وسط دموع الحزن وحرقة الفراق استأنفت الدراسة بمعهد نور الأزهر الديني بقرية بني عدي بأسيوط بعد انتهاء أيام الحداد الثلاث حزنا وكمدا على وفاة 43 تلميذا ومدرستين بالإضافة إلى السائق ومساعده. شهد اليوم الأول لاستئناف الدراسة حالات إغماء وبكاء هستيري من بعض المدرسين ومحفظي القرآن الكريم والمدرسات.. وتم نقل إحداهن إلى المستشفى لإفاقتها بينما بينما كست وجوه الزهور الصغيرة من الأطفال صدمة غير مصدقين ما حدث. عاشت "بوابة أخبار اليوم" اليوم الدراسي الأول بعد كارثة أتوبيس المعهد والتي تعد أكبر كارثة تعليمية شهدتها أسيوط في تاريخها. بدأ توافد المدرسين والتلاميذ مبكرا على فناء المعد على مساحة كبيرة وبطريقة هندسية رائعة وعلى غير العادة لم ينتظر الجميع تلاميذ خط الحواتكة الذين كانوا دائما يصلون قبيل إقامة الطابور وذلك لطول المسافة التي تزيد عن ثلاثين كيلومتر يتحملها التلاميذ بالذهاب إلى معهدهم المحبب. وحضر رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر د.محمود مخلوف، والمشرف على المعهد، طابور الصباح ومعه مدرس البلاغة بجامعة الأزهر د.رفعت سيد . تغلب بعض التلاميذ على أحزانهم وقاموا بإدارة الإذاعة المدرسية أمام زملائهم الذين اصطفوا في 19 صف يمثلون عدد الفصول سواء في الحضانة أو الابتدائي أو الإعدادي في طابور الصباح الذي لم يستمر أكثر من سبعة دقائق حيث ساد الحزن بين الحاضرين خاصة د.محمود مخلوف ورفعت سيد اللذان يعملان متطوعان في إدارة المعهد ولم يتمالكا أنفسهم ونزلت دموعهما أمام الجميع. بلغت نسبة الحضور اليوم حوالي 65 % من جملة التلاميذ وأكثر من 80% من المدرسين والمدرسات الذين اتشحوا جميعا بالسواد. وأدار الطابور محمد عبد العزيز عميد المعهد الذي أكد إن إدارة المعهد تعمل على التعامل بهدوء مع التلاميذ خلال هذه المحنة حتى إن الإدارة منحت البعض من التلاميذ والمدرسات إجازة حتى نهاية الإسبوع لسوء حالاتهم النفسية والتس وصلت إلى أن والدة أحد التلاميذ طلبت نقل ابنها من المعهد لأنه لا يستطيع نسيان زملائهم الذين فقدهم ..وتوجه التلاميذ إلى فصولهم عقب انتهاء الطابور .
انتقلت "بوابة أخبار اليوم" إلى حجرات الدراسة لتجلس في فصول الشهداء والمصابين تحاور زملائهم الذين تلقوا الصدمة بأنهم لن يروا زملائهم وأصدقائهم مرة أخرى. قال محمد عماد التلميذ بالصف الأول الإعدادي وصديق وجليس الطالب الشهيد محمد أشرف هاشم شقيق الشهيدين هاشم وأحمد أشرف أن أحمد تصرف في الأيام الأخيرة وكأنه يحس باقتراب أجله حيث أنه رفض الاشتراك في الحفل السنوي للمدرسة رغم أنه يشترك كل عام وعندما ألحت عليه المدرسة في الاشتراك في الحفلة قال لها "أنا هاشترك بس متزعليش لو ما اشتركتش) واختار قصيدة حزينة للإمام الشافعي يقول مطلعها دع الأيام تفعل ما تشاء ....وطب نفسا إذا حكم القضاء. وقد أصر الشيخ محمد أشرف كما يحلو لزملائهم أن ينادونه على مصالحة أحد زملائنا قبل وفاته بأيام. وقد كان يحفظ أغلب أجزاء القرآن الكريم كما أنه متميز بحلاوة الصوت حيث أنه المقرئ الأول بالمعهد. وجلس محمد عماد مع زميله محمد حسن يواسيان انفسهما على جليسهما وصديقهما . وفي فصل 6/1 جلس عبد السلام محمد عبد السلام على المقعد وبجواره مقعد زميله الخالي المصاب عاصم زكريا خاليا. قال عبد السلام رغم أن عصام من قرية بعيدة إلا أن حب العلم جمعنا جميعا وسأزوره في الساعات القادمة بعد أن تحسنت حالته الصحية وسمح له الأطباء بالزيارة، وهو مصاب بخلع في الكتف.. وقد زاره أساتذتي واطمئنوا عليه. وفي فصل 3/2 أصبح هناك مقعدان فارغان بعد وفاة كل من عربي محمد العربي وأحمد أشرف ..قال يوسف صديق أحمد أشرف إنه كان يلعب معه في الفسحة دائما ولا يدري من سيلعب معه الآن أما محمد السيد أحمد فقال إن صديقه الشهيد عربي محمد العربي كان مريضا في الأسبوع الأخير وغاب عن المدرسة حوالي عشرة أيام وعندما استرد جزء من صحته أصر على الذهاب إلى المعهد إلا أن القدر كان يخبئ له أمراً آخراً ولم استطع من توديعه . وفي حجرة المدرسات جلست هدى حسن يوسف مدرسة اللغة الانجليزية في حالة من الذهول حزنا على زميلتها وصديقتها آيات فرغلي وأصيبت بحالة إغماء وتمت إفاقتها ونقلها إلى المستشفى حيث أمر الطبيب بمنحها راحة أسبوعا. وقالت فاطمة الشيخ المدرسة بالمعهد أن زميلتها الراحلة آيات كانت مثل النسمة طوال فترة عملها منذ ثلاث سنوات وكانت دائما على علاقة ممتازة مع كل زملائها. ويستكمل الدكتور محمود مخلوف الحديث عن الشهيدة آيات أنها ضحت من أجل أداء رسالة العلم وكان من المقدر تكريمها في احتفال المعد السنوي في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر القادم بعد فوزها بلقب المدرسة المثالية حيث كانت مثالا في الالتزام والإخلاص والكفاءة في العمل وهي حاصلة على ليسانس الألسن من جامعة المنيا وحاصلة على دبلومة دراسات عليا من كلية التربية بجامعة المنيا. مضيفاً أنه تم التعاقد معها والتأمين عليها قبل شهر واحد من وقوع الحادث . وقد أشرفت المدرسة الراحلة على إعداد رحلة إلى مدينة أسيوط لزيارة حديقة الفردوس والآثار الإسلامية يوم الأربعاء الماضي حيث أنها محبوبة من جميع الأطفال ويطيعونها دائما. وقال الأستاذ محمد عبد العزيز عميد المعهد أن المعهد به قرابة 600 تلميذ وتلميذة وعمره ستة سنوات حيث كان من المقرر الاحتفال بأول دفعة من الشهادة الابتدائية والتي حصلت على المركز الأول على محافظة أسيوط العام الماضي بعد أن تفوقت على جميع المعاهد الحكومية والخاصة رغم أن مصاريفها السنوية لا تزيد عن 500 جنيه ومتوسط الكثافة في الفصل يتراوح بين 25 إلى 30 تلميذ وتلميذة. أما د.رفعت سيد فقال إن المعهد صمم أن يكون كلية لعلوم القران الكريم مثل التي توجد في طنطا ولكن النظام البائد قام للأسف بإلغاء الفكرة بعد إنشاء المباني وذلك عقب وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر. واضطررنا إلى تحويله إلى معهد ابتدائي وإعدادي خاص تابع للطريقة الجعفرية وهو أحد خمسة معاهد خاصة على مستوى المحافظة وأحدثها إلا أنه حصل على المركز الأول على مستوى المحافظة .
مدير المعهد وهو يشرح للزميل محمد منير العملية التعليمية بالمدرسة