أول من أمس نشرتُ هنا وللمرة الثانية قائمة بالسلطات والاختصاصات الهائلة التى يحوزها ويتمتع بها الرئيس الدكتور محمد مرسى.. فعلت ذلك بينما أمل واهن ضعيف يداعب أحلامى أن تخرس وتنقطع ألسنة تلك القطعان الجاهلة الكذّابة التى نراها حاليا تنبح وتنوح آناء الليل وأطراف النهار بفرية أن مرسى يا ولداه صعد إلى عرش مصر وهو منزوع السلطة ومسلوب الاختصاص ومحروم من القدرة على فعل أى شىء.. لو أن هذا الادعاء صحيح، ألم يكن الاحترام والصدق مع النفس والناس يفرضان على سيادته أن يتعفف ويمتنع عن خوض معركة رهيبة استبيحت فيها كل الأسلحة لكى يفوز فى النهاية بمنصب «طرطور رئاسى»؟! و.. مساء الخميس الماضى وبمناسبة ثبوت رؤية هلال شهر رمضان المعظم ألقى الدكتور مرسى كلمة من على منبر أحد مساجد شرق القاهرة، بدا فيها عارفًا وعالمًا ومتأكدًا تمامًا، بعكس أتباعه، من حجم اختصاصاته وقوة وفداحة سلطاته الرئاسية، لهذا سمعناه يتوعد بحزم «جبال الزبالة» الراسية على قلوب دروبنا وشوارعنا ملوثة وجه الوطن وجاعلة إياه مزبلة عظيمة الاتساع، بما سماه «حملة قومية» للكنس، تبدأ يوم الجمعة المقبل بهدف إزالة الأدران ومحو عار القذارة من على جبين البلاد، داعيًّا الجميع إلى المشاركة فى هذه الحملة حتى نحصل على حق العيش فى «وطن نظيف» ومحرر من القمامة!! طبعًا ليس فى هذا الوعد الرئاسى ب«الكنس القومى» شىء يثير شهية النقد والمعارضة، بالعكس هو توجه محمود لا مهرب أمام أى وطنى مخلص ومتحضر إلا أن يثمنه ويدعمه، خصوصا أنه واحد من الوعود الخمسة التى قطعها الدكتور الرئيس على نفسه، وأعلن التزامه بتحقيقها فى المئة يوم الأولى من حكمه، فبجوار القمامة والزبالة تعهد سيادته باستعادة الأمن وإعادة الاعتبار والهيبة إلى دولة القانون، وكذلك وعد بحل مشكلة «خبز الغلابة» وإنهاء مأساة الانسداد المرورى، فضلا عن إنهاء أزمات نقص الوقود وانقطاع الكهرباء وخلافه. ومع ذلك ربما لن تخلو ساحة الجدل السياسى من أصوات يقول أصحابها إن الوفاء بهذه الوعود وإنجازها جميعًا فى مئة يوم فقط أمر يجافى المنطق ويلامس عمليًّا حدود المستحيل، وهو بالإجمال مجرد كلام دعائى فارغ يفتقر إلى الجدية والمعقولية معا، بدليل أن أكثر من ربع هذه المدة (شهر تقريبًا) تآكل وتسرب فعلا من دون أن تتحرك هذه المشكلات والكوارث خطوة واحدة على طريق الحل، بل حدث العكس إذ يلاحظ كل ذى عينين كيف تفاقمت وزاد احتقانها وثقلها على خلق الله فى هذا البلد، كما أن الرئيس بنفسه أسهم مباشرة فى إيصال بعضها إلى درجة غير مسبوقة من الخطورة عندما قدم نموذجًا رهيبًا للعصف بالقانون واحتقار أحكام القضاء والانحراف بالسلطة الرئاسية وتطويع قرارها لخدمة مصالح «جماعته» على حساب مجتمع المصريين ودولتهم. والحق أننى كنت سعيدا جدا بحملة «الكنس الرئاسية» هذه، ولم أكن أريد إفساد هذه السعادة بالدخول فى أى نقاش أو جدل مع هؤلاء الناقدين، وقد بقى حماسى للحملة تلك عارمًا، وظلت رغبتى فى الاحتفاء بها متأججة جدًا حتى سمعت وأنا أحتشد لكتابة هذه السطور صديقًا عزيزًا يستخف ويسخر بقسوة ومرارة من اهتمام الرئيس بكنس زبالة دروبنا وشوارعنا، ويضرب صفحًا ويبدى طناشا مدهشا تجاه أسوأ الأدران وأخطر القاذورات التى تهدد حياة هذا البلد ومستقبل أهله (هكذا قال). .. أعترف أن حماستى باخت وتبدد فرحى بعدما انفجر صديقى هاتفًا فى وجهى: طيب يا سيدى، وما موقف الرئيس من قضية نظافة العقول؟! أليس أسهل وأجدى وأنفع للوطن أن يهتم سيادته مثلا بالزبالة التى يجرى حشرها الآن فى عقولنا ودستورنا؟! هل نسى جنابه أنه وعد تلك الحفنة من السادة الطيبين (بعضهم ليس كذلك) الذين قبلوا بدعم حملته الرئاسية ووافقوا واتصوروا وهم يلعبون علنا دور «الكومبارس» على مسرح فندق «فيرمونت» الفخم مقابل أن يتكرم جنابه ويستخدم نفوذه لدى الست «جماعته» لكى يقنعها بأن دستور مصر أهم وأخطر وأعظم من أن يختطفه فصيل واحد و«يفصله» بما يناسب ظلام عقله وركام هواجسه؟!