كشفت صحيفة «الجارديان» البريطانية، عن تفاصيل إنذار قاسٍ قيل إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وجهه للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو خلال مكالمة هاتفية قبل أسابيع، ملوحًا بخروجٍ آمن إذا غادر السلطة «فورًا»، ومهددًا ضمنيًا باستخدام القوة. وظهرت هذه التسريبات في وقت تتصاعد فيه الحشود العسكرية الأمريكية في البحر الكاريبي بشكل غير مسبوق منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، بينما تشير المؤشرات إلى أن إدارة ترامب لم تعد تكتفي بالضغوط الاقتصادية والدبلوماسية، وتدرس خيارات عسكرية ذات أثر مباشر على النظام الفنزويلي. وبحسب مصادر مطلعة على الملف، فإن هذه التطورات أعادت إشعال النقاش داخل الإدارة الأمريكية وبين الحلفاء الإقليميين حول حدود التصعيد، وإمكانية انزلاق المنطقة إلى مواجهة مفتوحة. فبينما يرى بعض الخبراء أن الإنذار قد يكون محاولة أخيرة لانتزاع تنازلات قبل اللجوء للقوة، يحذر آخرون من أن الأزمة بلغت مرحلة يصعب فيها توقع خطوات ترامب، خاصة أنه يعتبر فنزويلا "ملفًا غير مكتمل" منذ رئاسته الأولى، ومرتبطًا بملفات الهجرة والمخدرات والنفوذ الصيني في نصف الكرة الغربي. تصعيد على خط النار.. مكالمة تهديد تقلب الحسابات أفادت «الجارديان»، بأن التوتر المتصاعد بين الولاياتالمتحدةوفنزويلا وصل إلى ذروته بعدما كشفت مصادر أمريكية عن إنذار مباشر وجّهه ترامب إلى نيكولاس مادورو، خلال مكالمة هاتفية وصفها مسؤولون بأنها كانت تهدف إلى "رفع سقف الضغط" وليس فتح باب للتفاوض. وبحسب الرواية الأمريكية، قال ترامب لمادورو الذي يصفه بأنه "إرهابي مخدرات" ويتهمه بإرسال مجرمين إلى الولاياتالمتحدة إن "الوقت قد انتهى" وإن أمامه فرصة لإنقاذ نفسه وأقاربه عبر مغادرة البلاد فورًا. ونسف الكشف عن هذه المكالمة الاعتقاد السابق بأن ترامب تراجع عن فكرة اتخاذ إجراءات حاسمة لإسقاط نظام مادورو. أسابيع من الحشد العسكري.. والاتصال الذي فاجأ الجميع تزامن التسريب مع أسابيع من التهديدات العسكرية والتحركات البحرية الأمريكية غير المسبوقة في منطقة البحر الكاريبي، في مشهد يذكر بأجواء أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962. ورغم الأجواء المتوترة، جاء الاتصال بين ترامب ومادورو ليشكل مفاجأة، إذ توقع مراقبون أن تؤدي الحشود إلى خطوات تصعيدية أو مناورة عسكرية، لكن القمة انتهت بمكالمة وصفت بأنها "مخيبة للآمال" داخل دوائر الصقور. وبخلاف ما كان متوقعًا، لم تؤد الاتصالات إلى أي تقدم سياسي أو تهدئة. «جرينيل وروبيو».. صراع الرؤى داخل الإدارة الأمريكية وقبل هذا التصعيد، كان مبعوث ترامب الخاص ريتشارد جرينيل قد بدأ مسارا للتوصل إلى تفاهمات مع كاراكاس، شملت إعادة المهاجرين المرحلين وإفراج فنزويلا عن 10 أمريكيين محتجزين. كما طرح مادورو، إمكانية السماح للولايات المتحدة بالوصول إلى احتياطيات فنزويلا من النفط والمعادن. لكن هذا المسار انهار سريعا لصالح رؤية أكثر تشددًا يتزعمها السيناتور ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي الأمريكي بالإنابة، وهي الرؤية التي أثرت مباشرًا على سياسات ترامب. واشار محللون إلى أن روبيو أصبح صاحب الكلمة الأعلى في الملف، رغم أن البعض يرى أن ترامب نفسه هو صاحب الموقف الأكثر حدة تجاه مادورو. ترامب ومادورو.. عداء قديم يتحول إلى «معادلة صفرية» قال رايان بيرج، رئيس مبادرة مستقبل فنزويلا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن ترامب يعتبر مادورو "عدوًا ثابتًا" على عكس مواقفه المتذبذبة تجاه عدد من القادة حول العالم. وأضاف أن فنزويلا تمس ملفات مركزية في رؤية ترامب، مثل: مكافحة المخدرات، وملف الهجرة، والحد من النفوذ الصيني في نصف الكرة الغربي. ويرى بيرج، أن فنزويلا بالنسبة لترامب "ملف غير مكتمل" منذ ولايته الأولى. ضربة قاضية محتملة.. وأحاديث عن استهداف مباشر لمادورو طرحت تسريبات «الجارديان» احتمال لجوء الإدارة الأمريكية إلى "ضربة قاضية" تستهدف إزاحة مادورو بالقوة، في عملية قد تتعرض لانتقادات دولية لكونها تستهدف زعيمًا وطنيًا، رغم أن الولاياتالمتحدة لا تعترف بشرعية مادورو بسبب الانتخابات المتنازع عليها في 2018 و2024. وأكد بيرج، أن من حول مادورو يراهنون على تراجع ترامب، لكن هذا الرهان "قد يكون خاطئًا بشكل كبير"، كما حذر من أن توجيه ضربات داخل فنزويلا "محتمل قبل عيد الميلاد". عروض خروج آمن.. وغياب ضمانات لقبول مادورو وأشارت المعلومات إلى أن إدارة ترامب تعرض على مادورو "خروجًا آمنًا" نحو دولة ثالثة، مع طرح دول أخرى كمنفى له. لكن مصادر ذات خبرة في التعامل مع النظام الفنزويلي تقول إن مادورو ليس من النوع الذي يغريه المال أو ممرات الهروب، إذ غالبًا ما تنتهي حياة الزعماء الذين يغادرون إلى منفى مالي سريعًا، لذلك تظل احتمالات قبوله بهذا العرض ضعيفة. حسابات الجيش الفنزويلي.. لماذا فشل الرهان على انهياره؟ بحسب ستيف إلينر، وهو أكاديمي أمريكي متخصص في الشأن الفنزويلي، فإن رفض الجيش الفنزويلي الاستسلام أو الانشقاق رغم الحشد الأمريكي، دفع ترامب لاستخدام لهجة أكثر تهديدًا. ويرى إلينر أن "مادورو أثبت أن الجيش لن يطيح به خوفًا من غزو أمريكي"، وأن الرهان على انهيار المؤسسات الأمنية لم يتحقق. ويضيف أن مواقف قادة أمريكا اللاتينية مثل لولا دا سيلفا وبيترو وشينباوم ساهمت في منع أي تدخل بري أمريكي حتى الآن. الصقور والسيناريو العسكري.. لماذا لا يزال الخيار مطروحًا؟ قال إلينر، إن ترامب يستخدم سياسة "ترهيب محسوب" لانتزاع أكبر قدر من التنازلات قبل اتخاذ القرار النهائي بشأن التدخل العسكري. وأشار إلى أن السيناريو المثالي لصقور ترامب لم يتحقق حتى الآن، لكن احتمالات العمل العسكري لا تزال "مرتفعة للغاية". ولفت في نهاية حديثه، إلى "عدم حدوث ضربة حتى الآن لا يعني أنها لن تحدث، والاحتمال ما زال قائمًا بقوة".