اعتبر مفتي مصر علي جمعة الأزمة التي حدثت أخيرا بين العالمين الإسلامي والغربي بسبب أزمة الفيلم المسيء للرسول (عليه الصلاة والسلام)، أنه لم يدافع عن رسول الله «بقدر ما أديت واجبي في إبراز سماحة ووسطية الإسلام ورسوله في النهوض بالقيم والأخلاق العالمية، بحيث إنه يمكن القول أن رسول الله انتشل العالم من الغرق إلى شاطئ النجاة ووضع القواعد والأسس التي تحفظ للإنسان قيمته واستقراره وآدميته وقتما كانت الانتهاكات تنصب عليه من كل اتجاه، وتبدلت بعد عصور النبوة الأولى المفاهيم في العالم وربط الغربيون بين سلوكيات بعض المنتمين إلى الإسلام وبين شريعة الإسلام وبدأوا ظلما رافضين منهجية الحوار التي دعا إليها الأزهر مرارا واتخذوا طريق الهجوم بدلا من طريق التقارب وتحدثوا عن الصراع والحروب العدائية التي تحمل صورة الدين رغبة في بث حماس مضاعف لدى الأفراد في صراعهم مع الإسلام». وفي حوار خصّ به «الراي»، قال جمعة: «للأسف يقف المسلمون في جميع هذه الصراعات موقف الدفاع عن نبيهم وعقيدتهم رغم كثرتهم العددية وتأثيرهم الجغرافي، لكن استطعنا الخلاص من أزمة الفيلم المسيء إلى نتيجة مفادها إنشاء مرصد إسلامي جاء متأخرا هدفه الدفاع وصد الهجوم على الإسلام ورسوله في جميع دول العالم ومتابعة تلك الهجمات قانونيا وإعلاميا مثلما فعل اليهود مسبقا عندما أنشأوا المرصد ذاته لمتابعة الهجمات على من ينكر المحرقة اليهودية وملاحقة من يشكك فيها قضائيا وإعلاميا ما جعل تلك المنطقة شائكة لدى مفكري العالم». وعمّا اذا كانت دار الإفتاء تدعم حزبا إسلاميا بعينه، أوضح أن «دار الإفتاء لا تدعم شخصا بعينه أو هيئة بعينها، فهي أول مؤسسة لا تنتمي إلى شخص بعينه ولا تتبنى وجهة نظر بعينها بل تمثل نذيرا مجردا من الهوى والغرض فلا يمكن للمفتي أن يتبنى مذهبا أو ينتمي إلى هيئة سياسية بها سجلات تصل إلى 174 سجلا ومحفوظ بها 120 ألف فتوى. ولا توجد بها فتوى خدمت السلطان في ذاته ولا خدمت السلطة في نفسها، فدار الإفتاء تاريخها 112 سنة أصدرت خلالها آلاف الفتاوى ولا يوجد بها فتوى في مصلحة السلطة أو السلطان أو إنسان معين». وعن رأي البعض أنه في تاريخ فتاوي الدار ما يمكن أن يكون في مصلحة السلطة، أجاب: «إن كان هناك من يستدلون بفتاوى صدرت من الدار عن الاشتراكية أو الرأسمالية، فان الرد على هؤلاء بسيط، بأن الذي قال إن الاشتراكية من الإسلام هو الشيخ السباعي وكان من الإخوان في سورية، وهو رجل عرف عنه أنه عالم جيد ومقبول في إخلاصه وإذا رجعنا قديما قبل الثورة، فأحمد شوقي في قصيدته وهو يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الاشتراكيون أنت إمامهم. فهل كان أحمد شوقي في دار الإفتاء وأصدر شيئا مع نظام عبد الناصر؟ فأنا أرى أننا نتلاعب بعقول الأمة ولم يحدث أي استغلال سياسي للفتوى، فأنا لم أتدخل في اللعبة السياسية الحزبية أو المعترك السياسي». وبسؤاله عن حكم الشرع في مسألة «شراء الأصوات»، مع اقتراب الانتخابات البرلمانية، قال: «حرام، لأنها من قبيل الرشوة المنهي عنها شرعا، وأن الأصل في الذي يرشح نفسه نائبا عن الشعب أن يكون أمينا في نفسه صادقا في وعده ولا يجوز له أن يستخدم أمواله في تحقيق أغراضه الانتخابية بالتأثير على إرادة الناخبين، وألا يجوز أن يأخذ أحد من الناس هذه الأموال ثم لا ينفذ ما اتفق عليه من حرام لأن ذلك من باب السحت وأكل أموال الناس بالباطل، إضافة إلى الخداع والكذب، وبالتالي على الناخب رد المال للمرشح، فتنفيذ المتفق عليه حرام، وأخذ المال أيضا حرام». وعن حكم الوسطاء في تلك العمليات الانتخابية بين الناخبين والمرشحين، رأى أن «هؤلاء يصدق عليهم وصف سماسرة الأصوات في العمليات المحرمة، وآثمون شرعا، لأنهم يسهلون حدوث فعل حرام، وعلى المصريين البعد عن تلك الممارسات والوقوف صفا واحدا للقضاء عليها، فالإسلام يأمر بالصدق وحرية الإرادة وتولية الصالح، ويشن الحرب على الفساد والكذب والرشوة وخسائس الأخلاق، فلا مانع من إنفاق المرشح ما يلزم من أموال للدعاية الانتخابية في الحدود المسموح بها قانونا وفقا للائحة الموضوعة لذلك». ولماذا اختير ضمن أكثر 500 شخصية مؤثرة عالميا، وما هي أسس الاختيار، أوضح جمعة أن «حقيقة الموضوع أن مركز التفاهم الإسلامي - المسيحي في جامعة جورج تاون الأميركية والمركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية في الأردن أجريا دراسة عن ال 500 شخصية الأكثر تأثيرا عالميا، وجاء في مقدمة الشخصيات المؤثرة في العالم العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، يليه ملك المغرب الملك محمد السادس، بينما احتل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان المركز الثالث، وتم اختياري في المركز الثاني عشر لشخصيات الدراسة. وحددت الدراسة أسباب الاختيار بأنها قائمة على الجهود العلمية والمجتمعية المؤثرة والدور المهم للمجتمع المدني في الحياة المعاصرة، وجاء ذلك الاختيار بناء على الجهود الكبيرة التي قدمتها الدار لخدمة الإسلام والمسلمين، والتطور الذي حدث داخلها، واستخدام قنوات الاتصال الحديثة وإنشاء مركز للاتصالات يتلقى أكثر من 1500 فتوى يوميا وموقعا على الشبكة المعلوماتيه بتسع لغات مختلفة، بما يسهم في توصيل رسالتها وخدماتها لطالبي الفتوى في جميع أنحاء العالم، وأوضح التقرير الذي تضمنته الدراسة محل التقييم، إن دار الإفتاء منذ تأسيسها تقوم بدور تاريخي وحضاري لربط المسلمين بأصول دينهم، في عالم يموج بالمتغيرات الأيديولوجية والثقافية والاجتماعية». ورداً على المطالبات بدمج دار الإفتاء أو استبدالها بمجمع البحوث باعتبار أنه قادر على حسم الفتاوى منعا لإثارة البلبلة بين الناس، أجاب «ان دار الإفتاء المصرية مؤسسة عريقة أنشئت منذ 112 سنة وهي من أكبر مؤسسات مصر والعالم الإسلامي وقضية إلغاء مؤسسة عريقة قضية لا يؤخذ فيها برأي محدد. فالدار تصدر يوميا أكثر من ألف فتوى ولا يمكن أن يستغني الناس عنها، وهذه قضية تتعلق بهوية مصر فمن قبل، عرض البعض بيع قناة السويس وعرض البعض الآخر هدم الأهرام، وهذه الآراء نحن لا نحجر عليها لكن يجب عدم الوقوف أمامها طويلا». وختاماً، أعتبر مفتي مصر ما اثير عن انزعاج الليبراليين والعلمانيين من مصطلح «أسلمة المجتمع المصري» في المادة الثانية من الدستور الجديد المرتقب، ان «المجتمع المصري مسلم بنص الدستور والقوانين والواقع والديموغرافية والتاريخ، وكلمة أسلمة معناها الدخول في دائرة الإسلام وهذا تحصيل حاصل فالمصطلح غير وارد في مصر».