للابتعاد عن مجاله. يتشبث «محمد» بيد زميله «رامى»، وفجأة يسقط مصاباً. تتعالى أصوات المتظاهرين، «الإسعاف.. شيله على الإسعاف بسرعة»، يبدو نزيف دموى حاد يتسرب من أسفل أذنه. يضع المتظاهرون «شال» على رقبته لوقف النزيف الذى ينهمر. يحمله المتظاهرون نحو سيارة الإسعاف التى تقف على ناصية تقاطع شارع الميرغنى مع الخليفة المأمون. يقتربون من سيارة الإسعاف ويحاولون إدخاله فيجدون مصاباً آخر داخل السيارة يداوى قدمه من طلقة خرطوش اخترقتها. ينتبه المسعف فيشاهد إصابة «محمد» فيترك من يُعالجه ويحمله داخل السيارة. يستكشف المسعف موضع الإصابة ليعرف مصدر نزيف الدم فيكتشف أنه فاقد الوعى وبه طلق نارى فى صدره وأسفل أذنه. يقفز «رامى» -صديق «محمد»- داخل سيارة الإسعاف وتنطلق السيارة مسرعة نحو مستشفى هليوبوليس بمصر الجديدة. تدخل السيارة إلى المستشفى الساعة العاشرة مساءً ويتم عرض حالته على الأطباء، فيكتشفون أنه فارق الحياة، فيجهش «رامى» بالبكاء، نائحاً «قتلوك الأندال يا محمد».
يروى الدكتور محمد إيهاب، طبيب بمستشفى هليوبوليس، قائلاً: محمد فقد حياته قبل أن يصل إلى المستشفى، فإنه يُشتبه أن الطلقات التى أُطلقت عليه هى طلقات من الرصاص الحى وليست من الخرطوش، حيث إن طلقات الخرطوش عند إصابتها الجسم تنتشر محدثة عدة إصابة متفرقة، لكن إصابة محمد عبارة عن ثقبين، لطلقتين».
يأمر الأطباء بنقل جثمان محمد، إلى ثلاجة حفظ الموتى الملحقة بالمستشفى بعد أن وضعوا عليه لاصقة بيضاء مكتوباً عليها اسمه، ويتولى عمال الثلاجة هذه المهمة، وينقلونه على حامل حديدى خاص بنقل الموتى. يدخل جثمان الشاب العشرينى من باب حديدى إلى غرفة حفظ الموتى، التى لا تتعدى ال40 متراً. ويكشف عنه العامل الغطاء، وهو ينطق الشهادتين، وبجانبه صديقه «رامى» ينظر إليه، فتنهمر الدموع من عينيه.
خارج الثلاجة جلس رامى مصطفى صديق القتيل يبكى، حيث روى ل«الوطن» ملابسات الواقعة قائلا: «محمد وصانى قبل دقائق من استشهاده، وقالى: لو مارجعتش بيتنا.. قولوا لأمى أنى بقيت مع أطهر ناس فى الدنيا». محمد طالب فى الفرقة الرابعة بكلية التجارة بجامعة القاهرة، وساكن فى فيصل، وطول عمره فى المظاهرات وكان متطوعاً فى جمعية أطباء التحرير فى المستشفيات الميدانية من شهر نوفمبر 2011 عشان يساعد المصابين، ودلوقتى بقى فى قوائم الشهداء.
«رامى» الشاهد الأول على قتل «محمد» يكمل حديثه «محمد كان عضواً فى جمعية أطباء التحرير، وعشان هو متطوع نزل لمحيط قصر الاتحادية لاستطلاع المكان، تمهيداً لنزول الأطباء لإنشاء المستشفى الميدانى، تحسُّباً لتفاقم الأحداث والاشتباكات، وقابلته فى الأحداث ووقفت أتحدث معه أنا وزميلتنا (نانسى)، وفجأة وجدت نفسى بصحبة محمد فى مواجهة مدرعتين من على بُعد، حاولنا الجرى بأقصى سرعة بعيداً عن مرمى (الغاز والخرطوش)، ولكن آثار الاختناق التى عبأت محيط القصر الرئاسى أعاقت الحركة، لنجد ضابط أمن مركزى ملثماً (بقناع أسود)، يخرج من الكابينة الأمامية للمدرعة، مطلقاً الرصاص باتجاه (كريستى) -اللقب الذى طالما أحب أن يلقب به الشهيد- لتستقر رصاصتان فى (صدر ورقبة محمد)، ليختفى ذلك الضابط عن المشهد وسط أصوات (القصف والصراخ)». يضيف «رامى» خلال حديثه أن محمد ترك ورقة مكتوباً عليها «اسمه ورقم تليفون للاتصال فى حالة حدوث مكروه له»، وقال لأحد أصدقائنا قبل وقوع الاشتباكات «أنا نفسى لما أموت تعملوا ليا جنازة زى جنازة جيكا الله يرحمه».
الساعة قاربت على العاشرة والنصف. أعداد من المتظاهرين ورفقاء «القتيل» تصل إلى المستشفى. مهرولون إلى ثلاجة الموتى ليلقوا نظرة الوداع على صديقهم، تمتلئ غرفة ثلاجة الموتى بالشباب والفتيات. يتعالى صوت بكائهم. يطلب منهم عامل المشرحة الخروج لوضعه فى الثلاجة، حفاظاً على حالة جسدة.
الساعة الحادية عشرة، تقترب من بوابة المستشفى سيارة شرطة تقوم بدورية ليلية، ينزل منها النقيب «مينا عادل» فى صحبة بعض أفراد الشرطة تابعين لقسم النزهة الجديدة بمصر الجديدة، يسأل عن سبب التجمُّع، فيعرف أن هناك حالة قتل، فيشرع فى تحرير محضر بعد معاينة الجثة، ويروى ل«الوطن» قائلا: «أنا دخلت وعاينت الجثة وبها طلقين نافذين لرصاص حى فى الرقبة والصدر ليس لهما مخرج، وهذا يدل على أن هذه الطلقات تم إطلاقها من على بعد».
يبدأ أفراد الشرطة فى غُرفة الأمن التابعة للمستشفى بتحرير أقوال شهود الواقعة. ويبدأ فى سؤال رامى مصطفى الذى أكد ل«الوطن» أن الأمن يحاول تلفيق المحضر، وكأنه «طرف ثالث أطلق النيران»، موضحاً أنه رفض الإدلاء بأقواله فى المحضر الذى حُرر فى المستشفى، وأصر على أن يحرر محضراً فى قسم شرطة النزهة الجديدة. وقال «محمد حقه هيرجع.. ولو مارجعش يبقى مانستهلش نعيش».
يبدأ أقارب «محمد» فى التوافد على المستشفى، وعلى وجوههم الوجوم والصدمة. يدخلون إلى الثلاجة ليلقوا نظرة الوداع على قريبهم. يصل والد القتيل، الرجل ستينى ذو لحية بيضاء، مع زوجته والدة «القتيل» التى ترتدى «نقاباً» يُغطى وجهها ولا تظهر سوى عينيها اللتين تنهمر منهما الدموع، تتجه مسرعة نحو باب ثلاجة الموتى وهى تردد: «حسبى الله ونعم الوكيل فيكم.. ضيعتوا ابنى.. والله العظيم أنا بوست إيده عشان ماينزلش المظاهرات.. وقلتله يا محمد ماتروحش.. دى سكة خراب.. ماسمعش كلامى وقالى آخر جمعة يا أمى ومش هانزل تانى.. أنا فطرت معاه وماعرفش إنى دى آخر مرة هاشوفه.. دا محمد عمرى كله.. خرج من بعد صلاة الجمعة ومارجعش تانى البيت.. آه يا ربى.. حسبى الله ونعم الوكيل على اللى بيحرّضوه.. اعفو عنه يا رب».
ترتمى أم «القتيل» فى أحضان ابنها الأصغر «يوسف» ذى الثمانية عشر عاماً وتجهش فى البكاء، ينظر إليهما الأب وهو متماسك، ويدعو قائلاً «حسبى الله ونعم الوكيل».. يرن هاتف أم «القتيل» فترد قائلة: «أخوكى مات يا فاتن.. أخوكى مات.. محمد مات يا فاتن.. ويسقط من يدها التليفون».
يستدعى النقيب «مينا» والد «القتيل» ليأخذ أقواله بالمحضر داخل الغرفة. يسأله عدة أسئلة قائلاً: «هل توجه اتهاماً إلى أحد بقتل محمد الله يرحمه؟»، فيجيبه الأب باقتضاب قائلاً: «أنا ماباتهمش حد وماشوفتش اللى قتله، أجيب حقه إزاى، ابنى مات فى المظاهرات ماعرفش مين اللى قتله، لو أعرف أن واحد بعينه قتله أعرف أجيب حقه، لكن أنا ماعرفش، أنا مش عايز ابنى يتشرّح، عايز أنهى الإجراءات وادفن ابنى فى أسرع وقت».
تصل «نانسى عطية»، الشاهدة الثانية على قتل «محمد»، التى كانت بجواره وقت الواقعة. تدخل فتستمع إلى حديث والد «القتيل» فتتوسل إليه مع زملاء ابنه، قائلين له «ابنك لازم حقه يرجع، ماينفعش تقول إن ماحدش قتله».. يقترب «رامى» من والد «القتيل» ويقبّله على جبينه قائلاً له «أنا شوفت بعينى.. ابنك اتقتل برصاص الداخلية.. ابنك حقه لازم يرجع.. أنا قدّمت شهادتى فى قسم الشرطة فى محضر رسمى.. بلاش تضيّع حق ابنك».. لكن يتمسك الأب بأقواله.
يبدأ النقيب «مينا» فى سؤال «نانسى» فتجيبه قائلةً «أنا كنت مع (محمد) قبل ما يتقتل بدقائق، وفى أثناء حالة الكر والفر، أطلق أحد رجل الأمن الرصاص من خلف مدرعة كان يحتمى بها، بعدها سقط (محمد) ينزف.. أنا باتهم الرئيس محمد مرسى ووزير الداخلية الحالى بقتل (محمد)».
تروى «نانسى» ل«الوطن» آخر ما سمعته من «محمد» قبل وفاته: «كان شايل علم عليه صورة (جيكا) فى المسيرة اللى طلعت من مسجد النور بالعباسية، وقالى فى آخر حوار دار بينى وبينه: احنا هنكمل والنظام خلاص يا جماعة سقط، بعد أحداث الاتحادية الأولى، لازم تتحمّلوا وتعرفوا إن الحرية مش ببلاش».
الساعة قاربت على الواحدة بعد منتصف الليل، يصل وكيل النيابة لمعاينة جثمان «محمد» برفقة أفراد الشرطة الذين حضروا لإنهاء إجراءات المحضر، وبعد المعاينة، أمر وكيل النيابة بتشريح الجثمان، وتم نقله إلى مشرحة زينهم، كى يُصدر تصريح دفنه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.