القصة قرأها أغلبنا فى مراحل التعليم الأولى.. السيدتان اللتان تتصارعان على أمومة طفل، وعندما يأتى السياف ليشقه إلى نصفين لتفوز كل واحدة بنصفه تصرخ الأم الحقيقية رافضة أن يُمَسّ وتنفى أمومتها الحقيقية، بينما ترحِّب الأم المدّعية بأن يُشقَّ الطفل وتفوز بنصفه ولو كان نصفا ميتًا! القصة تلخص المشهد السياسى الدامى مع تحولات أساسية أن الطفل محل الصراع أصبح وطنا عزيزا وعظيما بحجم مصر، والسيدتان تبدّلتا حفنةً من أصحاب المصالح وعصابات الماضى والجماعات والمؤسسات والقوى المتصارعة على مغانم ومكاسب الثورة، والأمُّ الحقيقية شعبٌ يتمزق أمام المشهد الدامى بعد الثورة العظيمة التى قام بها أبناؤه، لا شىء فى حياتهم تبدَّل أو تغيَّر.. التغيير الأخطر فى من كانوا يظنون أنهم ملاذات للحماية فإذا هم فى حقيقتهم مؤسسات لاختطاف وتقسيم وترويع وطنى وتشويه ثورته وثواره! فى انتظار مصير «تأسيسية الدستور» -باعتبار أننا قد أصبحنا محترفى فك وإجهاض مؤسسات وتركيبها، مجهَّزة بأخطاء لزوم الفك والحل إذا اقتضى الأمر- لفتنى تساؤل رغم تعبيره عن واقع الأحوال فى مصر الآن.. التساؤل يستبق القضاء فى تقرير مصير «التأسيسية» اليوم (الخميس): لمن ينتصر القضاء فى قراره.. للرئيس أم للمشير؟! كأن مصر لم تعد وطنًا إلا للمشير أو للرئيس وليست وطنا لشعب، وقرارات القضاء يجب أن تكون لصالحه أولا وثانيا ودائما وبموازين عدل وحق لا تميل ناحية مشير أو رئيس، ولكن للأسف أصبح لدينا قضاء للمشير وقضاء للرئيس ويبدو أنه يغيب قضاء للشعب! أين المرابطون على الحق وبالحق فى القضاء وفى جميع مؤسسات الدولة؟ فى أحدث تصريحات المشير أنه لن يحكم مصر فصيل واحد.. فهل عندما انحاز المجلس العسكرى إلى الإخوان فى بدايات الثورة كان لديه نفس القرار الذى يعلنه اليوم؟! ومَن سكت عن تكوين الأحزاب على أساس دينى رغم مخالفة ذلك للإعلان الدستورى؟! وهل سيطرة التيار الواحد مباحة لو استمرت صفقات وأيام العسل الأولى؟ وهل سقطت فقط بانفراط عقد المصالح ومحاولة الإخوان الانفراد بالسلطتين التشريعية والتنفيذية وتجاهل أنصبة وحقوق شركاء الأمس فى تقسيم وتوزيع عوائد الثورة؟! يتأكد كل يوم أن خطأ رئيس الجمهورية الأساسى أنه لم يوقف اشتباك المصالح بين طرفَى الصراع بالاستقواء بأخطر أسرار ومعاملات قوة أى رئىس.. الاستقواء بالشعب عبر جسور المصارحة والمكاشفة المتواصلة وعدم الوقوع فى شراك إلهاء بعيدا عما يفيد ويعنى الناس وعدم إدخالهم فى شراكة تحترم وعيهم وحقهم فى المشاركة فى اتخاذ القرار، وأرجو أن لا يكون الحل فى استفتاء جديد يعطى شرعية لمجلس عسكرى يبحث عن شرعية شعبية من المؤكد لا يمكن أن يوفرها له تكليف رئىس مخلوع، بينما لم يكن يعطَى هذه الشرعية وبجدارة واستحقاق قدر انتماء حقيقى للثورة بترجمته ويؤكده عدم إهدار دماء الشباب وعدم السماح بتشويه وجه الثورة وبإنهاء مخططات الفوضى منذ الأيام الأولى لها.. وفى الوقت الذى يبحث فيه المجلس العسكرى عن شرعية باستفتاء جديد على الإعلان الدستورى المكمِّل يهدد بإسقاط رئيس الجمهورية المنتخَب إذا لم يوافق المستفتون على إيقاف الإعلان المكمل! يبدو أننا عدنا إلى الاستفتاءات المعروفة نتائجها مقدَّمًا خصوصا وقد وجد المناهضون للثورة هذه الأعداد التى صوتت لصالح مرشحهم بينما فى زمن رئىسهم وتحت رعاية إرهاب وتزوير مؤسساته الأمنية والقضائية لم يكن يجد من يذهبون إلى صناديق الانتخابات!! كان المصريون ينتظرون من عقد الشراكة الجديد مع رئيسهم وعقب ثورتهم العبقرية أن تكون أهدافهم واتفاقهم أو اختلافهم هو البوصلة الهادية التى تصحح وترشد وتفرض الاحترام لقرار الرئيس وبما لا يسمح لصراعات مصالح أو استقواء مؤسسات أن تتطاول على إرادة الشعب. ليس السكوت دائما من فضة، فى الأحوال مثل التى نحن فيها المؤكد أن السكوت من خطر.. والسؤال الأخطر أليس لهذا الوطن حكماء وأمناء من أبنائه أثبتت مسيرتهم ومواقعهم ومن قبل الثورة تنزههم عن الأهواء وارتباطهم بمصالح بلدهم؟ لماذا لا تتشكل مجموعة إنقاذ وطنية من خير الكفاءات المستقلة تضع خريطة بالمخرج من الأزمة بجميع أبعادها وترسم حلولا لأعجب ما كان فى المشهد السياسى.. كل معسكر قانونى وبحجج وأسانيد مختلفة يؤيد أو يعارض نفس القرار؟! مجموعة إنقاذ من خيرة خبرات العقول والكفاءات المصرية فى القانون الدولى والدستورى والعلوم السياسية والاجتماعية والثقافية تضع نهاية لجرائم ومخططات الصراع وتقسيم المصريين وتمزيق نسيجهم الوطنى عقابًا على ارتكابهم فعل الثورة الفاضح!! مجموعة إنقاذ وطنية تضع حلولا ملزِمة لجميع مؤسسات الدولة وتفصل بين سلطاتها وتُسقط استبداد أو تغول أى سلطة وتعيد للقانون سيادته وكرامته وهيبته واحترامه وتفرض أن يكون ولاء جميع المؤسسات لإنقاذ وطنى، وتنهى جريمة تحويل القانون من أداة من الأدوات الأصيلة للعدل واستقرار المجتمع إلى وسيلة لتفجيره. هل ستتبرع سيادتك لسد نقص الغذاء -أحدث أنواع التبرعات المطلوبة من المصريين الآن- أم ستتبرع لبناء مستشفيات آدمية لمرضى يسكنون أرصفة مستشفيات لا آدمية على أمل فرصة علاج فى الأغلب غير موجودة ولا يمكن أن تكون موجودة فى مستشفيات أطلق عليها أحد وزراء الصحة «مقالب قمامة»، أو تفضل التبرع لبناء مدارس إنسانية أو ستتبرع لدخول شبكة مياه نظيفة ل80٪ من الريف، أو ستتبرع لمواجهة أزمة ملايين يسكنون المقابر والعشوائيات..؟ دون شك المشاركة فى إنقاذ وطنى بكل ما نستطيعه فضيلة وواجب ولكن إلى متى سيظل على المصريين أن يمدوا أيديهم ليستجدوا معونات وديونا بينما حقوقهم فى ثرواتهم المنهوبة مُضيَّعة وتُعامَل باستخفاف مدهش؟ وأحدث الرعاة للفقر المصرى المدَّعى يبدو فى تجديد الولاياتالمتحدة لسياسات الهيمنة تحت إعلام المنح وإسقاط ديون، ووصل نصيب كل مصرى من الديون دون تفرقة بين من يسكنون المقابر والعشوائيات ومن يسكنون أفخر المنتجعات 17000 جنيه، فى الوقت الذى لم يتوقف فيه الحديث عن المليارات التى تم تهريبها والتى قدرتها إحدى اللجان ب3 تريليونات دولار، أيضا لم يتوقف الحديث عن البعثات المسافرة إلى مختلف الدول للبحث عن هذه الأموال، وأكثر من دولة تعلن أنه لم يتم اتخاذ إجراءات حادة لاستردادها، وأهل قانون يقولون إن الاتفاقية الدولية للقضاء على الفساد تلزم البنوك برد الأموال -ولا جنيه واحد عاد لأصحابه الذين يعيشون تحت خطوط الفقر والمرض والأمية- جالت برأسى هذه الخواطر وأنا أستمع إلى قرار نقل الرئيس السابق إلى مستشفى طرة لقضاء عقوبة المؤبد، ماذا ستفعل بالمؤبد لرجل فى مثل عمره بينما ثرواتنا منهوبة، والتى كان يجب أن تستخدم جميع وسائل الضغط القانونية لاستردادها منه ومن أسرته، هذه المليارات أو التريليونات المنهوبة هى التى تمثل بعض الإنقاذ من آثار ما فعله هذا الرئيس ونظامه، ثم يتحول الأمر إلى هذه المسرحية العبثية التى تستخفّ بالمصريين وتواصل توفير جميع وسائل الحماية للجريمة والمجرمين وبما يفرض أن يكون من المهمات الأساسية لرئيس الجمهورية بعد تشكيل الحكومة إنهاء هذه الجريمة واتخاذ جميع الوسائل القانونية لاسترداد الأموال المنهوبة وعقاب رعاتها. يدّعون أنهم أمهات وآباء وأخوال وأعمام الثورة ويواصلون ارتكاب كل ما يستطيعون لتمزيقها وتمزيق الشعب.. ولكن للثورة التى قامت من أجل كل مظلوم وصاحب حق فى مصر ربٌّ ثم شعب يحميها.