من قلب بلجيكا، حيث الصمت الغربى وبرودة الغربة، تظهر ألوان دينا عصفور الدافئة تحاكى رمال غزة الذهبية.. بفرشاة طفولية الملامح وعميقة الأثر، تحولت من خريجة للاقتصاد والعلوم السياسية إلى «محاربة بالفن»، تنقل للعالم تفاصيل وطن يراد محوه، غزة التى تسكن الذاكرة والروح، لتصبح لوحاتها شاهدة على الحنين والفقد والغربة، فنانة حملت وطنها فى تفاصيل رسوماتها، وجعلت من الفن وسيلة لمقاومة الغياب ونقل حكايات الأطفال والبيوت والأصوات التى لم تغادر قلبها يوماً.. ولدت دينا فى غزة بفلسطين، الرسم موهبتها الموروثة عن والدتها وخالها، فهما فنانان تشكيليان.. بدأت رحلتها مع الرسم منذ الصغر، واكتشفت موهبتها بنفسها فى عمر 13 سنة، وطورت من نفسها ذاتياً دون مساعدة أى شخص.. تقول: «بدأت ارسم لغزة منذ أن كتب على القدر الغربة والابتعاد عن وطن ، فأنا مقيمة حالياً فى بلجيكا منذ 4 سنوات، قبل الحرب بعامين فقط، هربا من الحروب السابقة وخوفا على ابنى من مستقبل مظلم.. رسمت نفسى احتضن معالم غزة، ورسمتها وهى محطمة، ولم أكن أتخيل للحظة أنها ستمحى هكذا، ومن هنا بدأت رحلتى مع رسومات أطفال غزة». وتحكى دينا: «استمد أفكار اللوحات وملامحها من ذاكرتى أكثر شىء، رسم أصدقاء طفولتى، وأضيف تفاصيلاً لا يعلمها إلا أنا، مثل البيت القديم والحى القديم، وحتى الأصوات القديمة أرسمها، مثل عصفور السنونو المشهور فى غزة، وهو صوت وليس صورة، لكنه محفور بذاكرتى».. وتوضح دينا أنها رسمت هذه الحرب لكى تلفت نظر العالم لما يحدث لهم، وبالفعل نجحت بذلك، ونالت أعمالها مشاهدات عالية جداً وتفاعلاً ضخماً على مستوى العالم، وبعدها تم حذف حسابها الأصلى.. تضيف جملة واحدة لأغلب أعمالها، وهى «أنا أحارب بفنى»، ورغم أنها رسوم طفولية بظاهرها، إلا أنها تحمل رسالة قوية عن التيه والخذلان والحنين والحزن على ما حدث. اقرأ أيضًا | «بالألوان» | سيمفونية «كارمن».. حين تهمس الطبيعة بالألوان وتقول دينا: «أكثر لوحة قريبة لقلبى الطفلة التى تجلس على الحقيبة، لأنها تمثلنى تماماً، فلطالما تمنيت العودة وكنت أعد الأيام للعودة إلى غزة، لكن الحرب الأخيرة أبعدتنى أكثر وأكثر، لأنه باختصار لم يعد لدى عائلة فى غزة، نصفهم استشهد، 20 شخصاً من أقارب الدرجة الأولى أولاد عمى وزوجته وأولاده وأحفاده، والنصف الآخر تهجر، ولدى أخت واحدة فقط لا تزال هناك». وتشرح: «أنا رسامة قصص أطفال، ولوحاتى تميل للطفولة، حتى ملامح الأطفال بريئة، لكن هذه البراءة قادرة على إظهار المعاناة، وبالتأكيد الفن قادر على توصيل الرسالة، لكن المعاناة التى تحدث فى غزة لا يستطيع الفن والكاميرات والقنوات الإخبارية إظهار ربعها، الأطفال مبتورون، والأمهات ترملن، والمعاناة فاقت العقل البشرى».