قالت البنت لأخيها: صباح الخير، قال: صباح النور، ما المناسبة التى جعلت الشيخ الطيب يحضرك هذا الصباح فلا تبدئين بالعراك، قالت: وما فائدة العراك وكل شىء أصبح بعيدًا خامدًا إلا من مفرقعات الخراب والتخريب، قال: لست فاهمًا، قالت: ولا أنا، قال: الحمد لله، أخيرًا اتفقنا على شىء مشترك، قالت: يا خيبتك القوية، بل يا خيبتنا البليغة نحن الاثنين، وكأننا أصبحنا نموذجًا للجارى بين الذين يتولون أمورنا الآن، قال: تقصدين أنهم لم يتفقوا إلا على عدم الفهم مثلنا؟ قالت: يا ليت، أعتقد أنهم اتفقوا على التنافس فى التعجيل بالخراب، قال: أحسب أن الخراب مستعجل بدرجة كافية، فهو لا يحتاج إلى مَن يستعجله، قالت: أنا لست ناقصة غمًّا، وأريد أن أبدأ العمل، فالبلد تحتاج كل دقيقة، كل ثانية من كل قادر، قال: ما أحلى الكلام!! أى عمل يمكن أن تقومى به أو أن أقوم به؟ لقد أعجزونا، قالت: ولو، قال: إلى متى ستواصلين مبارزة طواحين الهواء، قالت: إلى أن تطحن هذه الطواحين الغلال التى نزرعها، لا نشحذها ولا نشتريها بالديون، قال: عندك حق، أنا أيضًا لا أجرؤ أن أيأس أو أتوقف، لكن التفكيك يسير أسرع بكثير من محاولاتنا ملء الوقت بما يفيد، قالت: وهل عاد هناك شىء يتفكّك، حتى مؤسسة القضاء، بدأت تتشقق، قال: أعرف مؤسسة أخرى ما زالت تقاوم، قالت: ما هى ربنا يخليك؟ قال: الجيش، قالت: ماذا تقول؟ الجيش مؤسسة؟! قال: طبعًا مؤسسة ونصف، مؤسسة، ومتماسكة، وقادرة، ومتجانسة، قالت: الله الله!! فلماذا كنت تهتف بعز ما فيك «يسقط يسقط حكم العسكر»، قال: الجيش غير العسكر، والعسكر الفرسان الشجعان الطيبون غير حكم العسكر، قالت: لست فاهمة: قال: حكم العسكر هو الحكم الأعمى الأقسى، حتى لو لبس الحكام فيه ملابس ملكية أو حتى الجبة والقفطان، قالت: طمأنتى يا شيخ، الحمد لله، فلماذا هذا الهجوم هذه الأيام على الجيش هكذا؟ قال: يبدو أنه قد جاء عليه الدور، قالت: دور ماذا؟ قال: دور التعرية فالتفكيك، قالت: يا خبر أسود، قال: فعلًا خبر أسود، ماذا يتبقى لو نجحوا فى تفكيكه هو أيضًا، قالت: مَن هم هؤلاء الذين نتكلَّم عنهم هكذا؟ قال: كل مَن يريدنا تابعين بلا معالم، كل مَن يريدنا أسواقًا بلا إنتاج، كل مَن يريدنا خدمًا بلا هوية، قالت: إياك أن تقول لى أمريكا ثانية، قال: قلت لك ألف مرة أن أمريكا ليست أمريكا، أمريكا نفسها أصبحت تابعة، «أمريكا الناس» اختارت أوباما كالقطيع وهو ليس إلا وكيل أمريكا العليا، قالت: هل يوجد ما يسمى أمريكا العليا، مثل فولتا العليا؟ قال: فولتا ماذا الله يخيبك، أمريكا المال والبنك الدولى ولعب البورصات وإذلال الأفقر وإبادة المخالف بالحروب الاستباقية، قالت: كفى، كفى إنك تكاد تقنعنى أن العالم الآن مسيّر لا مخيّر، هذا أكثر تيئيسًا، يا ليتنا ننجح أن نفسر خيبتنا القوية بخيبتنا المحلية، قال: ألم نتفق أن اليأس خيانة عظمى، قالت: نعم، لكن لا يقدر على القدرة إلا الله، أنت هكذا تحطّم كل ما تبقى لنا من معالم، قال: ليس تمامًا، قلت لك ما زال عندنا مَن يقاوم، قالت: مَن؟ ربنا يخليك، قال: مؤسستان. قالت: ما هما يستر عرضك، قال: ألا تسمعين؟ القضاء والجيش، قالت: قُلها ثانية من فضلك، قال: القضاء والجيش، قالت: يا ربى!! وهل سيتركونهما، قال: تقصدين مَن الذين لن يتركوهما، قالت: أمريكا، قال: ما هذا؟ هل أصابتك العدوى؟ قالت: كله منك بعد أن فهمت أن أمريكا غير الأمريكيين، وأنها أقرب إلينا من حبل الأردن، قال: ماذا؟ قالت: أقصد جبل الأردن، قال: جبل ماذا، قالت: أقصد نهر الأردن. ■ ■ ■ قالت البنت لأبيها: ما مهمة الجيش يا والدى؟ قال: أى جيش يا ابنتى، قالت: أى جيش فى أى بلد، فى بلدنا مثلًا؟ قال: مهمته الحرب، قالت: لكن جيشنا لا يحارب يا والدى، ألم يقل المرحوم السادات إن حرب 73 هى آخر الحروب؟ قال: لكنه مات الله يرحمه، قالت: وما دام قد مات يبقى من حقنا أن نرجع فى كلامه، قال: هو نفسه كان سيرجع، هذا كلام فلاح مصرى، أجدع مَن يقول ويرجع!! قالت: ألهذا قتلوه، قال: إيش عرَّفنى؟! المهم على حد علمى أن هذا ليس بندًا فى المعاهدة، قالت: هذا ماذا؟ قال: هذا الذى تقولينه، إن حرب 73 هى آخر الحروب، قالت: فمتى آخر الحروب؟ قال: بعد أن تزول إسرائيل، قالت: لكن أخى يقول إن إسرائيل هى أمريكا، قال أبوها: إذن بعد أن تزول أمريكا، قالت: ومتى تزول أمريكا، قال: حين يثور الأمريكيون الطيبون، قالت: وهل احتمال الحرب يساوى أن يأخذ الجيش نصف الميزانية؟ قال: ومَن قال لك ذلك؟ قالت: «حازم لازم»، قال: حازم مَن؟ قالت: آسفة، أقصد: «لازم حازم»، وفرقته، قال: بصفة ماذا يقول ذلك؟ قالت: يبدو أنه خائف علينا، قال أبوها: اعملى معروفًا، انت جرجرتينى إلى ما ليس لى فيه، قالت: أنا عندى اقتراح، قال: يا فرحتى بك يا ابنتى الغالية اقتراح بصفة ماذا؟ قالت: بصفة أنى مواطنة لى حق فى نصف ميزانيتنا هذه، قال: ما اقتراحك؟ قالت: أن يصبح الشعب كله جيشًا يتعلَّم حرب الشوارع ويستعد للاحتلال المحتمل لو أن إسرائيل تجرَّأت للاقتراب من هذا المحيط البشرى المسلح، قال: من ناحيتى أنا موافق، قدّمى اقتراحك إلى المسؤول، قالت: ومَن المسؤول؟ قال: إيش عرَّفنى، لكن أنا شخصيًّا موافق. ■ ■ ■ قالت الأم لابنتها: أنت لا تعرفين شيئًا يا ابنتى، الجيش مؤسسة اقتصادية متكاملة، قالت البنت: يعنى هو ليس للحرب فقط، قالت: ما هو الاقتصاد حرب، قالت البنت: لكن لا بد من الوضوح والتخصيص أو فلنسمّها «وزارة الدفاع الاقتصادى»، هكذا نضع النقط فوق الحروف، قالت: والله فكرة، قدّمى اقتراحك هذا إلى المسؤول، قالت البنت: مَن المسؤول؟ قالت أمها: إيش عرَّفنى، لكن أنا شخصيًّا موافقة. ■ ■ ■ قال الولد لأخته: ألن تكفّى عن جنونك هذا، اقتراحات ماذا وهباب ماذا!! المسألة أكبر مما تتصورين، قالت: إيش عرَّفك حجم ما أتصوره حتى تقول أكبر أو أصغر، قال: دعينا نختار السيد المناسب لنعرف طبعه ونحسن طاعته، قالت: جاءتك مصيبة تأخذك، أبَعَدَ كل هذا؟ قال: هذا ماذا؟ قالت: اذهب عنى قبل أن أخنقك!