مع اقتراب نهاية العام واحتفالاتنا بعيد الميلاد المجيد، تطل علينا الإعلامية هند الضاوي بخبر مثير للجدل يحمل في طياته إشارات غير دقيقية، لا سيما في ظل التوترات الإقليمية التي يمر بها الشرق الأوسط. فبينما كانت مصر بقيادة حكيمة قادرة على مواجهة هذه التحديات والحد من تداعياتها عبر دبلوماسية فاعلة، تأتي مثل هذه الأخبار لتثير العديد من التساؤلات حول دلالاتها وآثارها . الخبر الذي تم نشره، والذي يدعي أن "إسرائيل تقوم بتدريب مائة ألف مسيحي ليكونوا سفراء لها"، أثار الكثير من المخاوف بشأن استغلال مثل هذه التصريحات في ترويج الانقسامات داخل الوطن . هنا، لا يمكننا إلا أن نطرح التساؤل : هل من الحكمة أن يتم نشر مثل هذه الادعاءات في هذا التوقيت الحساس، في وقتٍ كانت إسرائيل قد فشلت في تحريك الصراع الإقليمي على المستوى العسكري، لتتحول الآن إلى محاولات لزرع الفرقة بين أبناء الوطن الواحد؟ إن نقل هذا الخبر، وإن جاء من مصادر إسرائيلية، دون التحليل العميق أو التقويم المهني، قد يساهم في إشعال الفتن الطائفية بين مكونات الشعب المصري. فالإعلام لا ينبغي أن يكون أداة لإثارة الخلافات، بل يجب أن يكون رسالة توعية وبناء، بعيدًا عن تحريف الحقائق أو التحريض . وفي هذا السياق، قامت الطائفة الإنجيلية في مصر بإصدار بيان رسمي يؤكد على أن الخدمة الإنجيلية هي خدمة وطنية بحتة، تمتد جذورها لما يقارب من قرنين من الزمان، من خلال مؤسسات تعليمية وطبية واجتماعية تخدم المجتمع المصري بأسره، دون أن تكون أبدًا جزءًا من أي أجندة سياسية خارجية. كما شدّد البيان على رفض المسيحية الصهيونية وكل ما يتصل بها من محاولة استغلال الدين في تحقيق مصالح سياسية . الأستاذة هند، مع كامل احترامي لشخصكِ، إن ما يثير القلق في هذا التصريح المتداول ليس فقط كونه خبرًا نقلاً عن مصادر إسرائيلية، بل الطريقة التي تم بها تمريره من دون تفكيك أو تحليل مهني، مما يعزز من احتمالية أن يؤثر سلبًا على وحدة المجتمع المصري. الإعلامي المهني يجب أن يتعامل مع الأخبار بنقد وتفكيك شامل، ويُحرِص على توضيح سياق الأحداث وآثارها الاجتماعية والإنسانية، خصوصًا إذا كان يتعلق بتأجيج التوترات الطائفية في وطن يعُد التعايش السلمي أحد أعظم قيمه . إيحاء أن المسيحيين في مصر قد يكونوا "سفراء" أو "وكلاء" لدولة أجنبية يتناقض تمامًا مع الواقع المصري، ويقدّم لهم في صورة مشوهة قد تؤدي إلى تحريض المجتمع ضدهم، وهو أمر لا يخدم مصلحة الوطن بأي حال . مصر، بكل مكوناتها الدينية، هي وطن واحد، نسيج واحد. فالشعب المصري - مسلمين وأقباطًا - قد خاض معًا الحروب، ووقفوا جنبًا إلى جنب في حرب أكتوبر المجيدة، وقدّموا تضحيات عظيمة في مواجهة الإرهاب، من دون أن تفرّق رصاصات العدو بين مسلم ومسيحي. من ثم، فالوطنية ليست مجرد شعارات فارغة، بل هي مسؤولية تتطلب تبني خطاب يحيي روح الوحدة والتماسك بين كافة أفراد الشعب المصري . وإن طرح الأخبار دون تحليل أو استنكار له أبعاد خطيرة، قد تفضي إلى زيادة التوترات بين أبناء الوطن، وتقويض الثقة بين مكونات المجتمع، مما يضرّ بأمن مصر واستقرارها الاجتماعي. على الإعلام أن يكون حذرًا، وأن يتحلى بالمسؤولية في توجيه رسائله التي يجب أن تعمل على تعزيز الوحدة الوطنية لا على تهديدها . وفي النهاية، مصر ستظل دائمًا محمية، بفضل الله أولاً، وبفضل قيادتها الحكيمة، وبفضل تلاحم وتضامن شعبها العظيم .