سمعت الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل المرشَّح المحتمل للرئاسة (الرجل لطيف وظريف فعلا ويمكن احتماله مرشحا لأطول فترة ممكنة)، وهو يتحدث لأحد البرامج التليفزيونية، فإذا به يعلن صراحة وبوضوح لا يقبل التأويل وبتحدٍّ سافر يُحسَد عليه عدم التزام فضيلته بنص فى قانون الانتخابات الرئاسية (موجود مثله فى كل ديمقراطيات الدنيا) يحظر استخدام دور العبادة والمرافق والمصالح العامة فى الدعاية الانتخابية، وقال ما معناه أن هذا النص وضعه من يريدون تهميش الإسلام، وتساءل: كيف يكون كل شىء ناطق فى البلد، عدا المساجد يراد لها أن تكون خرساء؟ ثم هدد وتَوعّد بأنه لن يسمح أن تخرس المساجد وتسكت فى معركته الانتخابية! وبادئ ذى بدء، أبادر بإصدار حكم براءة بحق الشيخ «المحتمَل» من أى مسؤولية عن ظاهرة الاستخفاف بالقوانين وخرقها جهارا نهارا والدوس عليها بالجزمة القديمة، وأحكم بأن المسؤولية كلها يتحملها القائمون على تطبيق هذه القوانين بعد تفصيلها تفصيلا رديئا يخلط الحق بالباطل والأصول المحترمة ب«افتكاسات» مهببة واختراعات ما أنزل الله بها من سلطان، فتساعد بذلك وربما تشجع وتحرّض على عدم احترامها وانتهاكها والتعامل معها باعتبارها محض «لغو» فارغ جدير بالتجاهل، فإذا ما تذكرها أحد، فإنه لا يتورع عن استخدامها كممسحة قذرة فى مراحيض عمومية. الحق إذن أن الرجل «المحتمَل» جدا لم يتجرأ ولا نطق بالتصريحات المذكورة أعلاه، إلا لأنه يعرف كما نعرف جميعا أن أمور هذا البلد تدار الآن وتمشى بمقتضى أعراف فوضوية فاحشة رأيناها أمام أعيننا كيف استشرت واستفحلت وتمددت فوق جثة الأصول والقواعد وقوانين الدولة المصرية، بل جثة الدولة ذاتها التى أضحت على وشك الاستشهاد والانتقال من الأرض لكى تصبح «عروس السماء».. آية ذلك يا رفاقى فى الهم والغم، ليست آية واحدة ولا مئة للأسف، وإنما ألف على الأقل، أكتفى منها بهذا النص الراقد حتى الساعة فى بطن قانون الأحزاب السياسية، الذى يحظر قيام وتأسيس أى حزب على أساس دينى، بَيْد أن الإخوة الأفاضل الذين صنعوا القانون ذاك وقاموا بتطبيقه لم يترددوا البتة ولا أحسُّوا (أين نعمة الإحساس؟) بوخزة ضمير واحدة، بينما هم يرخصون رسميا لسبعة أحزاب دينية فى عين العدو، نجحت نجاحا ساحقا فى تحويل معركة الانتخابات النيابية الأخيرة إلى «حرب دينية» طائفية حامية الوطيس هددت على نحو غير مسبوق فى تاريخنا المعاصر كله بتمزيق وحدة نسيج مجتمعنا الوطنى! لكننى أعود لتهديد فضيلة الشيخ حازم «المحتمل» بعدم السماح بإصابة مساجدنا وجوامعنا ب«الخرس الانتخابى»، وعدم الكلام عن جنابه ومن ثم تزكيته عند خلق الله المصلين وتقديمه لهم بوصفه رسول العناية الإلهية لحكمنا وتعليمنا الأدب حتى نندم على الثورة التى اقترفناها العام الماضى، ولا تعليق عندى على هذا التهديد سوى تذكير فضيلته (ومن لفّ لفّه وذهب مذهبه) بحقيقتين اثنتين فقط، أُولاهما أن الإسلام دخل هذه البلاد واستقر فيها منذ خمسة عشر قرنا مضت، ومن ثم بات صعبا (أظنّ) على جنابه الآن تنفيذ قراره المتأخر قليلا بالانضمام إلى قادة جيش عمرو بن العاص والمشاركة فى «فتحنا»! أما الحقيقة الثانية فمختصرها أن المساجد والكنائس ودور العبادة عموما لا أحد يستطيع فرض الخرس عليها، وهى قطعا لا تنتظر فضيلته لإنقاذها وتحريرها من الصمت، بيد أن دورها وواجب القائمين عليها أن ينطقوا دائما بالحق ويروّجوا للمبادئ السامية ولا يهبطوا بمقامها إلى مستوى الترويج الإعلانى الفج والكلام الدعائى الطائفى الرخيص لمرشح بعينه قد يكون محتملا وظريفا ومسليا، وقد لا يكون كذلك لو زاد الظُّرف عن حدِّه!