انتقد الرئيس عبد الفتاح السيسى، طريقة تناول الدراما المصرية للواقع الاجتماعى، مؤكدًا أن نِسب الطلاق ارتفعت لأسباب، من بينها الصور غير الواقعية التى تقدمها المسلسلات عن شكل الحياة الزوجية.. وقال الرئيس: «الدراما ما جابتش إن الست بتكافح مع جوزها.. ما جابتش إن الست ممكن يكون بيتها مش غالى قوى.. بتشوف فيلا وشقق غالية جدًا يمكن تلتين المصريين ميقدروش يعملوها.. فتبدأ الست تشوف إنها مش راضية لا عن بيتها ولا عن جوزها» هذا الطرح يفتح باب التساؤل: لماذا غابت الطبقة المتوسطة عن الدراما؟ ولماذا أصبحت الشاشة محصورة بين قصور فاخرة وعشوائيات بائسة؟ وهل ساهمت الدراما بالفعل فى خلق فجوة بين الواقع وصورة الحياة المعروضة على الجمهور؟ وهل مشاهد الثراء السريع أصبحت مصدر إحباط للشباب فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة؟ اقرأ أيضًا | رحيق السطور «المتمرد».. رحلة ساحر يخطف القلوب! يرى السيناريست محسن الجلاد، أن الدراما يجب أن تعبر عن الواقع، لكن ليس بالضرورة بنسبة 100%، مشيرًا إلى أن خيال المبدع جزء رئيسى من عملية الإبداع، وأضاف أن من أهداف الدراما تعديل سلوكيات المجتمع، كما حدث مع فيلم أريد حلًا ، الذى غَيَّر قوانين الأحوال الشخصية، أو مسلسل قضية رأى عام الذى دفع نحو تغليظ عقوبة الاغتصاب، لكن ما يحدث الآن أن أغلب الأعمال بعيدة تمامًا عن مشاكل المجتمع الحقيقية، وأكد الجلاد أن سيطرة النجوم على العمل تجبر المبدعين على التركيز فى الإبهار والصورة الجميلة، فضلًا عن نقل العديد من الأعمال عن مسلسلات أجنبية لا علاقة لها بالمجتمع المصرى. مُعاناة لا يريد الجمهور رؤيتها وعن غياب الطبقة الوسطى، يقول الجلاد: «الطبقة الوسطى تتآكل فعليًا وتعانى الكثير، وإذا ظهرت هذه المعاناة على الشاشة سيشعر المشاهد بأن يومه يتكرر أمامه، ولن يتحمل، لذلك يفضل المنتجون الابتعاد عن مشاكلها الاقتصادية والتركيز على طبقات أخرى»، ويشير إلى أن المُشاهد البسيط عندما يجد نفسه مُحاطًا بإعلانات الكومباوندات ومسلسلات الفيلات والسيارات الفارهة، يبدأ فى مقارنة حياته بما يراه على الشاشة، فينفر من واقعه أو يشعر بعدم الرضا.. ويتساءل: «أين إيجابيات الحارة المصرية التى قدمتها أعمال مثل «الشهد والدموع»؟ ولماذا أصبح الفقر مُرتبطًا بالبلطجة والإجرام؟» أسباب إنتاجية أما المخرج أمير رمسيس، فيرى أن تغييب الطبقة المتوسطة يعود لحسابات تجارية: «السيناريوهات المطروحة حاليًا تستهدف طبقتين فقط: الأغنياء والفقراء، الطبقة المتوسطة فى حالة تقلص مستمر، وبالتالى لا يراها المنتجون جمهورًا قادرًا على تحقيق عائد مادى كبير»، ويؤكد أن الدراما اليوم أصبحت تُفَصَّل وفق اعتبارات السوق أكثر من ارتباطها بتنوع المجتمع الحقيقى. تُعَبِّر عن كل الطبقات ويرى السيناريست أيمن سلامة، أن الدراما من المفترض أن تعبر عن كل طبقات الشعب، وبالفعل لدينا تنوع كبير وثراء فى تناول القضايا التى تعبر عن مختلف تلك الطبقات، لدينا مسلسلات قديمة ناجحة كانت تعبر عن الطبقة الأرستقراطية، مثل مسلسل هوانم جاردن سيتى حتى ليالى الحلمية، ورغم الارستقراطية التى كانت تغلب على هذه المسلسلات، فإنها لا تغفل طبقة الفقراء أو البسطاء.. وأوضح سلامة أن هذه الطبقات المتوسطة او البسيطة لم تغب عن الدراما حتى يومنا هذا، وخير مثال ما قدم من دراما العام الماضى، حيث شاهدنا معظم الطبقات فى الدراما سواء الطبقة المتوسطة أو دون المتوسطة، مثل مسلسل «إخواتي»، كان تقريبًا الطبقة المتوسطة بالبنات الأربعة، وأيضًا مسلسل «ولاد الشمس»، يتحدث عن طبقة معينة، ومسلسل «شباب امرأة»، تدور قصته عن طبقة شعبية، فبالتالى أغلب مسلسلات السنة الماضية خاصة التى أنتجتها الشركة «المتحدة»، لا يوجد بها مسلسلات تعبر عن الطبقة الارستقراطية، حتى مسلسل «لام شمسية»، لكن أنت مطلوب منك أن تقدم جميع الأنواع والطبقات الاجتماعية، فالدراما تعبر عن الواقع، وأنا أرى أن الدراما المصرية دراما قوية تعبر عن الواقع المصرى وعن مختلف الطبقات، فلا بد أن تتكون خطوط الدراما بهذا الشكل، لأن المجتمع لا ينفصل عن بعضه. يصل إلى الطلاق يؤكد د. وليد هندى، استشارى الصحة النفسية، أن الدراما ليست ترفيهًا فقط، بل عنصر أساسى فى تشكيل وعى الإنسان وتنمية إدراكه ومشاعره.. ويقول: «العقل لا يُفَرِّق كثيرًا بين ما يشاهده وما يعيشه، لذلك يؤدى التعرض المكثف لصور الرفاهية المبالغ فيها إلى مشكلات نفسية وخلافات أسرية قد تصل للطلاق»، وأضاف د.وليد هندى، أن الانسان عندما يتابع الأعمال الدرامية ويقوم بتحقيق ذاته عن طريق رؤية المسلسلات أو الأفلام، من الممكن أن يدخل فى مشاكل كبيرة، ومن أهم هذه المشاكل حدوث الطلاق والخلافات الأسرية، وأيضًا تؤدى إلى الأمراض النفسية والخرس والصمت الزواجى والطلاق العاطفى، هذه الأشياء ستؤدى إلى الطلاق وتسبب عصبية واكتئابًا وشعور المشاهد بالحزن ومشاكل بين الزوجين، لذلك تُبَيِّن لنا أن من ضمن الأسباب مشاهدات الجمهور للأعمال الدرامية وشعورها بعدم الرضا، وبالمقارنة بالأشياء المعروضة فى الأعمال التليفزيونية مثل كومباوندات وسيارات فارهة ورؤية الحفلات والسهرات داخل المنازل وخارجها.. ويشير إلى أن دراسة عام 2019 بالمجلة المصرية لبحوث الرأى العام خلصت إلى أن الشباب الذين يتعرضون بكثافة للدراما التى تعرض حياة المترفين يشعرون بضعف الرضا الاجتماعى، بسبب المقارنة المستمرة بين واقعهم وما يُعرض أمامهم. مُهمشة ومُهملة من جانبه، يرى السيناريست أحمد أبوزيد، أن الدراما تلعب دور رئيسيًا فى تسليط الضوء على القضايا الاجتماعية الشائكة، خاصة الفروق الطبقية، مشيرًا إلى أن المشكلة فى الطبقة الوسطى تعانى معاناة شديدة جدًا، ومشاكلها أصبحت كثيرة وقوية، وصُناع الأعمال الدرامية فى هذا الوقت تحديدًا يلجأون للأفكار «التريندى»، والتريندى يظهر فى الطبقة الغنية، لذلك الطبقة الوسطى أصبحت طبقة مهمشة جدًا، بالرغم أنها القطاع الأوسع وهى الأكبر على الإطلاق، وأوضح أبوزيد أن الطبقة الوسطى للأسف الشديد فقدت أهميتها وأصبحت طبقة منبوذة ولا يُستحب الحديث عنها فى الوقت الحالى، وأضاف «أبوزيد»: الثراء السريع يتسبب فى إحباط الشباب لأن الشاب الذى يعمل ويجتهد ويكافح طول فترة حياته، يفشل فى الحياة العملية والعلمية، وبالمقارنة يوجد شخص آخر لا يعمل أى شىء فى الحياة وينجح، فهذا الشىء يُسبب له حالة من الحزن والإحباط، فيفقد الأمل، لذلك أرى أنه فى وقتنا الحالى لا يوجد تقييم صحيح للأشياء وللأشخاص على وجه التحديد، وأشار أحمد أبوزيد إلى أن الدراما مرآة للمجتمع، ولكن ليس مرآة تسجيلية، بمعنى ليس كل ما يحدث فى المجتمع بكل الأحداث والألفاظ، نذهب لنقلها على الشاشة مباشرة، فالدراما يوجد بها فن وإبداع واختيار الأحداث، والموضوعات المهمة، فلابد من اختيار المحتوى المناسب للجمهور ولا يسبب له أى ضرر. طاقة سلبية ويؤكد أحمد فوزى صبرة، أستاذ علم النفس، أن الدراما تؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية، لأن العقل لا يفرق تمامًا بين ما يشاهد وما يعاش، وأضاف أن للدراما جوانب إيجابية، مثل تفريغ المشاعر وزيادة التعاطف وتقديم نماذج تمنح الأمل، لكن لها تأثيرات سلبية كزيادة التوتر وتشويه الصورة الذهنية عن الواقع، إضافة إلى تعلق البعض بعوالم درامية هروبًا من حياتهم الحقيقية.. ويحذر صبرة من تصوير الثراء السريع فى الدراما، مؤكدًا أنه يخلق حالة إحباط بين الشباب، فالمبالغة فى عرض قصص الصعود السريع تنتج شعورًا بالعجز والمقارنة القاسية مع الواقع، خاصة فى ظل الضغوط الاقتصادية، فيتحول ذلك إلى طاقة سلبية بدلًا من دافع للنجاح.. ويضيف صبرة، أن الدور الحقيقى للدراما يجمع بين محاكاة الواقع والسعى لتغييره، فهى من جانب تبرز مشكلات المجتمع كالعنف الأسرى والإدمان والضغوط النفسية، ومن جانب آخر تمتلك قدرة على تعديل المفاهيم الخاطئة، وتعليم مهارات التعامل، وتقديم نماذج إيجابية تساعد على التطوير، ويؤكد أن أفضل الأعمال هى التى تعكس الواقع بصدق وتطرح حلولًا واقعية بعيدًا عن المبالغات و«خرافة النجاح السهل».