عندما نتحدث عن منصات التواصل الاجتماعى فى علاقتها بصناعة الكتاب، نركز عادة على دورها فى الترويج للكتب أو فى تأثيرها على عادة القراءة، إيجابًا أو سلبًا. لكن ما لفت نظرى مؤخرًا، وأنا أقرأ عن الازدهار المتوقع لكتب المذكرات والسير الذاتية فى 2026، هو أن تأثير هذه المنصّات بات أعمق من مجرد الترويج أو تحفيز القراءة؛ إذ يتمثل فى تغيير بعض السمات البشرية، أو بالأحرى تعميق سمات موجودة بالفعل، بدرجة تجعل القراء يفضلون أنواعًا أدبية بعينها. أو على الأقل، هذا ما ساقه بعض المختصين فى معرض تأكيدهم أن كتب المذكرات والسير الذاتية ستحظى بحضور قوى فى سوق النشر خلال العام المقبل، مواصلةً بهذا رواجها الملحوظ فى 2025. ويرجع ذلك إلى أن وسائل التواصل الاجتماعى طبَّعت مشاركة أدق تفاصيل حياتنا مع الآخرين، وضاعفت من فضولنا للإلمام بكل شيء عن مَن نعرفهم ومَن لا نعرفهم على حد سواء. إلى جانب هذا، ساهمت منصات التواصل الاجتماعى فى دخول أشخاص غير مشهورين، ولم يكن لهم علاقة بالكتابة فى السابق، إلى ميدان كتابة قصص حياتهم ومشاركتها مع القراء فالشهرة لم تعد على القدر نفسه من الأهمية، وكذلك امتلاك حياة حافلة بأحداث وتقلبات تستحق أن تُروَى، الأهم حكى ما يلمس قلوب القراء ويحرك مشاعرهم. ومع ذلك، لا يمكن القول إن رواج المذكرات يعود بالكامل إلى منصات التواصل الاجتماعى فقد حظيت كتب المذكرات والسيرة، الذاتية والغيرية، باهتمام منذ زمن بعيد، بدافع الفضول البشرى والرغبة فى استخلاص العبر من تجارب الآخرين ومحاكاة قصص نجاحهم غير أن عصرنا الحالى شهد تضاعفًا غير مسبوق فى هذا الفضول وتلك الرغبة، بسبب تغير وسائط التواصل وتنوعها وذوبان مفهوم الخصوصية. وقد انعكس هذا بطبيعة الحال على محتوى المذكرات نفسها، بحيث أصبحت مزيجا من سرد أحداث حيوات مؤلفيها ونصائح مستقاة من التنمية الذاتية أو التاريخ والفلسفة، وكل ما يمكنه أن يجذب القارئ المحتمل. والسؤال الآن: إلى أى مدى يمكن لمنصات التواصل الاجتماعى أن تعيد تشكيل أسواق النشر فى المستقبل القريب؟