في العدد رقم 1692، نشرنا تحقيقًا صحفيًا بعنوان: «بسبب البحث عن جنون الآثار.. اعترافات صادمة للمتهمين بقتل طفل أسيوط، رصدنا فيه نص التحقيقات في جريمة القتل؛ التي راح ضحيتها طفل لا يتعدى عمره 8 سنوات، على أيدي ثلاثة من أبناء عمومته، واثنين آخرين، والسبب هو تقديمه قربانًا للجن لفتح مقبرة أثرية، قتلوه ومثلوا بجثته، من أجل حلم الثراء السريع.. ظللنا نتابع تلك القضية لأهميتها، إلى أن جاءت جلسة الأربعاء، وهي ثالث جلسات محاكمة المتهمين الخمسة وفيها أسدلت محكمة الجنايات الستار على تلك الجريمة البشعة.. لكن قبلها نسرد محطات في الواقعة انتهاءً بمرافعة النيابة النارية ودفاع المجني عليه. ولتكون البداية من آخر فصل في تلك القضية المثيرة والمأساوية؛ بكلمة النهاية، التي نزلت بردًا وسلامًا على أسرة الطفل الذي قتل غدرًا، وكابوسًا على المتهمين جراء ما فعلوه من إجرام؛ حينما أصدرت الدائرة الثالثة بمحكمة جنايات أسيوط، برئاسة المستشار سامح سعد طه، وعضوية المستشارين أسامة عبد الهادي عبد الرحمن نائب رئيس المحكمة، وأحمد محمد غلاب عضو المحكمة، وبحضور أحمد جمال أبوزيد وكيل النائب العام، وأمانة سر خميس محمود، ومحمد العربي، حكمها بإحالة أوراق 5 متهمين -بينهم 3 أشقاء- إلى فضيلة المفتي لإبداء الرأي الشرعي في إعدامهم، بعد إدانتهم باستدراج طفل وذبحه وبتر كفيه لبيعهما للمنقبين عن المقابر الأثرية بمركز البداري في أسيوط؛ وحددت المحكمة جلسة الأول من شهر فبراير المقبل للنطق بالحكم. القصة بدأت في قرية الهمامية التابعة لمركز البداري، بمحافظة أسيوط؛ حيث قتلت البراءة لتتشح القرية والقرى المجاورة بالسواد، عقب اكتشاف جريمة القتل البشعة التي نفذها 3 أشقاء في نجل عمهم، الطفل محمد عصام؛ بسبب خرافات التنقيب عن الآثار؛ استدرجوه وذبحوه وقطعوا يديه لتقديمها لدجال لفتح مقبرة أثرية، قتلوا طفلا بلا ذنب وجعلوا أسرته تعيش في حسرة وألم طول حياتهم، اعتقدوا بارتكابهم لتلك الجريمة أن يكونوا من الأثرياء، لكنهم أفاقوا على كابوس مفزع ورجال المباحث يدقون بابهم للقبض عليهم، لتتحول القضية للجنايات. ظلت القضية متداولة على ثلاث جلسات فقط، الجلسة الأولى بتاريخ 1 سبتمبر وأجلت لجلسة 4 نوفمبر لحين انتداب محام للمتهمين، وفي الجلسة الثانية اجلت لجلسة 6 نوفمبر استعدادًا للمرافعة. وفي الجلسة الثالثة كانت نهاية القصة، وداخل قفص الاتهام، وقف الأشقاء الثلاثة، كل واحد منهم سارح بخياله، يتذكر تلك اللحظة التي ارتكب فيها جريمته، الأول شاب في بداية العشرينيات من العمر، رغم أنه طالب إلا أن حلمه بالثراء السريع كان يسيطر على تفكيره، لديه استعداد لفعل أي شيء حتى لو كان المقابل جريمة قتل المهم أن يكون ثريًا في النهاية، المتهم الثاني صبي عمره 15 عاما، انصاع وراء رغبات شقيقه، لم يفكر أن يتراجع عن جريمته، أصبح من أرباب السوابق وهو مازال صبيًا، انتهت حياته قبل أن تبدأ، أما الثالث فهو الأخ الأكبر، شاب يبلغ من العمر 22 عامًا، يتذكر تلك اللحظة التي ارتكبوا فيها جريمتهم البشعة، يسأل نفسه كيف حدث هذا؟، لماذا لم يستطع أن يوقف نفسه عن الاشتراك فيها، أو أن يردع شقيقيه عنها، وبجوارهم يقف المتهم الرابع، طالب أيضا، أسئلة كثيرة دارت بعقل كل واحد، قبل أن يفيقوا على صوت النيابة ومرافعتها النارية في تلك الواقعة البشعة، فبعد تلاوة أمر الإحالة، بدأ وكيل النائب العام في مرافعته؛ فقال: «سيدي الرئيس.. السادة المستشارون الأجلاء إن النيابة العامة لتقف اليوم في محرابكم العادل؛ الذي بنيت دعائمه على الحق والعدل والخير والنور تحمل أعباءً عظام وأمورًا جسام تنوب عن مجتمع جاء بأسره ليستظل بساحتكم الكريمة من لهيب الظلم وقسوته وبطشه.. نستصرخكم أن تضربوا بيد من حديد على من انتهك الأعراض وارتكب المحرمات وتعدى على حقوق البشر في الحياة جهارًا ونهارًا، وإننا يا حضرات القضاة نقف اليوم أمام من افتروا على حق رب البرية وانتهكوا حرمة الدم البشرية وقتلوا نفسًا بريئة من غير ذنب، فأنكر فعلهم الحجر والشجر وألقوا الفزع في قلوب البشر فقد ذبحوا ضحيتهم بطريقة حيوانية ولم تلق الرحمة إلى قلوبهم سبيلا، فبرأت منهم ذمة الله ورسوله والناس أجمعين». وأضاف: «جئناكم اليوم بواقعة قتل فيها الناس جميعا.. واقعة أصابت قلوب شهودها والمجتمع بأسره بكرب وحسرة وهلع وألم تدمي القلوب وتأباها العقول وترفض العيون تصديق حدوثها.. فالمتهمون في وقائع دعوانا خمسة رجال لا والله لا أقول رجالا بل أقول خمسة من نفر إبليس، أمر الله بالتعاون على البر والتقوى فما قالوا سمعنا واطعنا بل كان لسان حالهم ان سمعنا وعصينا وتعاونوا فيما بينهم على الإثم والعدوان وقد انقسم المتهمون في وقائع دعوانا إلى فئتين؛ الأولى فهم المحرضون على القتل وهم أساس كل بلاء وسبب كل عناء ولولاهم ما استبيحت الدماء، وهما المتهمان الرابع فارس دياب، البالغ من العمر 18 عامًا والخامس أعمى البصر والبصيرة كبيرهم الذي علمهم السحر المدعو شكري أحمد، البالغ من العمر 76 سنة، هذان المتهمان غرتهما الدنيا بزينتها وزخرفها وسعيا فيها على غير هدى فذهبا يبحثان عن المال من كل سبيل غير عابئين حلال أم من حرام حتى وصلت بهما افكارهما الشيطانية أن يبحثا عن الآثار فسولت لهما نفسيهما الدنيئة أن تلك المقابر الأثرية لا يمكن أن تفتح إلا إذا أريق لها دم بشري وامتدت إليها يدي قتيل لتفتحها، واتفقا مع المتهمين الثلاثة؛ على ذلك تحريض واتفاق على القتل والدمار، تحريض واتفاق على محاربة الكبير المتعال وهنا وجب علينا أن نعرف بالمتهمين الثلاثة؛ وهم ثلاثة إخوة أشقاء؛ أولهم يدعى مدحت، وثانيهم مصطفى، وثالثهم محمود هؤلاء المتهمون جميعًا لم تعرف البشرية في تاريخها الطويل ولن تعرف مثلهم في بلادة احساسهم وقسوة قلوبهم؛ فقد عاش المتهمون حياة تجردوا فيها من مشاعر الإنسانية.. فما أحوجني اليوم أن أجد وصفا ليجد جريمتهم النكراء وما احوجني اليوم أن يخرج لساني عن عفته لأصف هؤلاء المجرمين بما يليق بأفعالهم فقد نزلوا بجريمتهم إلى غيابات الجب وغدروا بطفل لا قبل له بهم وألقوا بأسرة كانت آمنة إلى غيابات الحزن وقسوة الظلم ومرارته وبطشه.. ونحن هنا واقفون وعن حقوقهم مدافعون ماضون فيما استرعانا الله عليه وطوقت به أعناقنا من أمانة الدفاع عن حقوق أبناء هذا المجتمع». ثم استكمل وكيل النائب العام مرافعته متحدثا عن المجني عليه، فقال: «أما عن المجني عليه فهو ذلك الطفل المغدور به محمد عصام أبو الوفا الذي لم يجاوز السابعة من عمره ذلك النبت الذي طرح في بستان والديه فهو ثمرة حياتهما وزهرتها فلا ضغينة دفينة ولا شر هناك مستطير ينال من هذه البراءة سوى قلوب قاسية، فما اقترف الطفل المسكين إثمًا أو ذنبًا يحاسب عليه، وما كان فتيل نزاع يعاقب من أجله والديه اللذين سقيا هذا النشء الطارح ليكون يانعا في تربة أرضهما، والتي بات أصلها ثابتا وفرعها في السماء آملين أن يؤتى أكله كل حين بإذن مولاه ليضحى بعد حين لهذه الأسرة شأن يغنيها ملجأ يؤويها فقتلوه غدرًا وخسة». الواقعة ثم بدأ وكيل النائب العام يسرد تفاصيل الواقعة وما فعله المتهمون الخمسة، فقال: «تبدأ وقائع هذه الدعوى يوم أن انشغل المتهمون بهوس البحث عن الآثار وجني الأموال؛ فهذا المتهم الخامس يزعم كذبًا وافتراءً وبهتانًا أنه يملك القدرة على فتح المقابر الأثرية لكنه يحتاج لذلك أن يقتل طفلا لم يجاوز السابعة من عمره ثم تقطع كفيه لتقدم قربانا إلى خادم المقبرة ليرضى فتفتح ويخرج منها الذهب والفضة فتتغير حياته، فصار عند هذا المشعوذ الدجال قتل الأطفال سبيلا لجني الاموال أي قلب هذا الذي تحمل بين ضلوعك لترضى قتل الاطفال سبيلا للمال.. ألم يدر بخلدك يا غدار أنك إذ تبيت مسرورًا بهذا المال يملأ بيت غيرك الحزن والدمار.. ألم تفزع نفسك.. ألم تخشى من الله.. سيدي الرئيس هذا كان شرط المتهم الخامس وهذا جرمه المقدم به إلى المحاكمة الجنائية تحريض واتفاق على القتل، بهذا الشرط من هو شر منه وهو المتهم الرابع فارس دياب فهو ايضا ممن شغله هوس البحث عن الآثار فنقل تلك الفكرة الشيطانية إلى باقي المتهمين الذين انصاعوا إلى رغبتهم في الغنى السريع فعقدوا النية وتفكروا بروية ولم يجدوا لغايتهم سبيلا الا قتلا غدارًا ومكروا مكرًا كبارًا فأعدوا مخططا إجراميًا احكموا دقائقه دراسة واستنفذ وسائله إحكامًا وعزموا فيه على القتل والدمار وقسموا فيما بينهم الأدوار فهذا قاتل وهذا مستدرج للقتيل وذاك مراقب للدار.. وفي يوم الفاجعة الثامن من شهر يونيو لعام 2024 أبصر المتهم الأول المجني عليه يرتع ويلعب، فنظر إليه وكأنه عثر على ضالته.. نظر إليه نظرة الذئب غادرًا ماكرًا.. نظرة تجردت من كل مشاعر الإنسانية.. فهذا المسكين بعد قليل سيكون قتيلا، قتيل البحث عن الآثار وجني الأموال، ولإتمام مخططه وفكرته الدهية الشيطانية أرسل شقيقه المتهم الثاني ليستدرجه حيث ينتظره هناك قاتل غدار فكر وقدر وتحضر فتحين الزمان والمكان واقسم بالله ليفسد على والديه فرحتهما.. فجاء ذلك المسكين يسير إلى موطنه الأخير.. جاء يسير إلى موطن الغدر والخيانة والخسة والندالة.. جاء يسير إلى حيث لا عودة إلا قتيل.. وما أن أبصره المتهم الأول حتى طلب من شقيقه المتهم الثاني أن يمسك بكلتا قدميه ليقطع كل سبيل عليه في المقاومة ثم اخرج من ملابسه سكينًا أعده سلفا ووضعه على عنقه ونحره حتى سالت دماؤه الذكية الطاهرة على الارض.. ترى هل يكتفي بذلك لا والله لا يكتفي فغايته من القتل لم تتحقق بعد؛ فأمسك بكلتا كفي ذلك الطفل وقطعهما تمهيدًا لتقديمهما إلى ذلك المشعوذ الدجال ليتمكن بهما من استخراج الكنوز والآثار». واستكمل: «إن المتهمين الأول والثاني استدرجاه، ومن وسط أقرانه انتزعاه وعن أعين أهله وذويه أبعداه ، وإلى حظيرة المواشى أدخلاه، ومن يديه وقدميه قيداه، وأتيا على فيه فأخرساه، وعلى ظهره أضجعاه وبسكين ذبحاه، وبذات السكين قطعا كفاه، وإلى دجالهما قدما الكفين وانتظرا قدوم الذهب والآثار من جراء ما ارتكبوا من قتل ودمار، أقول لمن ارتكب الخطايا وغيبا.. وأمسى له سلب الحقوق محببا.. وأعماه حب المال عن كل حرمة.. وبات يرى في القتل نهجًا ومذهبًا ..تربت يداك في البرايا كلهم.. فمثلك يعيش ذئبًا ويموت بحبل المشنقة.. وبعد فعلتهم الآثمة المجرمة تواصل المتهم الرابع المدعو فارس دياب مع المتهم الأول ليطمئن هل انتهى المتهمون من مهمتهم.. هل أتموا جريمتهم.. هل نجوا بفعلتهم.. هل تمكنوا من قتل ذلك المسكين غدرًا.. هل قطعوا يديه فجرًا.. هل مهدوا الطريق لغنى مزعوم وتجارة حسبوها لن تبور، فأجابه المتهم الأول في غرور وفجور بأن كل شيء على ما يرام فها هي الجثة تحت قدمي وها هي يدي الطفل قد قطعتهما وهما الآن بين يدي، وإننا الآن على موعد مع الغنى والحصول على المال واستخراج الكنوز والآثار، إننا الآن على موعد تفتح لنا فيه خزائن الأرض فننال من زينتها وزخرفها إننا الآن على موعد يتغير فيه الحال من إقتار إلى ثراء ومن ضيق إلى سعة وسنكون بعد قريب ممن يسمع قولهم ويقتفى أثرهم لكثرة مالهم ولكن هيهات هيهات فهناك رب ومنه شرع ومن خلفهم قانون يأخذ على يد القاتل ويرد الظالم.. وفي المساء حضر المتهم الرابع وأخذ كفى ذلك الطفل المسكين وأنطلق وبرفقته المتهم الأول لتسليمهما للمتهم الخامس بجوار مقابر الهمامية ولإخفاء الدليل كان المتهم الثالت قد أتلف الهاتف المحمول الذي كان بحوزة المجني عليه زعمًا منه أنه بذلك يخفي كل دليل للوصول إليهم وحتى يصرف الأنظار عن قبيح جرمهم، وجد والد المجني عليه يبحث عن نجله فلم يرق قلبه لنظرات اللهفة التي في عينيه فتظاهر بالبحث عنه لتضليله وحتى لا يفتضح أمرهم حملوا الجثة وألقوها في الزراعات». واستكمل: «سيدي الرئيس يبحث المتهم الثالث عن جثمان الطفل وهو يعلم أنه مقتول في حظيرة المواشي الخاصة به وأشقائه وظل الجثمان على هذا الحال حتى أتى المتهم الأول وقام بحلق شعر المجني عليه أملا في تضليل أهليته عند العثور عليه وما أن اقترب ميقات آذان الفجر وفي سكون الليل حتى قام المتهمان الأول والثاني بحمل الجثة وألقياها في أرض زراعية مملوكة للمدعو عادل لعلمها المسبق بوجود خلافات فيما بين أهلية المجني عليه ومالك الأرض فيلصقوا به الاتهام.. أي مكر هذا وأي غدر إنه فعل تأنفه العقول قبل الشرائع إنها فعلات منكرات انتهكوا بها المحرمات وارتكبوا الموبقات وخانوا الأمانة وما بينهم من قرابات، قتلوه في المهد صبيًا يافعًا، أفسدوا في الأرض والله لا يحب الفساد فحق عقابهم في الأرض والسموات». وطالبت النيابة في نهاية المرافعة بتوقيع أقصى عقوبة على المتهمين وهي الإعدام شنقا. محامي المجني عليه ثم بدأ محمد كمال يونس، محامي الضحية، في مرافعته عن حق المجني عليه، فحملت مرافعته العديد من القيم الإنسانية، والاستشهاد بالآيات القرآنية، ونقل للمحكمة عظم تلك الجريمة البشعة التي راح ضحيتها طفل بلا ذنب، فقال: «هذه الجريمة من أبشع الجرائم لا أحد يصدق ما فعله المتهمون مع أقرب الناس إليهم، استدرجوه من عالمه الصغير وقتلوه بلا شفقة أو رحمة ومثلوا بجثته، فوالد الضحية دفن ابنه بغير كفين، حليق الرأس، بمنظر يدمي القلوب، بعدما ظل لساعات وأيام يبحث عنه، وكل ذنب الطفل أنه انصاع لرغبات أبناء عمومته وذهب ليساعدهم في العمل، وكان جزاء ما فعله قتله بهذه البشاعة». وطالب المحامي بالقصاص العادل وتوقيع أقصى عقوبة على المتهمين، حتى أسدلت المحكمة الستار على تلك الجريمة بحكمها العادل وهو إحالة أوراق المتهمين الخمسة لفضيلة المفتي. اقرأ أيضا: نجار مسلح يقتل طفلا لسرقة «توك توك» في أسيوط