هل تتذكرون قضية الطفل محمد عصام، هي واحدة من أبشع الجرائم التي شهدتها محافظة أسيوط، اختلطت دماء البراءة بوهم الثراء، وتحول حلم الذهب إلى كابوس أسود خيّم على قرية الهمامية التابعة لمركز البداري.. جريمة القتل البشعة التي راح ضحيتها طفل لا يتعدى عمره 8 سنوات، قُتل بدم بارد على يد أقرب الناس إليه - أبناء عمه- ومثلوا بجثته لتقديمه قربانا للجن لفتح مقبرة أثرية، تلك القضية التي تابعناها على مدار الشهور الماضية.. ونشرنا نص اعترافات المتهمين أمام جهات التحقيق، وتطورات سير القضية منذ بدايتها حتى صدور الحكم. واليوم، هناك تطور جديد في القضية بعدما أحالت الدائرة الأولى الاستئنافية بمحكمة جنايات أسيوط أوراق المتهمين إلى فضيلة مفتي الجمهورية لإبداء الرأي الشرعي في تنفيذ حكم الإعدام بحقهم، بعد إدانتهم باستدراج الطفل وذبحه وبتر كفيه بقصد بيعهما للمنقبين عن الآثار. بدأت القصة حين خيّم الحزن على قرية الهمامية، بمحافظة أسيوط، بعد اختفاء الطفل الصغير محمد عصام، الذي لم يتجاوز أعوامه الأولى من الطفولة، قبل أن تُكتشف الحقيقة المفجعة: ثلاثة أشقاء — أبناء عمّه— استدرجوه من عالمه البريء، بعدما سيطر عليهم وهم فتح مقبرة أثرية عن طريق طقوس دجل وشعوذة. لم يترددوا في تنفيذ أوامر دجال أوهمهم بأن كفي طفل تُقدَّم قربانًا لفتح المقبرة، فذبحوه بدم بارد وقطعوا كفيه، ثم ألقوا جثته في الخلاء، ليتركوا أسرته غارقة في الحزن والذهول. اختفاء وجثة خرج الطفل محمد كعادته كل يوم، يلعب أمام البيت، وبينما يجري هنا وهناك كالفراشة الجميلة، كان هناك من يترصده، فجأة اختفى محمد عن الأنظار وكأن الأرض انشقت وابتلعته، ظلت أسرته تبحث عنه لساعات، حتى وجدوه جثة بدون كفين وملقى في أرض زراعية، حالة من الصدمة والذهول سيطرت على الأهالي، يضربون كفا على كف ويتساءلون من فعل ذلك في حق ملاك صغير لا يعرف للغدر معنى؟، أي ذنب اقترفه هذا الصغير ليُقتل بهذه الطريقة ويتم التمثيل بجثته؟، أسئلة محيرة دارت بعقولهم وكانت الإجابات الحاسمة عند رجال المباحث الذين كشفوا اللغز وأن وراء ارتكاب الواقعة 5 متهمين من بينهم ثلاثة أشقاء -أبناء عم الطفل الضحية- ألقت الأجهزة الأمنية القبض عليهم، واعترفوا بتفاصيل الجريمة كاملة، وتحولت القضية للمحكمة. على مدار ثلاث جلسات فقط، عاشت قاعة محكمة جنايات أسيوط تفاصيل مروّعة عن تلك الجريمة. وفي الجلسة الأخيرة، وقف الأشقاء الثلاثة داخل قفص الاتهام، شاحبين، صامتين، تتزاحم في رؤوسهم صور الجريمة التي قتلوا فيها إنسانيتهم قبل أن يقتلوا الضحية. الأول، شاب في بداية العشرينيات، كان يحلم بالثراء السريع.. الثاني، صبي لم يتجاوز الخامسة عشر، انساق خلف شقيقه دون وعي.. أما الثالث، الأكبر بينهم، فوقف واجمًا يتساءل: كيف قادهم الطمع إلى قتل أقرب الناس إليهم؟ مرافعة النيابة وفي مواجهة تلك القسوة، صدح صوت العدالة داخل القاعة بمرافعة إنسانية مؤثرة قدّمها وكيل النائب العام، قال فيها: «جئناكم اليوم بواقعة قتل فيها الناس جميعا.. واقعة أصابت قلوب شهودها والمجتمع بأسره بكرب وحسرة وهلع وألم تدمي القلوب وتأباها العقول وترفض العيون تصديق حدوثها.. فالمتهمون في وقائع دعوانا خمسة رجال لا والله لا أقول رجالا بل أقول خمسة من نفر إبليس، أمر الله بالتعاون على البر والتقوى فما قالوا سمعنا واطعنا بل كان لسان حالهم أن سمعنا وعصينا وتعاونوا فيما بينهم على الإثم والعدوان وقد انقسم المتهمون في وقائع دعوانا إلى فئتين؛ الأولى فهم المحرضون على القتل وهم أساس كل بلاء وسبب كل عناء ولولاهم ما استبيحت الدماء وهما المتهمان الرابع فارس دياب، البالغ من العمر 18 عاما والخامس أعمى البصر والبصيرة كبيرهم الذي علمهم السحر المدعو شكري أحمد، البالغ من العمر 76 سنة، هذان المتهمان غرتهما الدنيا بزينتها وزخرفها وسعيا فيها على غير هدى فذهبا يبحثان عن المال من كل سبيل غير عابئين حلال أم من حرام حتى وصلت بهما افكارهما الشيطانية أن يبحثا عن الآثار فسولت لهما نفسيهما الدنيئة أن تلك المقابر الأثرية لا يمكن أن تفتح إلا إذا أريق لها دم بشري وامتدت إليها يدي قتيل لتفتحها، واتفقا مع المتهمين الثلاثة؛ على ذلك تحريض واتفاق على القتل والدمار، تحريض واتفاق على محاربة الكبير المتعال وهنا وجب علينا أن نعرف بالمتهمين الثلاثة؛ وهم ثلاثة إخوة أشقاء؛ أولهم يدعى مدحت وثانيهم مصطفى وثالثهم محمود هؤلاء المتهمون جميعا لم تعرف البشرية في تاريخها الطويل ولن تعرف مثلهم في بلادة احساسهم وقسوة قلوبهم فقد عاش المتهمون حياة تجردوا فيها من مشاعر الإنسانية.. فما أحوجني اليوم أن اجد وصفًا ليجد جريمتهم النكراء وما احوجني اليوم أن يخرج لساني عن عفته لأصف هؤلاء المجرمين بما يليق بأفعالهم فقد نزلوا بجريمتهم إلى غيابات الجب وغدروا بطفل لا قبل له بهم وألقوا بأسرة كانت آمنة إلى غيابات الحزن وقسوة الظلم ومرارته وبطشه...». وفي نهاية مرافعته طالب بتوقيع أقصى عقوبة للمتهمين وهي الإعدام. وبعد مرافعة النيابة، تقدم محمد كمال يونس، محامي أسرة الضحية، بمرافعته قال فيها: «هذه الجريمة من أبشع ما يمكن أن يتخيله بشر، قتلوا ابن عمهم بلا شفقة ولا رحمة، ومثلوا بجسده. والد الضحية دفن ابنه بلا كفين، بعدما بحث عنه لأيام، وكل ذنبه أنه صدّق أبناء عمومته وذهب ليساعدهم». وبعد مرافعات النيابة والدفاع، قضت المحكمة بإعدام المتهمين، الذين استأنفوا على الحكم، حتى قالت محكمة الاستئناف كلمتها الأخيرة وقضت بإحالة أوراقهم للمفتي للمرة الثانية. وهكذا أسدلت المحكمة الستار على مأساة لن تمحى من ذاكرة القرية، ولا من قلوب من عرفوا الطفل محمد عصام؛ الذي ذهب ضحية خرافة أعمت العقول وأطفأت نور الرحمة في القلوب. اقرأ أيضا: تأييد حكم الإعدام لقاتل عروسه يوم الصباحية بأسيوط