حادث صادم فاجأ العالم بأكمله، وقعت احداثه في واحدة من الدول التي تشتهر بالامن والحزم والصرامة في تشديد قوانين حيازة السلاح، حيث تعد نموذجًا عالميًا او ذهبيًا في التعامل مع تلك القضية ولكن وقوع حادث ارهابي صادم تسبب في طرح تساؤلات حول مدى فاعلية تلك القوانين وتطبيقها على أرض الواقع في ظل الارتفاع الهائل في حيازة الأسلحة وموجة التطرف التي تسيطر على الافراد في المجتمع. وقع الحادث الإرهابي على شاطئ بوندي السياحي في سيدني، حين فتح مسلحان النار في احد التجمعات احتفالا بعيد الأنوار أو الحانوكا اليهودي، توالت المشاهد التي بدأت بإطلاق النار على التجمع ليفاجأ الجميع بحالة من الفوضى حيث كانوا يصرخون ويركضون بحثًا عن مأوى كما شوهد العشرات ملقيين على الارض، مصابين بلا حركة، وفي نفس الوقت يتم نقل مصابين او متوفين آخرين إلى سيارات الإسعاف، كما أظهرت مشاهد أخرى ضباط أحاطوا بمنطقة حظر امنية حول بندقية ملقاة على الأرض استخدمها احد المتهمين في الحادث. رخصة قانونية ظل مرتكبا الحادث مجهولين عدة ساعات، وظهرا في بداية الحادث على جسر للمشاة ثم فتحا النار على حشود من السكان والمصطافين والعائلات، وظهر أحدهما مستلقيًا على الأرض بينما يواصل الآخر استهداف المدنيين، وظل احدهما يختبئ أسفل جانب الجسر ليعيد تعبئة سلاحه ليواصل إطلاق النار بعد استهداف حشودًا من السكان المحليين والمصطافين والعائلات. في اليوم التالي للحادث كشفت السلطات عن هوية الأب المنفذ الرئيسي في هجوم شاطئ بوندي، وهو ساجد أكرم،50 عامًا، باكستاني الأصل دخل البلاد منذ سنوات بتأشيرة طالب، وقُتل أثناء اشتباكه مع الشرطة وقت الحادث، والثاني ابنه ناظم، 24 عاما، مواطن أسترالي المولد، يرقد في حالة حرجة بعد إصابته أثناء المواجهة مع الشرطة. داهمت الشرطة منزل الارهابيين بأحد الضواحي بونيريج في جنوب غرب سيدني حيث تمتلك العائلة العقار منذ عام، عثرت الشرطة على ست بنادق مرخصة تمت مصادرتها، وحصل الاب على رخصة سلاح قانونية في السابق. راية داعش خلال دقائق قليلة، أسفر الحادث عن مقتل 12 شخصًا على الأقل وإصابة 30 آخرين، ومن بين الضحايا طفل عمره 10 سنوات، وأكبرهم عمره 87 عامًا، وصف «مال لينون» مفوض شرطة ولاية نيو ساوث ويلز حالات المصابين بالخطيرة مشيرًا الى وجود ما يصل لألف شخص ضمن حضور الفعالية التي استهدفها الحادث، وأشار إلى عثور الشرطة على عبوات ناسفة بدائية الصنع في سيارة بشارع كامبل باريد، تعود لمرتكبي الحادث، واتخذت وحدة إبطال المتفجرات التابعة الإجراءات اللازمة، كما اشار إلى أن السيارة التي استخدمها الإرهابيان في الحادث كانت تحمل راية تنظيم داعش على زجاجها الأمامي، وشوهدت بالقرب من الحادث على حافة شاطئ بوندي. فجر الحادث العديد من الانتقادات لأنظمة الأمن، حيث ظل الإرهابيان يطلقان النار على مدار 10 دقائق، وأطلقا50 رصاصة على من حولهم، بالرغم من الإشادة برجال الإنقاذ إلا أن شهود الحادث تساءلوا عن سبب عدم وجود أنظمة لدى الشرطة للاستجابة للهجوم بسرعة أكبر خاصة بعد وقوع حادث طعن على مسافة قريبة من التجمع بشاطئ بوندي. تحقيقات سابقة اعترفت وكالة الاستخبارات الأمنية الداخلية الأسترالية (ASIO)؛ بأن أحد مطلقي النار كان مسجلا على جهاز مراقبتها أو على رادارها، بالإضافة إلى إجراء تحقيق سابق قبل ست سنوات مع أحدهما بسبب صلات بخلية داعش في سيدني. أكد فريق مكافحة الإرهاب المشترك (JCTT) أن المنفذين بايعا داعش، ليصنف الهجوم إرهابيا، علق المدير العام لجهاز الأمن الأسترالي مايك بورجيس: «أحد مرتكبي الحادث كان معروفا لدينا، ولكن ليس من منظور التهديد المباشر، لذا من الواضح أننا بحاجة إلى التحقيق فيما حدث». بطل الحادث تصدر البطل أحمد الأحمد، 43 عامًا، عناوين الصحف بعد ظهوره في اهم لقطات الحادث حين نجح في نزع سلاح أحد مهاجمي شاطئ بوندي، تناقل الاعلام قصته وصوره عبر العناوين الرئيسية واغلفة الصحف وهو أب لطفلين سوري الاصل، وصاحب متجر فواكه، يوصف بالبطل الشجاع الذي قاتل أحد الإرهابيين ورصد مقطع فيديو مشهد بطولته الذي تم تداوله على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي حين انقض على ظهر المسلح وتشابك معه لإنتزاع البندقية منه، وقام برفع يده قبل أن يضع المسدس بعيدا في إشارة للشرطة لسيطرته على الوضع، وأشارت عائلته التي تستقر بمنطقة ساذرلاند إلى انتقاله للمستشفى في الحال حيث خضع لعملية جراحية لعلاج جروح ناجمة عن اصابته بطلقات نارية في ذراعه ويده. تلقى البطل إشادات دولية بدءًا من تصريح رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز قائلا: «لقد رأينا الأستراليين اليوم يركضون نحو الخطر من أجل مساعدة الآخرين، هؤلاء الأستراليون أبطال، وشجاعتهم أنقذت أرواحا، لا مكان لهذه الكراهية والعنف والإرهاب في أمتنا». نقطة تحول اجتمعت اغلب التقارير الاعلامية على اعتبار حادث إطلاق النار في شاطئ بوندي بمثابة نقطة تحول قاتمة لشعور أستراليا فمثلما تحولت احتفالات دينية إلى لحظات عارمة من الذعر والفوضى كذلك تحولت حالة الأمان التي طالما شعر بها الاستراليون بها إلى قلق وخوف حين ادركوا أن أستراليا اصبحت مهددة مثل العديد من الدول بمواجهة موجة من العنف والإرهاب، وبالرغم من أن هوية الجناة ظلت غير واضحة فترة بعد الحادث إلا أن هوية الضحايا واضحة تماما وهو ما يفتح ملفات شائكة من مواجهة العنف الطائفي او الديني. شهدت استراليا حادثًا دمويًا قادها نحو تشديد قوانين حيازة السلاح، مجزرة بورت آرثر عام 1996 التي تُعد أخطر حادثة إطلاق نار جماعي في تاريخ البلاد، أسفرت عن مقتل 35 شخصًا في ولاية تسمانيا، وكشف الحادث أزمة السلاح التي واجهت الحكومة لتنتهي بفرض قوانين وقيود صارمة أدت إلى انخفاض حاد في عدد الأسلحة النارية، وتعاونت الحكومة الفيدرالية مع حكومات الولايات على حظر الأسلحة شبه الآلية، وتشديد شروط الترخيص والحيازة بالإضافة إلى إلزام مالكي السلاح بتوضيح اسباب حيازتها. تشديد القوانين شددت السلطات الاسترالية القوانين في السابق لترسخ لدى شعبها شعور الامان مؤكدة أن لديهم حالة استثنائية من الامان التام بعيدا عن ظاهرة إطلاق النار الجماعي المنتشرة في دول أخرى إلا أن الحادث الاخير تسبب في الكثير من الانتقادات التي تتطلب مراجعة البلاد لمنظومة تقنين السلاح بعد أن حذر خبراء السلامة من الوصول إلى الأسلحة لا يزال امرًا سهلًا يثير القلق محذرين من حالة الرضا المبالغة عن القوانين القائمة دون وجود منظومة موحدة حيث تخضع كل ولاية لقوانين مختلفة ودرجات متفاوتة من الصرامة تتسبب في سوء التنسيق بينها وهو الامر الذي يتسبب في تمرير الاسلحة بطرق غير قانونية وإجرامية. بعد الحادث الاخير تعهد رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز بفرض قوانين أكثر صرامة بشأن الأسلحة النارية مؤكدًا انه سيقترح قيودًا جديدة، تشمل الحد من عدد الأسلحة النارية التي يمكن للمالك المرخص الحصول عليها وتستعد الحكومة لاتخاذ أي إجراء ضروري يتطلب فرض قوانين أسلحة نارية أكثر صرامة حيث لا يجب ان تكون التراخيص دائمة في الوقت الذي يمكن أن تطرأ تغييرات على الافراد. حوادث سابقة تعد استراليا من أقل الدول في حوادث إطلاق النار الجماعي، ومع ذلك شهدت عددا من الحوادث القليلة على مدار السنوات الماضية، تتسم بالفردية وعدم التنظيم من قبل مرتكبيها ولم تثر فزع الاستراليين مثل الحادث الاخير ومنها: حادث مقهى ليندت سيدني (2014)، حادث إرهابي فردي هز الرأي العام، وقع في مقهى في وسط سيدني حيث قام الجاني باحتجاز رهائن في حادث استمر أكثر من 16 ساعة وأدى الى مقتل رهينتين. حادث ملبورن بالدهس والطعن (2017) انتهى بمقتل 6 أشخاص تم تصنيفه كعمل ارهابي ارتكبه شخص واحد. هجوم طعن ملبورن ( 2018 ) بسكين بمنطقة تجارية، انتهى بتدخل الشرطة ومقتل شخص وإصابة آخرين. هجوم طعن في مركز بوندي للتسوق بسيدني (2024)، فردي نتج عنه سقوط ضحايا وإصابات وأودى بحياة ستة أشخاص وأثار الجدل حول الأمن في الأماكن العامة. اقرأ أيضا: رئيس الوزراء الاسترالي يعلن إجراء مراجعة شاملة لأداء أجهزة الاستخبارات