الرهان على ما يعرض من خيارات مهم خاصة أن إسرائيل ستتعامل مع هذه التحركات الأمريكية بحذر أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو التصديق على اتفاق الغاز، وأن الموافقة على هذه الصفقة جاءت بعد مشاورات مكثفة لضمان تحقيق كافة المصالح الأمنية العليا لإسرائيل، وشدد فى الوقت ذاته على أنه سيمتنع عن ذكر التفاصيل لاعتبارات أمنية ولحساسيتها. يمكن الإشارة إلى جملة من النقاط المتعلقة بالمشهد الحالى فى سياق العلاقات بين مصر وإسرائيل والولاياتالمتحدة، حيث تتسم هذه العلاقات بقدر من التوتر والتأزم غير المعلن وإن كان هذا لا يعنى عدم وجود اتصالات، بل بالعكس هناك اللجنة المشتركة بين البلدين والتى تعقد سلسلة لقاءاتها وتحاول كطابع وظيفتها النظر فى مجالات التوتر الدائم ومعالجته بحلول وقتية دون المساس بجوهر العلاقات، وأن ملف الغاز كان هو أحد أسباب توتر العلاقات الراهن والخلاف على توقيت التوقيع والالتزام ببنود الاتفاق حتى 2040 الأمر الذى دفع مصر للبحث عن البديل فى مسار ما يجرى برغم وجود توجه داخل الكنيست كان يدفع بقوة إلى الاستمرار فى الاتفاق تخوفا من اتجاه مصر للبديل، الأمر الذى قد يمس العلاقات المصرية الإسرائيلية ويخسر إسرائيل اقتصاديا وهو أمر تحتاجه الخزانة الإسرائيلية. كما أبدت كثير من الدوائر السياسية والإعلامية فى إسرائيل رغبتها فى تعديل معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل والاحتجاج المستمر على إجراءات الجيش المصرى فى سيناء فى الوقت الراهن، وعلى اعتبار أن ما تقوم به مصر من وجهة النظر الإسرائيلية مقلق ويمثل تهديدا للأمن القومى الإسرائيلي، خاصة مع استمرار التعزيزات العسكرية فى سيناء وإعادة انتشار الجيش المصرى وغيرها من الأمور المثارة فى إسرائيل، إضافة لاتهام مصر بسبب ما يجرى على طول الحدود وأعمال التهريب وإطلاق المسيرات، وغيرها ما يشاع فى مسار العلاقات المصرية الإسرائيلية وكذلك منظومة الأنفاق تحت قناة السويس وغيرها. فى هذا السياق من العلاقات دخلت الولاياتالمتحدة على خط العلاقات المشتركة لجملة من الأسباب، أهمها أن الولاياتالمتحدة شريك رئيسى فى العلاقات المصرية الإسرائيلية وأن الرئيس الأمريكى الأسبق كارتر طرف موقع إلى جوار الرئيس السادات ورئيس وزراء إسرائيل الأسبق مناحم بيجين، فى إشارة إلى طبيعة الدور الأمريكى فى منظومة العلاقات المشتركة وأن الإدارة الأمريكية بصدد ترتيبات أمنية وإستراتيجية فى غزة ومنها إلى الإقليم، وهى فى حاجة لحليف حقيقى تربطه علاقات استراتيجية مثل مصر، ومن ثم فإن حرص الإدارة الأمريكية على استمرار بل وتوطيد العلاقات مع مصر قائم، وهو ما جرى فى مشاركة الرئيس الأمريكى ترامب فى قمة السلام والمساهمة فى مفاوضات وقف إطلاق النار وإقرار خطة شاملة - بصرف النظر عن مضمونها أو جدية طرحها أو استمراريتها - الأمر الذى يعنى أن الإدارة الأمريكية باتت طرفا رئيسيا فيما يجرى ويتجاوز عن قرب، بالفعل إنها شريك تفاوضى بل مؤسس كامل للترتيبات الأمنية والإستراتيجية الجارى تنفيذها. كما سعت الإدارة الأمريكية للتعامل مع مصر وتجاوز ما هو قائم من ترتيبات حقيقية خاصة أن هناك إشكالية حقيقية مرتبطة بالفعل بأزمات مكتومة بين مصر والولاياتالمتحدة والخاصة بتنفيذ مخطط الترانسفير وترحيل سكان القطاع وإقامة ما يعرف بغزة الجديدة وهو ما ترفضه مصر تماما وتتعامل معه بحذر وتتجاوب مع بعض بنوده وتتوقف مع بعض البنود الأخرى مثلما تعاملت فى السابق مع صفقة القرن. إن مراقبة السلوك الأمريكى فى القطاع وإقامة المنطقة الخضراء بدعم من الرئيس الأمريكى ترامب لفريق كوشنر، تمثل تحديا حقيقيا لتنفيذ الخطة الأمريكية التى وافقت عليها الأطراف العربية وتحفظ البعض على بعض بنودها، وإن كان الأمر ما زال مطروحا ما بين طرح الإدارة لخطة ترامب وما يجرى ويمس مستقبل القطاع فيما يعرف بخطة كوشنر الذى أعلن مؤخرا مخططاً بشأن إعادة إعمار غزة تحت اسم «شروق الشمس Sunrise»، لتحويل القطاع إلى مدينة تكنولوجية متطورة. وأخيرا، حاجة الإدارة الامريكية للدخول للمرحلة الثانية والجمع بين بنود الخطة الأمريكية من جانب وما يعرف بالخطة البديلة، قائم ومهم ويجرى على قدم وساق، خاصة أن مسألة نزع سلاح حماس كبند رئيسى فى الخطة مرتهن بانسحابات إسرائيل والتى تسابق الوقت للوصول إلى اكبر مساحة مقتطعة من قطاع غزة وبما يفرض الأمر فى سياقه ويدفع بقوة للتعامل مع حجم المتوقع من سياسات محتملة فى حال تجميد السلاح. ومن ثم فإن الرهان على ما يعرض من خيارات مهم خاصة أن إسرائيل ستتعامل مع هذه التحركات الأمريكية بحذر، ولن تحسم فى اللقاء المرتقب بين الرئيس ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو فى نهاية الشهر الجاري، فالقضايا كبيرة ومتعددة وتبدأ بملف العفو عن نتنياهو وتمر بملف غزة وترتيبات الأمن وسلاح حماس وخصوصية العلاقات الثنائية وغيرها وهو ما قد يلجأ الرئيس ترامب إلى ضبط المشهد ومحاولة استيعاب موقف نتنياهو وإقناعه بأن يبدأ المرحلة الثانية من خلال الانخراط جديا فيما يجري، وهو أمر سيحتاج إلى دور الأطراف الوسيطة مثل مصر وتركيا وقطر ودول حليفة، وبصرف النظر عن تجاوبها مع الخط الأمريكى والتحفظ على دور هذه الدول فى الالتحاق بالقوة الدولية. فى كل هذا السياق سيكون دور مصر مهما ومطلوبا وتسعى الإدارة الأمريكية لتوظيف ما يجرى لتقريب وجهات النظر بين مصر وإسرائيل وتدرك أن هذا الأمر يتطلب منح نتنياهو الفرصة لهذا عبر النافذة المصرية المهمة للحكومة الإسرائيلية أمام الجمهور الإسرائيلى ولرفع شعبية نتنياهو داخل الساحة الحزبية وقبل دخوله الانتخابات المقبلة. تبقى الإشارة الى أن أى طرح أمريكى جديد او على الهامش مثلما يجرى بشأن خطة شروق الشمس معوق جديد امام ما يجرى وتذكر بخطط سابقة تم طرحها أمريكيا، حيث تواجه جميع هذه الخطط تشكيكاً فى واقعيتها نظراً لاشتراطها «نزع السلاح الكامل» كخطوة أولى، وغياب خطط واضحة لإيواء 2 مليون نازح خلال سنوات التنفيذ. إن ما يطرح أمريكيا قد يؤخر عملية الإعمار وفق الخطة العربية الشاملة.