لا تنتظروا من المرسى شيئًا. إنه لا يعرف فى مصر إلا قبيلته، هو مخلص لها إخلاصًا لا تسعفه قدرات أخرى على تجاوزه. هو رئيس ومنتخب، وقبيلته تحب هذا الوصف، فهى تسعى إلى السلطة وهذا حقها، وتجند كل طاقتها لتتحول إلى «الخبرة الانتخابية الأولى» فى العالم، وهذا أيضًا حقها، لكنها لا شىء غير ذلك.. لا كفاءات ولا مشاريع ولا قيم كبيرة تقيم عليها هذه السلطة أو تجعل من الانتخاب شيئًا أكبر من بيع وشراء الأصوات. لا تنتظروا منه شيئًا، لأنه لا يملك غير هذه القدرة على أن يتكلم كثيرًا دون أن يقول شيئا، وأن يوعد كثيرا دون أن يعنى ذلك أبعد من موضوعات إنشاء بليدة.. ولا يرى ولا يسمع إلا ما تسمح به تربيته فى قبيلة لم تعد تُعلِّم أبناءها إلا التجارة.. على طريقة «نشترى.. ونبيع كل شىء». والمدهش أن هذه القبيلة تريد إقناع الجميع بأن التجارة هى السياسة.. ولا تدرك أن هناك من سيكتشف، إما بالوعى وإما بالتجربة الواقعية أن البيع والشراء ليس كل شىء فى السياسة.. وأن هذا الاختصار المريع هو نوع من التجارة الرخيصة التى تبيع البضاعة الصينية على أنها بضاعة حقيقية وأصلية. ولهذا فإنهم يعيدون نظام مبارك فى غلاف جديد، لم يجتهدوا حتى فى صنعه، ولا تدرك عقليتهم التجارية أنهم برِهانهم على المكسب القريب، يدمرون السوق كلها أو البلد الذى يعيش على مشاعر الخطر كل لحظة. لن يفعل المرسى شيئًا فى عودة الشرطة بشريعة المنتقم.. لأن هذا سيحرمه من القبضة التى يتصور أنها ستُحكِم له الدولة، ليس مهمًا هنا إعادة بناء جهاز الأمن ليصبح جهازًا وطنيًّا، أى يخدم المواطنين، وليس تشكيلا نظاميا لبلطجية حماية النظام يقهرون الشعب ويكسرون كرامته ليسهل على الحاكم أن يتحكم، وبهذه المهمة المنحطة حصل ضباط الشرطة على مكانة «باشوات» عصر مبارك الذين عادوا إلى الشارع بشرعية الانتقام على زمنهم الضائع. والمرسى لن يفكر أيضا فى كيفية توقيف مهاويس السلفية الذين ينشرون إرهابهم فى الشوارع ولا العصابات التى لا تخجل من إعلان شرعيتها فى ممارسة الإرهاب، لإخضاع مصر بالقوة لحكم أمراء العنف الذى يتصورون أنه مقدس. الدولة تكمل تحللها مع المرسى، بعد سنوات من امتصاص قوتها الحيوية فى نظام مبارك، الذى طرد قطاعات واسعة من المجتمع إلى مستعمرات النسيان والتخلف، وها هى اليوم تحطم أسوارها وتخرج لتفرض شرعية الغوغاء التى تمارس كل انحطاطها فى الشوارع، تعويضًا عن فترات تعاملت فيها الدولة معهم على أنهم حديقة حيوان بشرية. كل هذه الشرعيات تنهش فى شرعية السلطة، لكن المرسى لا يهتم، ما دامت تجارته فى صناديق الانتخاب أثمرت ومنحته مقعد الرئاسة هدية، ومنحت قبيلته فرصة الحكم التى كانت قبل أشهر ليست كثيرة، مستحيلة. المرسى يرمم الدولة بتجارة قبيلته، ولا يهتم بأن هذه الشرعيات تجعل من شرعيته وهْمًا، ومن الديمقراطية التى أتت به كابوسا ولعنة، وهذا هو الخطر الكبير. فقدان الثقة فى الديمقراطية هو الخطر الذى يهدد مستقبل البلاد، وتجعل البعض يستسهل انتظار «انقلاب عسكرى» ذلك الانتظار السخيف، الذى لن يتحقق وسيكون مرفوضًا، لكنه انتظار العاجز من جديد، والذى ينافسه انتظار بطل يظهر ويحرر الأمة من محتليها الجدد وهذا وهم سخيف آخر، لكنه نتاج تجارة المرسى وقبيلته فى قيم السياسة الكبرى وتحويلها إلى بضاعة تخضع لقانون «البيع والشراء». السياسة ليست تجارة فى الأصوات الانتخابية.. والديمقراطية ليست حصد هذه الأصوات فى الصناديق. الانتخابات ليست هدفًا فى حد ذاتها، لكنها وسيلة لحكم رشيد.. وضمان لديمقراطية لا تعنى الوصول إلى الحكم بقدر ما تعنى صنع مجال عام حر وعادل يمنح قوة للأقليات.. ويضمنها.. ويتيح بناء مؤسسات الدولة لتخدم كل فرد، وليس من يقتنص السلطة أو يحتلها.. هذه هى الديمقراطية التى لا يمكن تحقيقها بمنطق التجارة الرخيصة.