شهدت قوائم Billboard الأمريكية دخول عدد من الأغاني التي تم إنشاؤها باستخدام أدوات توليد الموسيقى بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي، لتعلن بذلك عن مرحلة جديدة يتقاطع فيها الإبداع الفني مع التطور التكنولوجي. بحسب تقرير لموقع Futurism، فإن أغنيات منتجة جزئيًا أو كليًا بواسطة الذكاء الاصطناعي بدأت تظهر بانتظام في قوائم الترتيب الأسبوعية، وهو ما يعبر عن تحول عميق في شكل الصناعة الموسيقية وطبيعة الفنان ذاته. فلم يعد الحضور الإنساني شرطًا أساسيًا للنجاح، بل أصبح «الذكاء الاصطناعي» نفسه طرفًا فاعلًا في الإنتاج والانتشار. من بين أبرز الأمثلة على هذا التحول، ظهور "Xania Monet"، وهي فنانة افتراضية تم تطويرها عبر أداة Suno من قبل كاتبة أغانٍ في ولاية ميسيسيبي الأمريكية. بدأ المشروع كمحاولة بسيطة لتحويل كلمات مكتوبة إلى أغنية باستخدام الذكاء الاصطناعي، قبل أن تتحول التجربة إلى نجاح تجاري واسع النطاق. فقد حصدت الأغنية الأولى للفنانة الافتراضية ملايين المشاهدات على المنصات الموسيقية، ما دفع شركة إنتاج كبرى إلى توقيع عقد فني معها بملايين الدولارات، رغم كونها لا وجود مادي لها. هذا الحدث لم يمرّ مرور الكرام، إذ اعتبره كثيرون بداية لتغيّر مفهوم «الفنان» نفسه، وانتقاله من الكيان البشري إلى الصورة الرقمية القادرة على التعبير والإنتاج والتفاعل مع الجمهور. تشير بيانات Billboard إلى أن هذه الظاهرة لم تعد استثناءً، بل أصبحت نمطًا متكررًا يظهر أسبوعيًا في قوائم الأغاني الأكثر استماعًا. وفي المقابل، بدأت منصات كبرى مثل Deezer في اتخاذ إجراءات تنظيمية، بعد رصدها آلاف المقاطع التي تُنتج بالكامل عبر الذكاء الاصطناعي يوميًا، حيث قررت وضع تصنيف خاص للمحتوى المُنشأ آليًا حفاظًا على الشفافية تجاه الجمهور والفنانين. لكن مع هذا التوسع السريع، تتزايد الأسئلة حول الحقوق الفكرية والأخلاقية لهذه الأعمال: من يمتلك الأغنية؟ هل هو الإنسان الذي كتب الكلمات؟ أم الأداة التي لحّنتها؟ أم الشركة التي درّبت النموذج على موسيقى فنانين آخرين من دون إذنهم؟ يرى بعض النقاد أن دخول الذكاء الاصطناعي بهذا الشكل إلى مجال الغناء يشكّل تهديدًا مباشرًا للطبيعة الإنسانية للفن، القائمة على الإحساس والتجربة الشخصية. في المقابل، يعتبره آخرون ثورة في الإبداع، تتيح لأي شخص تحويل أفكاره إلى موسيقى دون الحاجة إلى استوديو أو أدوات معقدة، وهو ما قد يفتح المجال لموجة جديدة من المبدعين المستقلين حول العالم. في المنطقة العربية، ما زال هذا التحول في بدايته، لكن المؤشرات واضحة: أدوات التوليد الموسيقي أصبحت متاحة وسهلة الاستخدام، والجمهور بدأ يتقبّل فكرة "الأغنية الذكية" التي يصنعها الخيال الاصطناعي. وبين الحماس والخوف، يبدو أن الموسيقى تدخل مرحلة جديدة... لا يمكن التنبؤ بنهايتها، لكنها بالتأكيد بدأت بصوتٍ رقميّ لا يُمكن تجاهله اقرأ أيضا: الذكاء الاصطناعي يبتكر «أطلس الذوق» لتقديم محتوى مُصمم خصيصًا لاهتماماتك