لم أتوقع يومًا أن أجد مصباح علاء الدين ملقى فى ركن قديم، كأنه ينتظرنى أنا تحديدًا. فركته نصف مصدقة ونصف ساخرة، وإذا بالجنى المحبوس منذ قرون يظهر أمامى قائلاً بصوت جهورى: «شبيكِ لبيكِ... تطلبى إيه؟». لم أتردد لحظة، لم أطلب ذهبًا ولا سلطانًا، قلت له بكل حسم: «عاوزه التوكتوك يختفى من شوارع القاهرة... وعاوزه أشوف اللحظة دى بعينى». ابتسم الجنى وأغمض عينيه للحظة، وعندما فتحت عينى، كانت المدينة قد تغيّرت بالكامل. اختفى التوكتوك. اختفى ضجيجه وألوانه الصارخة وفوضاه اليومية، اختفى ذلك الأخطبوط الذى مد أذرعه بلا رقيب فى كل شارع وزقاق واحتل الميادين والأسواق. القاهرة ارتخت فجأة كأنها تحررت من ثقل على صدرها، وبدأت تتنفس من جديد. الشوارع استعادت هيبتها، الإشارات صارت محترمة، الرصيف عاد إلى أصحابه، والميادين تحولت من ساحات صراع بين القانون والفوضى إلى فضاءات هادئة وواسعة. لأول مرة منذ سنوات، شعر المارّ بالأمان، وكأن المدينة استردت بصرها الذى غاب تحت عجلة التوكتوك. لكن التغيّر الأهم كان أبعد من الشارع... كان فى الناس. الشباب الذين هجروا المصانع والورش لأجل المكسب السريع عادوا إلى أعمالهم، إلى مهن تبنى مهارة وخبرة ومستقبلًا. خطوط الإنتاج عادت للعمل، والورش امتلأت باليد العاملة التى كانت قد ضاعت بسبب هذا الضيف العشوائى. ومع عودة الإنتاج، بدأ الاقتصاد يتنفس، واختفى جزء كبير من الاقتصاد الموازى الذى تشكّل حول التوكتوك بلا ضرائب، بلا التزام، بلا قيمة حقيقية. وفى كل مكان، بدا الفرق واضحًا: الشوارع أنظف، المدينة أكثر انتظامًا، والشارع نفسه استعاد احترامه. لم يكن اختفاء التوكتوك مجرد اختفاء مركبة... بل كان نهاية لعصر من الفوضى، واستعادة لأمان، وانضباط، وقيمة للعمل الحقيقى، وأملًا فى مستقبل أفضل للشباب، وللمدينة، وللمجتمع كله. حين التفت للجنى، قلت له: «هو دا ممكن يحصل فعلاً؟» ابتسم وقال: «هو مش محتاج جنى... محتاج قرار». وعند هذه اللحظة فهمت أن ما رأيته لم يكن حلمًا، بل صورة لما يمكن أن تكون عليه مصر لو قالت: «كفاية فوضى... آن الأوان للشارع ليستعيد روحه».