إعداد: بسمة ناجى فازت ثلاثة كُتب تتناول ماضى وحاضر الشرق الأوسط بجوائز الكتاب الوطنى الأمريكى لعام 2025. فى فئة الكتاب غير الروائى فاز الكاتب عمر العقاد (مصري-كندي) عن كتابه المقالى «يومًا ما، سيتبرأ الجميع من هذا» وهو إدانة موجَزة ولاذعة لردود الفعل الغربية تجاه حرب إسرائيل المدمِّرة على غزة بعد 7 أكتوبر 2023. وفازت رواية «القصة الحقيقية لرَجا الساذج وأمه» للكاتب ربيع علم الدين (لبناني- أمريكي) بالجائزة فى فئة الرواية. وقصة «رَجا» ملحمة من الكوميديا السوداء تمتد لستة عقود وتتناول تاريخًا واسعًا للبنان بين حربه الأهلية وانهياره الاقتصادي، من خلال عيون بطلها رَجا، وهو مدرس سِتينى من أهل بيروت يواجه ماضيه وعلاقته بوطنه وأمه التى يعيش معها. وفى فئة أدب الشباب، فاز دانيال نايرى (إيراني-أمريكي)، هاجر من إيران إلى أمريكا مع والديه عندما كان طفلًا، عن روايته «مُعلم أرض الرُحَّل»، وهى قصة شقيقين إيرانيين يتيمين فى الحرب العالمية الثانية. بدأ «يومًا ما، سيتبرأ الجميع من هذا»، للعقاد، كتغريدة انتشرت على نطاقٍ واسع فى أكتوبر 2023، بعد ثلاثة أسابيع من بدء القصف الإسرائيلى على غزة. يتوسع الكتاب فى هذه الرؤية، مُستندًا إلى تجارب العقاد كمهاجر، وُلِد فى مصر لعائلةٍ مصرية، ونشأ بين قطروكندا، ويعيش الآن فى الولاياتالمتحدة، ويعمل كمُراسل حربي، وروائي، وأب. ويأتى الكتاب كامتداد لمشروع العقاد الذى يحمل رؤية واضحة تواجه المعايير الغربية المزدوجة منذ روايته الأولى «الحرب الأمريكية» 2017، وروايته الثانية «أى جنة غريبة!» والفائزة بجائزة سكوتيابنك جيللر لعام 2021، وهى أرقى جائزة أدبية فى كندا. فى كتابه، أشار العقاد للسؤال الذى واجهه كثيرًا فى الآونة الأخيرة، «أين مارتن لوثر كينج الفلسطيني؟». والسؤال «اتهام ضمنى بأن بعض الشعوب عاجزة عن مواجهة ما يتعرضون له من ظلم بكياسة، أو صبر، أو محبة، وأن هذا العجز، وليس أى ظُلمٍ خارجي، هو المسؤول عما يلحق بهم من بؤس». يحمل الكتاب صوت العقاد، وحيرته التى تتدفق بعد عقود من الاضطرار إلى التزام الصمت لمراعاة الحياد الصحفى أو المبدأ الأدبي، «اعرِض ولا تحكي»، وبعدما اضطر إلى عض لسانه أمام ردود أفعال القراء على تقاريره الصحفية بالتشكيك العنصرى مثل:«لا أثق بأى قصة عن الإرهاب يكتبها رجل اسمه عمر». تستهدف حجة العقاد فى كتابه ما سمّاه: «أكذوبة الملاءمة الأخلاقية»، أو كذبة أن الغرب هو الطرف المتحضر هنا، بعد قرونٍ من الاستعمار والنهب. «بينما تُسرق الأرض ويُباد السكان الأصليون، يُعتبر أى شكل من أشكال المقاومة أو المعارضة إرهابًا ويجب سحقه من أجل الحضارة!». ويدعم العقاد حُججه بتفاصيلٍ مروعة: صحيفة إسرائيلية تصف الأطفال الفلسطينيين ب «متفجرات المستقبل»؛ والاختصار المؤلم (طفل مصاب، بلا عائلة ناجية)؛ وفتاة سُئلت عما تفتقده أكثر، فقالت: «الخبز». فى عرضها للكتاب، أشارت الجارديان إلى أن العقاد بدأ أخيرًا يدير ظهره للقيود القديمة ويواجه العالم بحقيقة قبحِه، لا كمجرد مُراسل، بل كمُتأمِل مستوعب لكل ما شاهده وسمعه. يكتب العقاد: «هذا سرد لانكسار. ابتعاد عن فكرة أن الليبرالى الغربى المهذب يمثل كل شيء». كما وصفت الكتاب بأنه هجوم بلاغى بارع ومفجِع على ذوى الامتيازات ممن لا يقولون شيئًا (أو يكتفون بكلماتٍ جوفاء) ولكنهم يهتمون فقط بالحفاظ على وتيرة حياتهم الطبيعية، ويقنعون أنفسهم بأن هذه الأشياء لا تحدث إلا بعيدًا، «فى أماكن معينة، ولأشخاص بعينهم». وأشارت الصحيفة للكتاب كسرد عاطفى وشعرى بقدر ما هو قوى ومليء بالغضب المستحق، والإحباط ممَن يحتاجون إلى توضيح هذه الأخلاقيات لهم ولكنه سردٌ مُقنع فى منطقه الأخلاقي، ويصعب جدًا تركه قبل الانتهاء منه. وأوصت الصحيفة بقراءته ولو لمجرد التذكير بأن التاريخ يؤول دومًا إلى سؤال واحد بسيط: «فى ذروة الحدث، مَن انحاز إلى العدالة ومَن انحاز إلى السلطة؟». فى حفل توزيع الجوائز، وهو حدث رسمى أُقيم فى مانهاتن-نيويورك، قال عُمر العقاد فى خطابه:»علم الدين: من الصعب جدًا التفكير فى الاحتفاء بكتاب كُتب ليدين إبادة جماعية. من الصعب التفكير باحتفالية بينما أمضيتُ عامين أشاهد ما تفعله الشظايا بجسد طفل. من الصعب التفكير باحتفالية بينما أعلم أن ما أدفعه من ضرائب يمولِّ كل هذا، وأن العديد من مُمثليَّ المُنتخَبين يدعمونه بكل سعادة». فى السياق نفسه، أشار ربيع علم الدين، فى خطابه، إلى الأزمات فى كل من غزةوالولاياتالمتحدة، وقال: «شاهدت هذا الصباح مقطعَى فيديو. كان أحدهما لعميل من إدارة الهجرة والجمارك وامرأة ملقاة على الأسفلت، مُقيدة بكبل بلاستيكي. صعقها الرجل بالصاعق الكهربائي، ثم حملها ككيس قمامة وقذف بها فى صندوق سيارة رياضية. أما المقطع الثانى فقد كان لمُخيم لاجئين فلسطينيين فى لبنان تعرض للقصف ومات فيه اثنا عشر شخصًا. وظللتُ أفكر: إنهم يُحدِثون الخراب ثم يطلقون عليه وقف إطلاق نار. فى بعض الأحيان، ككُتّاب، يجب أن نقول: كفى». اختتم خطاب علم الدين العديد من الكلمات والخطابات التى تناولت دور الأدب فى مواجهة المأساة العالمية وانتقدت غارات إدارة الهجرة فى الولاياتالمتحدة، ومحنة اللاجئين، والاعتداءات على حرية التعبير. فقد تحدثت الكاتبة الأرجنتينية جابرييلا كابيثون كامارا باللغة الإسبانية عند تسلمها جائزة الأدب المترجم عن روايتها، «نحن خُضر ومرتجفون»، والتى تتناول حياة مستكشف إسبانى من القرن السابع عشر، وهى امرأة عاشت كرجل. ونقلت عنها مترجمتها، روبين مايرز، أنها اختارت التحدث بالإسبانية لأن ذلك «سيُغضب الفاشيين». كما قالت روكسان جاى التى حصلت على إحدى جائزتَى الإنجاز مدى الحياة لعام 2025 ل «إثراءِ المجتمع الأدبى الأمريكي» فى خطاب تسلُّمها الجائزة: «أرفض العمل بعقلية النُدرة. توجد مساحة لأصواتنا جميعًا، ومَن فى هذه القاعة لديهم القدرة على تقديم ما هو أفضل». وجاى هى محررة وناشرة وناقدة ثقافية من أبرز كتبها «النسوية السيئة»، و«الجوع». ودعا جورج سوندرز الفائز الآخر بجائزة الإنجاز مدى الحياة، فى خطابٍ حماسي، إلى استخدام قوة الكلمة لتبديد أسطورة السلطة المُطلقة قائلًا: «دائمًا ما يزعُم الجبارون والمُستبدّون والمتعصبون امتلاكهم الحقيقة المُطلقة. ويبدون متيقنون دومًا. أما نحن، الفنانون، فنمتازُ على الحكام المستبدين لأننا نعيش فى مساحةٍ دائمةٍ من الشك. وهذا يجعل علاقتنا بالواقع أقل وهميَّة. وكلما قلّ الوهم، قلّت المعاناة التى نسببها للآخرين». تأسست جائزة الكتاب الوطنية، التى تكرّم الأدب المنشور فى الولاياتالمتحدة، فى عام 1950 وهى واحدة من أعرق الجوائز الأدبية الأمريكية وتُمنَح لأفضل الكتب التى كتبها مؤلفون أمريكيون أو نشرتها دور نشر أمريكية خلال العام. ومن بين الفائزين السابقين بها ويليام فوكنر، و.ه. أودن، ورالف إليسون، وجيسمين وارد، وبيرسيفال إيفريت، وفلانرى أوكونور، وأليس ووكر، وتونى موريسون، وجيمس بالدوين.