فرحة المصريين الحقيقية، من صغيرهم إلى كبيرهم لم نشهدها بهذا الشكل، وذلك الزخم منذ زمن طويل. موجة عالية، متدفقة، قوية من الفخر، والتباهى بالجنسية والانتماء إلى مصر العظيمة، العريقة، الشامخة. مصر التى تتحدث عن نفسها فى قصيدة حافظ إبراهيم «وقف الخلق ينظرون جميعًا، كيف أبنى قواعد المجد وحدى». تلك الحالة المدهشة التى عاشها المصريون جميعًا مع افتتاح المتحف المصرى الكبير تستحق التوقف والتأمل. هذا الشعب فى حاجة للإحساس بذاته، وتفرده، وقدراته التى تبهر الآخرين. هذا الشعب الجميل يعشق مصر، ليس لأى سبب إلا لأنها جديرة بالعشق كله. لقد سافرت بلدانًا عديدة فى شمال الأرض وجنوبها، شرقها وغربها. بلاد جميلة، متقدمة، نظيفة، لديها نظام مدروس يحكم كل شىء فيها. أعجبنى بعضها، وتمنيت أن أنقل ما أراه جميلًا، إيجابيًا، مضيئًا إلى بلدى. لكنى لم أر فعلًا أجمل منه، ولم أرغب فى الإقامة فى أى بلد آخر دونه. مصر أجمل بلاد الدنيا عندى، أرض الأصالة والعراقة والثقافة. شعب النكتة والضحكة والقفشة رغم الضغوط والتعب والأزمات الاقتصادية، رغم كل شىء نحبها، ونفرح لفرحها، وقد فرحت مصر القديمة والجديدة بما شاهدناه جميعًا بفخر وكبرياء. لن أتحدث عن الحفل، رغم أن لدى ملاحظات مهنية، وفنية كثيرة على هفوات تخللته. لكن الفرحة العارمة للمصريين، والانبهار الكامل الذى عكسته وجوه الحضور أمام قناع توت عنخ آمون يجعلنا ننسى أى هفوة، ونتسامح مع أى خطأ فى الإعداد للحفل. هناك رغبة حقيقية فى الفرح، واستعادة الثقة فى النفس بعد صدمات كثيرة وظروف صعبة مرت بها مصر خلال الخمس عشرة سنة الماضية. لكنها مصر، صمدت، واستمرت، وقدمت للعالم كله هديتها من قلب التاريخ. اللحظة الاستثنائية التى نعيشها الآن جميعًا تتطلب أن يقوم كل منا بدوره فى الإبقاء على تلك الروح العالية، المتوثبة، المتطلعة للخروج من عنق الزجاجة. علينا جميعا كمصريين أن نحفظ هذا الحب فى قلوبنا، ونترجمه إلى عمل، إنتاج، فعل. على كل أب وكل أم أن يتحدثا عن مصر بحب وفخر لأولادهما، وأن يصحبوهم ليشاهدوا بأعينهم ويشعروا بحواسهم، يحتضنوا بأرواحهم تلك الملحمة الأسطورية التى صنعها أجدادنا، ويتابعوا ذلك الإنجاز الهائل الذى صنعه الأحفاد ليحفظوا التاريخ والعظمة. عشرات الآلاف من العمال، المهندسين، المرممين، الاستشاريين، شاركوا فى بناء المتحف. عشرات الآلاف أعطوا من قلوبهم وعرقهم حتى يرتفع ذلك البناء المشرف الجميل شامخًا، مهيبًا، يجاور أهرامات الجيزة وأبو الهول، وكأنها جميعًا تكمل اللوحة المذهلة، رمز الخلود. ومفتاح الحياة. فرحة المصريين هى أجمل وأضخم عائد من عوائد المتحف الكبير حتى الآن. أول الغيث قطرة. وأول الخير ضحكة صافية من القلب.