فوز الأديبة سلوى بكر بجائزة البريكس الأدبية ليس مجرد تتويج مُستحق لمبدعة تمتلك صوتًا روائيًا فريدًا فى السرد العربى، بل يُعد إعلانًا صريحًا بأن التحوّلات الكبرى فى العالم لم تعد حكرًا على الاقتصاد والسياسة، وإنما تمتد إلى الذائقة والفكر والرؤية الإنسانية. فالجائزة التى تُمنح لأول مرة للأدباء تعكس أعمالهم تقاليد دول المجموعة وتنوّعها الروحى والثقافى، ليست وسامًا يُعلَّق على رفوف الاحتفاء، بل تأسيس لميزان جديد للقوة الناعمة.. وأن تفوز سلوى بكر وسط منافسة دول تملك تراثًا روائيًا عريقًا مثل: روسيا والهند والصين، فذلك يعنى أننا أمام لحظة يتقدّم فيها صوت مصرى، ليجلس بثقة على مائدة عالم جديد يتشكّل، لا تخضع ثقافته لمركز أو لذائقة واحدة، وتُنصت فيه إلى الكتابة الصادقة النابعة من التفاصيل الصغيرة التى تصنع الوجدان. وهى بسردها المنحاز للإنسان ومصائره، لم تفُز باسمها وحدها، بل باسم تقليد مصرى عريق أثبت أن الصدق الفنى أقوى من أى خطاب سياسى أو دعائى. وتكمن القيمة الأعمق لهذا الفوز فى أنه يُعيد تثبيت حقيقة جوهرية، هى أن مصر، حين يتعلق الأمر بالثقافة، لا تعرف موقع الظل، بل تظل فى المقدمة، حارسة لوجدان المنطقة، وصوتًا يعبّر عن هويتها وتناقضاتها وأحلامها. فهذا الفوز امتداد طبيعى لدور الأدب المصرى فى تشكيل الوعى العربي، وتمثيل حضوره أمام العالم. وانتصارًا للرواية التى تُكتب من تراب الوطن، ونبض الناس وحكايتهم، وانكساراتهم الصغيرة التى تصنع روحًا كبرى. فالعالم لا يحتاج إلى نسخة أخرى من أدب مُستورد، بل يحتاج إلى أصالة جديدة، إلى عين ترى الحياة كما هى، بلا رتوش ولا تقليد. إن جائزة البريكس تعد تحولًا ثقافيًا لافتًا، إذ تفتح بوابة واسعة أمام الأدب العربى نحو أسواق ولغات جديدة خارج المدار اللاتينى والغربى، ليطل على قارّات أخرى بزمانها وروحها وتنوّعها. وهذا التحول ليس ترفًا، بل ضرورة لأى مجموعة اقتصادية تسعى إلى بناء شراكات ناجحة؛ فالثقافة هى الطريق الأول لفهم المجتمعات، فلا يمكن أن تفهم مستهلكًا دون أن تقرأ أدبه وتتعرف على خياله. لقد أثبتت سلوى بكر أن الحكاية حين تُروى بلا تزييف أو ادعاء تُصبح جواز سفر، وجسرًا يعبر الحدود، وراية ترفع اسم وطن بأكمله.. مبروك للمبدعة القديرة هذا التتويج المُستحق، وهنيئًا لمصر التى تُنبت فى تربتها أقلامًا قادرة على أن تمنح العالم جزءًا من روحها.