تمضى الساعات بطيئة، الكل ينتظر التطورات، هناك جولة حاسمة بالتأكيد، نذُر الخطر بدأت تطل برأسها من جديد، إنها الحرب الناعمة فى سيناريو مع صراع الإرادات بين الرئيس ومعه جماعة الإخوان وبين المشير ومعه المجلس العسكرى. منذ البداية كان الحديث يدور عن صفقات تجرى من خلف ستار، صفقات فى القوانين والانتخابات، بل والمواقف السياسية، غير أن مسار الصراع أكد عدم صحة ذلك، وهو ما اضطر المجلس العسكرى إلى أن يؤكد أن كل ما يثار هو مجرد شائعات مغرضة تسعى للإساءة إلى صورة المجلس واتهامه بإبرام الصفقات! صحيح أن لكل حجته، ومنطقه، وأدلته، غير أن قرار رئيس الجمهورية بعودة البرلمان لممارسة اختصاصاته وإلغاء القرار رقم 350 الصادر عن رئيس المجلس العسكرى، يعنى أن الصراع جد لا هزل فيه، وأنه انتقل من الخفاء إلى العلن، وأن ما جرى هو مقدمة لإجراءات أخرى ستكون أكثر حسماً وقوة! الرئيس يرى أن عودة البرلمان تعنى قطع الطريق أمام أى حكم يصدر من محكمة القضاء الإدارى ببطلان الجمعية التأسيسية للدستور، وما يترتب على ذلك من إجراءات، ففى غيبة مجلس الشعب تكون السلطة التشريعية فى حوزة المجلس العسكرى، الذى سيقوم على الفور بتشكيل جمعية تأسيسية جديدة استناداً إلى المادة 60 مكرر من الإعلان الدستورى المكمل، وهذه الجمعية قد لا يحوز فيها الإخوان وحلفاؤهم الأغلبية، ومن هنا سوف ينعكس الأمر قطعاً على الدستور ومواده الأساسية! الرئيس وجماعة الإخوان يتخوفون من أن الجمعية التأسيسية التى قد يشكلها المجلس العسكرى يمكن أن تضع دستوراً جديداً يقر بإجراءات انتخابات رئاسية جديدة بمجرد صدوره فى فترة لا تزيد على ثلاثة أشهر، وهذا أمر ستكون له انعكاساته وتداعياته، ولذلك كان لابد من قطع الطريق، دون حتى مراعاة لمضمون وحيثيات هذ الحكم البات والنهائى، الذى يقر ببطلان مجلس الشعب. لقد وضع الرئيس نفسه فى موضع المعتدى على حكم المحكمة الدستورية العليا، والداعم لعودة مجلس برلمانى جرى حله وحُكم ببطلانه، ثم إنه يُنتظر من هذا المجلس إصدار تشريعات وقوانين يعرف الرئيس، قبل غيره، أنها باطلة، وأن المحكمة الدستورية سوف تحكم ببطلانها، لأن ما بنى على باطل، فهو باطل! هناك من يهمس فى أذن الرئيس بأن يترك للبرلمان إصدار قانون يقضى بحل المحكمة الدستورية، وتحويلها إلى مجرد غرفة فى إطار قانون موحد للقضاء جرى الحديث عنه فى الصحافة والإعلام، ومن خلف الجدران، فهل يستجيب، وإذا استجاب هل يعرف المخاطر والعواقب، وهل يظن بذلك أنه قد حقق ما يريد من رغبات وأهداف؟! القضاة أعلنوا الحرب دفاعاً عن أحكامهم وكرامتهم، وأمهلوا الرئيس فقط 36 ساعة للتراجع والاعتذار، والرئيس قطعاً لن يستجيب، ومن ثم فنحن أمام سيناريو قادم للصدام، كما أن ثمانية من وزراء الحكومة قدموا استقالتهم احتجاجاً على خرق الرئيس لحكم الدستورية، فطلب منهم رئيس الحكومة إمهاله ساعات معدودة، ومن بين هؤلاء وزراء التخطيط والتعاون الدولى والسياحة والعدل والأوقاف والتنمية المحلية! ولن يقتصر الأمر بالقطع على هؤلاء، بل إن فئات عديدة من الشعب راحت تعلن عن غضبتها وتدرك أن البلاد تُدفع دفعاً نحو الصدام وبحور الدماء، وأن دعم الأمريكيين لهذا المخطط من شأنه أن يدفع إلى مزيد من التشبث والعناد والتحدى! إن ما فعله الرئيس مرسى لم يستطع أن يفعله الديكتاتور حسنى مبارك، الذى خضع مرتين لتنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب، كما أن رئيس الوزراء البريطانى خضع لحكم القضاء فى الحرب العالمية الثانية عندما صدر حكم بإلغاء مطار حربى أقيم بجوار إحدى المحاكم بسبب تأثير إقلاع وهبوط الطائرات على تركيز القضاة، فاستجاب تشرشل لحكم المحكمة وألغى المطار، وعندما قيل له، من معاونيه، إن البلاد فى حالة حرب وهذا المطار مهم لنا، رد عليهم بالقول: «أكرم لبريطانيا أن تنهزم فى الحرب العالمية الثانية من ألا تنفذ حكماً للقضاء!». هكذا احترم تشرشل حكم القضاء، وظلت كلماته تدرس ويحتذى بها حتى اليوم داخل بريطانيا وخارحها كدليل على احترامه للقضاء العادل، فقد كان يقول إن بريطانيا ستظل بخير ما دام قضاؤها ظل بخير! تُرى ماذا سيقول الدكتور محمد مرسى، وكيف سيكون حكم التاريخ على قراره الجائر، الذى تحدى به إرادة الجميع، غير آسف على ما يمكن أن يحمله ذلك من تداعيات؟ لقد وضع هذا القرار البلاد على حافة أزمة خطيرة، ربما هى الأخطر خلال العقود الأخيرة، لأن تداعياتها ستكون أخطر، وأظن أن جميع الخيارات باتت مفتوحة، فإما سيطرة وهيمنة كاملة دون سند من قانون أو دستور، وإما صدام واقع بلا محالة!