عتادت في الصباح من كل يوم وقبل ان تنزل لعملها ان ترتب دولاب الميداليات وتمسح التراب من اعلاها ومشاعر الفخر والعزة ترضي كبريائها على ما حققته من بطولات محلية ودولية مثلت بها مصر مرارا وتكرارا. وما تلبث ان تنزل للشارع وتنخرط في تعاملاتها اليومية حتى تتلاشى امامها صور البطولات التي حققتها امام تجاهل الدولة لها ولكافة المعاقين المتفوقين رياضيا مثلها.. هذا هو حال راندا تاج الدين بطلة العالم المصرية في رياضة رفع الاثقال في بطولة اولمبياد لندن الاخيرة للمعاقين وحال المئات من ابطال الرياضات المختلفة من المعاقين في مصر لم تقف الاعاقة امامهم لتحقيق البطولات والفوز بالمراكز المتقدمة في الرياضات المتعددة .ولم يحبطهم تجاهل الحكومة لتفوقهم في تحقيق المزيد.ولم يمنعهم غض الاعلام النظر اليهم في التوقف او التراجع عن تحقيق اهدافهم وطموحاتهم ....فرغم الواقع المحبط لامالهم الا ان الامل يحدوهم ان القادم افضل . يرفضون الشفقة ويطالبون بمساواتهم بالاسوياء في الحقوق والامكانيات والدعم لرياضاتهم داخل نوادي المعاقين في مصر .مرددين داخلهم كلمات "" اننا نتسابق ونتنافس لنرفع اسم مصر دوليا ونأتي بالمكاسب لمصر ولا يهتم بنا احد ". راندا تاج الدين .بطلة العالم في رفع الاثقال والحائزة على الميدالية الفضية في بطولة البارولمبية في لندن العام الماضي .لم تتعدى الخامسة والعشرين من عمرها لكنها حملت داخلها طموحا وتحديا قد يعجز الاسوياء عن تحقيقه .وجعلت من رفع الاثقال حتى وزن 145 كيلو في البطولات العالمية مثالا حيا للارادة والعزيمة.. راند حاملة الاثقال ضربت مثالا في التحدي للمعاقين من جهة ومثالا حيا في تفوق الفتاة رغم القيود المجتمعية من جهة اخرى ولم تنسى لحظة انها فتاة عليها الاهتمام بمظهرها واناقتها والتحلي بالحياء . تقول راند تاج الدين بطلة العالم المصرية في رياضة رفع الاثقال في بطولة اولمبياد لندن " ولدت باعاقة في قدمي ومنذ صغري وانا اخشى التعامل مع الاخريين والاختلاط بالاصدقاء حتى سن الرابعة عشر عندما شجعتها والدتها ووالدها وعمها على الذهاب لنادي العزيمة للمعاقين بهدف الترفيه والترويح عن النفس " وتضيف " مع اللحظات الاولى من التحاقي بالنادي بدأت انجذب نحو رفع الاثقال وشجعني المدري على ذلك وبدأت رحلة التحدي مع نفسي وحصلت على اول بطولة للجمهورية وحققت الميدالية البرونزية قبل ان اكتمل العام الاول من بدء التدريبات واستمرت رحلة النجاح والتحدي حتى حصلت على بطولة العالم الميدالية البرونزية في بطولة بكين وفي بطولة لندن الاخيرة حصلت على الميدالية الفضية وسأحقق باذن الله الميدالية الذهبية في بطولة العالم القادمة ان شاء الله". وعن سوء وضع الرياضين المعاقين في مصر وتجاهل الاجهزة التنفيذية لبطولاتهم المتتالية التي يحققونها على المستوى الدولي تقول ان مصر تحصد العشرات من الميداليات والمراكز المتقدمة عالميا في جميع انواع الرياضات للمعاقين ويتم تجاهلها اعلاميا ورسميا على عكس بطولات الاسوياء التي تحظى باهتمام على المستوى الرسمي والاعلامي مهما حققت من نتائج لا ترتقي لعدد وحجم البطولات التي يحرزها الاسوياء رغم ان الامكانيات المقدمة للمعاقين اقل ما يمكن ان يقدم . ومن راند بطلة العالم الى بولا سعد بطل الجمهورية في العاب القوى ولاعب الوثب بنادي المعاقين بجامعة قناة السويس الذي اشتكي من ضعف الامكانيات المتاحة لنوادي المعاقين وتجاهل الحكومة والاجهزة الرسمية لبطولات المعاقين .وتراخي الاعلام عن ابراز اوضاعهم وتغطية فعاليات بطولاتهم . وقال بولا والحائز على 10 ميداليات ما بين ذهبية وفضية في الوثب الطويل والجري على مستوى الجمهورية " ان ابسط الامكانيات لا تتوفر لديهم حتى الملابس الرياضية لا تصرف لهم مقارنه بالاسوياء الذين يصرف لهم ملابس وبدلات وغيرها من الامكانيات من وزارة الشباب, ". ويقول بولا " امارس الرياضة منذ 8 سنوات تقريبا وطوال هذه الفترة لم الحظ اية تحسن في مستوى الدعم الممنوح لنوادي المعاقين فما يمنح للمعاق من بدل للتدريب لا يتعدى خمسة جنيهات ولا يتعدى بدل السفر في المسابقات والبطولات الرسمية عن 25 جنيه وهو ما لا يكفي اي مصروفات". ويضيف " ادارة الجامعة تمنح الفائز في البطولات على مستوى الجمهورية مبالغ مالية تتراوح ما بين 100 الى 50 جنيه على حسب الميدالية الحائز عليها اللاعب ".ويؤكد ان ما يمنح للاسوياء من دعم مادي في الرياضات وما تلاقيه البطولات من تغطية اعلامية يثير الاستياء لدى قطاع عريض من المعاقين المتفوقين رياضيا والذين يحرزون بطولات ونجاحات تتضاعف كثيرا عن بطولات الاسوياء حتى الدولية منها . وتلتقط اطراف الحديث نادية يوسف -23 سنة – ليسانس اداب فرنساوي-وبطلة الجامعات المصرية في رياضة الرمح والتي اكدت في حديثها ان تجاهل الاجهزة الرسمية وضعف الامكانيات والموارد المخصصة للمعاقين في مصر هما تلخيص حال المعاقين من ابطال الرياضة في مصر . وتقول بطلة جامعة قناة السويس في الرمح "ان هناك تجاهل تام من الحكومة والاعلام بنجاحات المعاقين واهمال بأوضاع المعاقين داخل المدارس والاندية وفي وسائل المواصلات والجامعات والوظائف وغيرها من النواحي الحياتية داخل البلاد " وتضيف "جميع وسائل المواصلات والطرق والمصالح الحكومية والمؤسسات الرسمية غير مجهزة للتعامل مع المعاقين .وقالت ان المعاق في مصر يتعامل على انه عاله على المجتمع على عكس كافة المجتمعات العربية الاخرى التي تعطي اولوية واهتمام بالمعاق. وتؤكد ان نوادي المعاقين المنتشرة غير جاهزة للتعامل مع المعاقين بصريا او سمعيا وكل ما يمكن ان تقدمه توفير بعض الرياضات للمعاقين حركيا فقط دون مراعاة لفاقدي البصر والصم والبكم والمعاقين ذهنيا رغم ما يمتلكونه من مواهب تجعل منهم ابطالا في كافة الرياضات . وتقول ان ملاعب المعاقين داخل النوادي غير مجهزة بالمرة وصالات الالعاب لا يوجد بها اجهزة حتى ادارات النوادي نفسها تعجز عن دفع فواتير الكهرباء والمياه وهناك مديونيات على ادارات نوادي المعاقين في محافظات مختلفة بسبب قلة الامكانيات والموارد المتاحة لهم ..وانتقدت حجم التكريم المادي والمعنوي الذي يمنح من الاجهزة الرسمية للاسوياء دون المعاقين . وطالبت من الاجهزة الرسمية منح الدعم المادي للمعاقين ومن وسائل الاعلام تسليط الضوء على بطولات ونجاحات متحدي الاعاقة تشجيعا لهم وتوصيلا لرسالة ايجابية للمجتمع مفادها ان النجاح والتفوق لا يتطلب سوى التحدي والمثابرة والصبر . " التحدي والثقة في النفس ورفض الانهزامية هي سمات هؤلاء الابطال " هكذا بدأ الكابتن رضوان قبيص مدرب العاب القوى لفريق نادي جامعة قناة السويس للمعاقين حديثه .قائلا " اقوم بالتدريب منذ اكثر من 25 عاما للاسوياء والمعاقين ولم اجد اصرارا وحرصا على التجاح والتميز ورفض الانهزامية كما وجدت من هؤلاء الابطال فهم يرفضون نظرات الشفقة ولديهم اصرار وقدرة على التحدي اضعاف ما عند الاسوياء من الرياضين مثلهم . ويقول المدرب و الذي حصد فريقه مؤخرا في بطولة الجمهورية على 12 ميدالية منها 8 ميداليات ذهبية " اصعب ما يواجهنا هو قلة الموارد المتاحة والمخصصة لنوادي المعاقين وللرياضات فهي موارد محدودة لا تكفي الاحتياجات خاصة ان غالبية اللاعبين من محدودي ومتوسطي الدخل فمنهم العمال ومنهم الطلبة ومنهم الموظفين ودخلهم جميعا متوسط واقل من المتوسط وهو ما يلقي بصعوبة شديدة امامهم في استمرار التحدي والنجاح في مشوارهم الرياضي ". ويقول قبيص" ما يميز هؤلاء الابطال قدرتهم على تحقيق البطولات في اعوامهم الاولى من التدريب وضرب مثلا على "محسن " عامل معمار اصيب اثناء عمله لبناء احد الابراج السكنية مما اصابه باعاقة حركية ومع اول عام من تدريبه في رمي الرمح حقق ميدالية فضية في بطولة الجمهورية الاخيرة .ويسرد قبيص قصة نجاح وتحدي اللاعب احمد خليفة الذي احرز الميدالية البرونزية في اول بطولة يشارك فيها هذا العام بعد اشهر قليلة من تدريبه . ويطالب قبيص من اجهزة الدولة بتوفير الرعاية الكاملة للمعاقين مؤكدا ان لديهم من الطاقات المهدرة يمكن استثمارها لتحقيق نهضة حقيقية في البلاد في نواحي الحياة المختلفة وليس في الرياضة فقط .