مع مرض ابنها انقلبت حياتها رأساً على عقب. خطأ طبي خلال عملية بسيطة جعله يصارع الألم، وجعلها تقف كل يوم على باب الرحمن، لا تطلب شيئًا لنفسها، بل تتوسل شفاء ابنها البكرى. كانت الدعوة لا تفارق لسانها، الدمعة لا تغيب عن عينيها، حتى ضاقت بها الحيلة واتسع لها الرجاء. ولأنها من جوار السيدة زينب، البركة تسكن القلوب قبل البيوت، نصحها أحد جيرانها أن تتقرب إلى الله بطعام تخرجه على قدر طاقتها بنية الشفاء. لم تفكر طويلا، رأت في الفكرة بابا للرحمة، فتحته بقلب أم مكسور وأمل لا ينطفئ. ويتقبل الله منها ويشفي ابنها، لكنها أكملت المشوار. وبعد أن طالبها الجيران بالاستمرار، ساعدوها على نشر فكرتها. في صباح كل يوم يتحول مطبخها الصغير إلى خلية نحل، يساعدها عدة أشخاص، ويسيطر على المكان صمت يقطعه ذكر الله. الناس هم أساس مشروعها ، متبرع بالارز وآخر بالخضار، وثالث باللحم أو الزيت، وكل ما يصل يوضع في إناء الطهي قبل أن يوضع في الميزان، فالعبرة بالنية لا بالكم. تتولى الطهي بنفسها، تقلب الطعام وكأنها تقلب الدعاء بوعاء الطهي. سابقا كانت تهمس باسم ابنها مع كل ملعقة، وتسأل الله أن يجعل في هذا الطعام شفاء وبركة. اليوم تدعو بالشفاء لكل مريض. صارت تشارك في التوزيع، وأحيانا تكتفي بالمشاهدة من بعيد، لكن قلبها حاضر في كل وجبة تخرج من مطبخها. سعادتها ليست في عدد الوجبات ولا في كلمات الشكر، بل في تلك اللحظة التي يتذوق فيها من لا يملك ثمن الطعام لقمة ساخنة، فيرفع يده إلى السماء يحمد الله. عندها تشعر أن دعاها قد وصل، وأن باب الرحمن لا يغلق في وجه من طرقه بصدق. دعاء بنت السيدة زينب اسم معلوم للبسطاء. من بعد صلاة الظهر يتجمع العشرات أمام مطبخها، تقابلهم ابتسامة عريضة، لا ترفض نداء من يطلب. رفضت أن تكون مادة دعائية لصفحات التواصل الإجتماعي حتى لا يضيع ثواب تجارتها مع الله. حفظ الله مصر.