أعتاد المواطنون الالتزام الديني خلال الشهر الكريم حيث الصوم والصلاة وفي المساجد وصلاة التراويح وصلة الرحم والزكاة، لكن في السنوات الأخيرة زادت ظاهرة ما يمكن تسميته ب''التدين الظاهري''، وارتفعت وتيرة هذه الظاهرة بمرور السنين، إلا أن الأمر زاد عن حده خلال رمضان هذا العام. ففي هذه الأيام الفضيلة، انتابت السيدات والفتيات المصريات حالة من الخوف، من جماعات ما تسمى ب''الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر''، الأمر الذي دفع بهن إلى ارتداء الحجاب وربما النقاب دون اقتناع، حتى لا تعرضن لمواقف قد تكون محرجة وقد تصل للعنف اللفظي أو الجسدي في بعض الأحيان. ''الحجاب هربا من المضايقات'' تقول عبير محمد، طالبة ثانوي، ''لم ارتدي الحجاب حتى الآن ولكني اضطرت لفعل ذلك بشهر رمضان حتى لا أتعرض لمضايقات من المارة بالشارع أو نظرات احتقار من المنقبات والرجال أصحاب الدقون''. وتابعت: ''رغم أنني أرى أن الإيمان ليس بحاجة لحجاب مؤقت بشهر رمضان وأن ارتداء الحجاب له احترامه ولا يقتصر ارتدائه على شهر بعينه''. وتشير عبير إلى أن الظروف المجتمعية اضطرتها إلى ارتداء الحجاب ''حتى لا تتعرض لمضايقات أثناء سيرها بالشارع''، على حد قولها. ثواب الصيام وتضيف عزة محمد، طالبة جامعية، أنها اعتادت ارتداء الحجاب خلال الشهر الكريم هربا من ''التعليقات السخيفة التي تلاحقني وأن أسير بالشارع''، وتقول: ''وكأنني أنا من سأتسبب في عدم حصولهم على ثواب الصيام''. وتشير أيضا إلى أنها ترتدي الحجاب ''تماشيا مع تقاليد أصبحت متبعة؛ فأغلب أصدقائها بالجامعة يضطرون لارتداء الحجاب برمضان بعضهم من اجل الحصول على ثواب الصيام كاملا واخرون هروبا من التعليقات والمضايقات''. وتلفت عزة إلى أن التي تصر على موقفها وعدم ارتداء الحجاب في رمضان فقد تضطر للمكوث في المنزل صيلة الشهر الكريم. وعن زيادة المحجبات، يقول الدكتور محمد كمال، أستاذ الشريعة بجامعة الازهر، ''لا يمكن أن نجبر أي مواطن على فعل شيء للتقرب لله من خلال مضايقته بالفعل أو القول وهذا حرام شرعا''. ويضيف: ''لكن أقبال الفتيات والسيدات على ارتداء الحجاب وزيادة هذا الأمر عقب وصول الإسلاميون للسلطة لا يجب وصفه بالتدين الظاهري أو أنه يرجع فقط للخوف المجتمعي فالأمر برمته راجع لعلاقة العبد بربه ولا يمكن الحكم على الاشخاص بتلك الصورة لعلها قد يكون بداية بطريق الصواب وتستمر بارتدائه''. محجبة قد تكون أفضل من منتقبة ويوضح الدكتور عبد الله أن الله يقبل التجزئة من عباده فقد يصلي او يصوم الفرض دون ان يكمل فروض أخرى ويتقبل الله منه؛ فكيف لنا أن نحاسب فتاة غير محجبة ونتهمها بعدم قبول صومها فقد تكون هي أقرب لله من شخص ملتحي يعكف على المسجد أو امرأة منتقبة تغطي جسدها بالكامل''. ويؤكد أن ''الدين يسر.. وعلينا أن نتعامل بروح الدين ولا ننظر للناس بعين ساخطة''. ويرى الدكتور محمد محمود هاشم، عميد كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة الازهر، أن الشعب المصري بطبيعته أعتاد الحشمة ومراعاة الآداب العامة خصوصا بالشهر الكريم وبالتالي لا يجب على هؤلاء الذين يلاحقون الفتيات والسيدات ويتهموهم بخدش الحياء ويطالبوهم بارتداء الحجاب''. وقال إن هذا الأمر يرجع إلى علاقة العبد بربه؛ مشيرا إلى أن ما يحدث يعود إلى غياب الأمن والانضباط عن الشارع، وأيضا وجود أفكار شاذة وجماعات متطرفة تهدف لخلق الخوف بالمجتمع واجبار المواطنين على سلوك بعينه، حتى لا يصبح أمامهم سوى ارتداء الحجاب خوفا على حياتهم''. وينوه هاشم بأن تلك الفترة في تاريخ مصر ليست واضحة، مؤكدا على ضرورة مسايرة الظروف الطارئة حتى لا نتعرض لمشاكل من المنفلتين والمجرمين وأصحاب الأفكار الشاذة. وشدد على أنه لا يجب أن نربط تلك الممارسات الشاذة والتعرض للفتيات بالجامعات الإسلامية المتواجدة من فترة زمنية طويلة. التعدي على الحريات باسم الدين وتفسر دكتورة رباب الحسيني، أستاذ علم الاجتماع، أن المجتمع المصري متوازن ولا يقبل بالتطرف، مشيرة إلى أن الحشمة معروفة في التقاليد المصرية ونادرا ما تجد من يخرج عن تلك التقاليد خصوصا خلال الشهر الكريم. وتضيف أنه للأسف أصبح هناك العديد من الأشخاص من يحملون فكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأسلوب الاجبار سواء في المواصلات أو بالطريق. وتوضح أن فكرة التعدي على حريات الآخرين أصبحت موجودة في المجتمع المصري والسبب – على حد قولها – يكمن في ''وصول الإسلاميون للسلطة والاهتمام بالقشور وترك الأساسيات''. ورأت أنه من الطبيعي أن تزداد ظاهرة إقبال الفتيات والسيدات على ارتداء الحجاب، مشيرة إلى أن ذلك يأتي استسلاما منهن لدعاوي المتطرفين، حفاظا على أرواحهم، لدرجة أن بعضهن يضطر إلى أخذ ''إيشارب'' معه إذا كانت الفتاة أو السيدة غير محجبة.. ورفع شعار ''أرتدي الحجاب لكي أكون أمنة''.