قالت البنت لأخيها: جاءتنى فكرة. قال أخوها: الله يخرب بيت أفكارك، هل نحن ناقصون؟ فكرة ماذا؟ وهباب ماذا؟ نريد نعمل. قالت: وهل منعك أحد أن تعمل وأنت تفكر؟ قال: اسمعى، أنا سئمت المناقشات، هل عندك جديد؟ قالت: طبعا: أفكارى كلها جديدة دائما، وقابلة للتطبيق فورا، إذا ما وجدت الفرصة. قال: هكذا الكلام! أنت تؤلفين الأفكار، ونحن الشغالة عند جلالتك نهيئ لها فرص التحقق بشروطك، فإن لم تتيهأ لها الفرصة، فالعيب ليس فى أفكارك وإنما فيمن قصّر فى تهيئة الفرصة. قالت: هل سمعت خطبة العيد فى مرسى مطروح؟ قال: وهل أنا سمعت خطبة العيد فى مسجد عمرو بن العاص حتى أسمع الخطبة فى مرسى مطروح؟ أنا أذهب لصلاة العيد فرحا بالتكبير والابتهال والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يكاد الإمام ينهى الصلاة، حتى أنطلق عدوا إلى رحاب الناس نفرح معا، داعين ربنا أن يعيده علينا جميعا بخير. قالت: ولماذا لا تسمع الخطبة وتكمل السُّنَّة، هل أنت تسنّ لك سنّة خاصة؟ قال: أنت ما لك؟ ربنا هو الذى سيحاسبنى، والسنة سنة، ثم إنى كنت أسمع الخطبة أحيانا حتى سبّنى خطيب ذات عيد، ولم أكن أنوى الانصراف، فانصرفت عنادا عندما سبّنى. قالت: أنت تخرف كعادتك، ما للخطيب وما لك، وإيش أدراه أن جنابك تشرف المسجد الذى يخطب فيه بالذات؟ قال: هذا ما حدث: قبل إقامة الصلاة، وبصوت كأنه صادر من عشماوى نبه هذا الخطيب بعد التكبير وقبل إقامة الصلاة أن الذين يتركون المسجد بعد الصلاة مباشرة دون أن يصبروا على كلام فضيلته هم فارّون من نعيم مواعظه ووصايا هديه «... كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ». قالت: يعنى ماذا؟ قال: يعنى أننا نحن الذين لا نسمع خطبة سيادته بعد فرحتنا بالعيد وبعضنا ببعض، وتهليلاتنا وتكبيراتنا ودعواتنا، وصلاتنا، نحن مثل الحمير الهاربة مهرولة مضطربة أمام هجمة أسد جسور أو صيادين مَهَرة. قالت: وهل ذكر اسمك بين هؤلاء الحمير. قال: نعم؟ نعم؟ لا لقد نعتنى باسم جنابك بصفتك الأشهر فى العائلة بأفكارك النيرة. قالت: عموما فإن فكرتى أكثر واقعية مما صرح به السيد المرشد فى مرسى مطروح بعد خطبة العيد. قال: أية خطبة وأية فكرة وأى تصريح؟ قالت: هذا ما جاء فى عدد «الشروق» اليوم الإثنين 20-8-2012، بعد أن دعا مرشد الإخوان الدكتور بديع عقب خطبة صلاة العيد فى مرسى مطروح، إلى دعم الرئيس محمد مرسى بكل قوة، وشكر له أنه أوصى مشددا على ضرورة الحفاظ على المال العام، وعدم قطع الطرق، أضاف أن محصول القمح زاد 6 أضعاف هذا العام، وهو ما يؤكد أن «شعب مصر هو شعب خير، وعندما يصلح نيته لله، يزيده خيرا ورزقا...». قال: والله العظيم؟ تتكلمين جدا؟! قالت: والله العظيم ثلاثا، ماذا فى هذا؟ قال: ستة أضعاف قمح نتيجة صلاح نية شعب مصر فى بضعة أشهر! لم يبق أمامنا إلا صلاح نية خمس ست أعياد، أو أعوام ونصدر القمح لأمريكا. قالت: كله بفضل الله. قال: وهل سيزرعون القمح داخل الحجرات التى بُنيت على آلاف الأفدنة من الأرض الزراعية فى هذه المدة بفضل دعاء الوالدين؟ وأين حكمة سيدنا يوسف وزير مالية فرعون فى القرآن الكريم؟ قالت: ما له سيدنا يوسف؟ لا بد أن فكرك ذهب إلى علاقته بامرأة العزيز. قال: الله يخيّبك! نحن فى ماذا أم ماذا؟ هل هذا هو ما ألهمك فكرتك الجديدة؟ قالت: ليس تماما، لكننى شعرت أننا فى مرحلة تصديق أى كلام، وبالتالى قبول أى فكرة، إذا كانت المسألة قد وصلت إلى أن رئيس مصر يخطب بهذا الكلام فى العيد. قال: رئيس ماذا يا جاهلة؟ قالت: أنا الجاهلة؟ كله مثل بعضه! الرئيس هو المرشد هو الخطيب، والله خطيب العيد كان عنده حق حين وصفك بحكاية «الحمُر المستنفرة». قال: أنا أفضّل أن أكون من الحُمُر المستنفرة على أن أكون من الحمير المستغفَلة. قالت: رئيسنا رجل طيب، يعمل ما يقولونه له، ولا يميز بين الأوليات من فرط طيبته. قال: هل هذه طيبة أم خيبة؟ قالت: عندك، وإن كنت تريد نقده، فاسلك مسلك العقلاء المهذبين، لقد كتب فهمى هويدى فى نفس عدد «الشروق» كلاما قاسيا محبا ينبه به الرئيس أن يتفرغ للقضايا الاستراتيجية الكبرى.. حتى قال «... وأستحى أن أذكر أنه لا بد أن يكون هناك فرق بين رئيس الجمهورية وناظر العزبة الغارق فى التفاصيل الصغيرة...»، بل إنه أضاف:«... وإن وضع القمامة والمرور والوقود على برنامجه يغدو هزلا فى موضع الجد وعبثا ينبغى الرجوع عنه...»، أظن أنه هكذا يكون النقد وليس بالسخرية والعبث كما نفعل نحن. قال: أنا أسخر منك أنت ومن أفكارك ولا أسخر من الرئيس. قالت: بصراحة، من كثرة تنقل أدائه من خطبة يمكن أن يخطبها إمام مسجد فى قرية فتدعو له عجوز دعوة مستجابة، إلى قرارات شجاعة يعيد بها تنظيم شكل الدولة، إلى فكرة التفاهم مع الشيعة وإيران، احتار دليلى حتى حسبت أن عندنا أكثر من رئيس بفضل الله. قال: هل هذه هى فكرتك النميسة، نعيّن رئيسا للقمامة، ورئيسا للتصالح مع الشيعة، ورئيسا للاستقلال الاقتصادى، ورئيسا للخطابة فى المساجد؟ قالت: بطّل تهريجا وأعطنى فرصة لو سمحت. قال: هاتيها على شرط أن تحتملى رأيى فيها. قالت: وأنت على شرط أن تستمع إليها حتى آخرها. قال: اتفقنا. قالت: تأكيدا للديمقراطية، وقبولا للتحدى: نلغى جميع الإجراءات التى اتخذت حتى الآن فى ما عدا بقاء الرئيس محمد مرسى ورجاله الأقربين، ونطلق سراح كل السجناء والمعتقلين، بسبب الأحداث، بعد أخذ الضمانات الكافية لبقائهم فى البلاد على شرط العودة إلى نشاطهم الاقتصادى الوطنى لصالحهم فالناس، ثم نعمل انتخابات لا نمنع من دخولها أى أحد بما فى ذلك حسنى مبارك، وتجرى الانتخابات تحت إشراف الرئيس محمد مرسى مع فريق من معارضيه ومن شباب الثورة والمجلس العسكرى... قال لها: كفى كفى، ما هذا الذى تقولين؟! أنت تخرفين وسأبلغ عنك. قالت: ألم نتفق أن تسمعنى حتى الآخر؟ ألست ديمقراطيا؟ قال: طبعا لا...