في قلب شارع اللبيني، الحياة لا تهدأ ليلًا ولا نهارًا، وحيث اعتاد الناس أن يناموا على ضجيج الباعة ووقع الأقدام في الشارع، استيقظت الجيزة هذه المرة على ضجيج من نوعٍ آخر.. صراخ الموت.. لم تكن صرخات امرأة تستغيث، بل كانت صرخات أرواحٍ صغيرة تنتزع من الدنيا ظلمًا، في واحدة من أبشع الجرائم التي عرفها الشارع المصري في السنوات الأخيرة.. مشهد الأجساد الصغيرة الملقاة في مدخل العمارة، كان كفيلًا أن يسكت الشارع بأكمله بل والشوارع القريبة منه أيضًا.. وجوه الأطفال البريئة التي كانت بالأمس تضحك، صارت اليوم شاهدة على بشاعة إنسان اختار أن يقتل بدلًا من أن يسامح، أن ينتقم بدلًا من أن يغادر، أن يطفئ نوره الداخلي بسم صنعه بيده، لم تكن الجريمة عادية، ولم يكن القاتل شيطانًا جاء من العدم، بل شخصا يسير بيننا لكنه في صورة شيطان.. يرتدي زيًا عاديًا، يفتح محله كل صباح، ويتحدث إلى زبائنه كأنه أحدهم.. لكن خلف هذا الوجه الهادئ، كانت تختبئ نفس مظلمة.. نفس مريضة بالهوس، مشوهة بالغيرة، مأكولة من الداخل برغبة السيطرة والامتلاك.. جريمة اللبيني لم تفزع مصر لأنها بشعة فحسب، بل لأنها هزت الثقة الإنسانية من جذورها، فكانت الجريمة درسًا قاسيًا في أن الشيطان لا يأتي في صورة مرعبة، بل في هيئة مألوفة.. شخصٍ يظهر اهتمامًا، ويتحدث برقة، لكنه في داخله يخطط لكل ما هو مظلم ومميت..وهكذا تحولت قصة امرأة هاربة من بيت الزوجية وأطفال أبرياء، إلى مأساة.. إلى حكاية تكتب بالدم، وتروى بالبكاء، وتبقى جرحًا في ضمير كل من شاهد صورهم أو قرأ تفاصيل ما حدث، تفاصيل أكثر إثارة سوف نسردها لكم داخل السطور التالية. في قلب منطقة اللبيني، الواقعة في فيصل والهرم بمحافظة الجيزة، التي اعتادت أن تنام على ضجيج الحياة اليومية، استيقظ الأهالي هذه المرة على صرخات لم تكن من الباعة أو المارة، بل كانت من رحم المأساة نفسها، ففجر ذلك اليوم، تحول مدخل أحد العقارات إلى مسرح مشتعل لفاجعة لا يمكن للعقل أن يتقبلها بسهولة.. أجساد صغيرة ملقاة على الأرض، إلى جوارها تجمع العشرات من السكان في حالة ذهول، وعيون لا تصدق ما تراه. كانت الساعة تقترب من الخامسة صباحًا حين نزل صاحب العمارة بعدما أيقظته زوجته، بعد أن لاحظت ضوضاء غير معتادة في مدخل العقار، يقول الرجل بصوت متقطع: «نزلت عشان أشوف فيه إيه، لقيت الأطفال مرميين تحت السلم، وشهم في الأرض، ومفيش فيهم أي حركة.. وقفت مكاني مش قادر أصدق.. ناديت الناس في الشارع، والدنيا اتقلبت. سرعان ما تم إخطار المقدم مصطفى الدكر رئيس مباحث قسم شرطة الهرم، والذي على الفور اخطر اللواء علاء فتحي مدير الادراة العامة لمباحث الجيزة، والذي شكل فريق بحث اشرف عليه اللواءان احمد الوتيدي، وهاني شعراوي نائبا مدير الادارة العامة لمباحث الجيزة، وتحت قيادة العقيد محمد الجوهري مفتش مباحث الهرم، لم تمر دقائق حتى وصلت الشرطة والإسعاف، وفرض طوق أمني حول المكان، المشهد لم يكن عاديًا على الاطلاق جسدان صغيران ملامحهما شاحبة، لا صوت لهما سوى صدى الفزع في عيون السكان. تحرك فريق البحث الجنائي بإشراف العميد عمرو حجازي رئيس قطاع الغرب وبفحص الكاميرات المحيطة بالعقار، ظهر توك توك وقف لثواني ليلقي بالطفلين ثم فر هاربًا، لم تمض ساعات حتى توصلت التحريات لهوية الطفلين، والذي كان والدهما بلغ بتغيبهما منذ اكثر من 20 يوما برفقة والدتهما، وبالتواصل مع الزوج تبين أن زوجته وابنائه مختفيين منذ 20 يوما بعد خروجهم من مسكن الزوجية ولا يعرف عنهم أي معلومات، وأن زوجته تركت المنزل برفقة الأطفال اثر خلافات زوجية، وانه لم يتمكن من العثور عليهم، وبعد تحريات المباحث الدقيقة توصلت المباحث أن الام والاطفال كانوا مستأجرين في أحد العقارات بذات المنطقة، وأن وراء الجريمة هو صاحب محل أدوية بيطرية. شارع ال16 عمارة كنا في المنطقة التي سكنتها المجني عليها مع أطفالها، الوقت كان مساءً والشارع يبدو ساكنًا فلا يزال وقع الصدمة في صدور الأهالي، هنا في شارع ال16 عمارة بمنطقة اللبيني بدأنا الرحلة حاولنا أن نعايش أهل الشارع المأساة التي عاشوها، فماذا قالوا عن الأم بعدما عاشت وسطهم بضعة أشهر قليلة قبل الفاجعة. «الأم كانت ست طيبة قدامنا، في حالها ومالهاش في المشاكل، بهذه الكلمات بدأت»سمر» إحدى الجيران روايتها عن الجريمة التي هزت الشارع لم يكن يتصور أحد أن الشقة التي كانت تملؤها ضحكات الأطفال، ستتحول في لحظة إلى قبر جماعي لهم، الأسرة التي تقيم في الدور الرابع كانت معروفة بين الجيران بالهدوء، الأم تدعى "ز"، في الثلاثينيات من عمرها، تربي أطفالها الثلاثة بمفردها سيف 13 عامًا، جنى 11 عامًا، والطفل الثالث 9 سنوات، تقول سمر:»كانت دايمًا خايفه على أولادها، وتقول نفسي أعيش عشانهم بس.. عمرنا ما سمعنا صوت عالي صادر من شقتها». كما قال «احمد» أحد سكان العمارة التي عثر أمامها على الطفلين؛»إن المشهد كان صادمًا ولا يمحى من الذاكرة، وأن لحظة العثور على الطفلين كانت مليئة بالفوضى والخوف والدموع، ففي هذا اليوم استقيظنا على صوت جري وصراخ تحت العمارة نزلت لقيت الناس ملمومة حوالين طفلين مرميين قدام المدخل، واحد كان نايم على الأرض مش بيتحرك، والبنت كانت بتتنفس بالعافية، منظرهم كان يقطع القلب، وقتها الناس حاولت تسعفهم بسرعة وبلغوا الشرطة والإسعاف، وحضر رجال الشرطة في وقت قصير جدًا، وقفلوا الشارع بالكامل، وبدأوا ياخدوا البصمات ويسألوا السكان لو حد شاف حاجة، بعدها بشوية حضر والد الأطفال وكان منهارًا، ما كانش مصدق اللي حصل، والشرطة خدت أقواله وتحفظت عليه لاستكمال التحقيقات، وحقيقي من وقتها والعمارة كلها في حالة حزن وخوف، محدش قادر ينام ولا يصدق إن الجريمة دي حصلت عندنا، الأطفال كانوا ملايكة، ربنا ينتقم من اللي عمل كده». كما قالت «س» أثناء نزولى لشراء طعام الافطار فوجئت بطفلين، فتاة تبلغ من العمر 13 عاما، وشقيقها، ملقيين داخل العمارة، حيث كان الطفل فاقد الحركة تمامًا، بينما كانت الفتاة في حالة إغماء وتظهر عليها إصابات واضحة، وقتها أصبت بصدمة شديدة من هول المشهد الذي رأيته، حيث لم اتمالك نفسي وبدأت اصرخ من شدة الرعب، ثم أسرعت بالنداء على زوجي الذي هرول سريعًا فور سماع صراخي، وعلى الفور ابلغ قسم شرطة الهرم. في الوقت ذاته ظهر زوج السيدة المجني عليها، ووالد الأطفال حيث ذكر في كلمات مقتضبة لتوضيح بعض الحقائق الخاصة بالحادث؛»أنه أصيب بصدمة فقد زوجته وأطفاله الثلاثة، مؤكدًا أن زوجته على خلق ودين، نافيًا أى اتهامات موجهة لها بوجود علاقة بينها و المتهم، كما أكد أن بعض الأشخاص تداولوا تصريحات على لسانه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لم يدل بها، من شأنها تشويه سمعة المجني عليهم، وذكر أن الحقيقة ستظهر قريبًا». كما طالب شقيق والد ضحايا جريمة فيصل بوقف الشائعات، قائلا إن زوجة شقيقى مشهود لها بالاحترام، حيث أنهم لم يشاهدوا منها ما يسيئ لها منذ 15 عامًا عاشت بينهم، وطالب رواد السوشيال ميديا، والأشخاص الذين يسيئون لسمعة زوجة شقيقه، بالتوقف عن نشر الشائعات والأكاذيب، حيث ذكر أنها وأبناء شقيقه الضحايا حافظين للقرآن الكريم، كما طالب الجميع بالتضامن معهم، للحصول على حق الضحايا، وعدم نشر الشائعات التي تشوه سمعة المجني عليهم، خاصة أن الكثير من المنشورت المتداولة غير صحيحة. محامي أسرة الضحايا وكشف محمد كساب محامي أسرة ضحايا جريمة فيصل؛ أن الجاني لم يكن مجرد قاتل عابر، بل كان يحمل نوايا خبيثة سابقة تجاه الضحية، كما إن المتهم حاول إقامة علاقة غير شرعية مع السيدة، لكنها رفضت بشكل قاطع حفاظًا على كرامتها وسمعتها وأطفالها الثلاثة، ما أشعل غضبه ودفعه إلى الانتقام منها بطريقة بشعة لا تخطر على بال. وأضاف؛ أن الجاني معروف في منطقته بعلاقاته النسائية المتعددة وسلوكه المنحرف، كان قد استأجر شقة للمجني عليها في وقت سابق، وهناك استدرجها لتنفيذ جريمته بعد أن قررت مواجهته وفضحه، كما أنه لم يكتفِ بقتلها بل أجهز أيضًا على أطفالها الذين شاهدوه أثناء تنفيذ الجريمة. وأشار كساب إلى أن الضحية كانت سيدة مشهود لها بحسن السيرة والخلق بين جيرانها، وأن كل من عرفها أكد براءتها من الادعاءات التي يروجها القاتل لتشويه سمعتها، موضحًا أن تلك الروايات الكاذبة ليست سوى محاولة يائسة من المتهم لتخفيف موقفه أمام النيابة. وأوضح كساب أن القاتل كان يحتفظ بمقاطع مصورة لضحاياه ويبتزهن، وأن الضحية اكتشفت ما قد يدينه، فهددته بإبلاغ الشرطة إذا لم يتوقف عن ملاحقتها، ليقرر على إثر ذلك التخلص منها نهائيًا، كما أن أطفالها شاهدوا كل شيء، وعرفوا وجه القاتل، لذلك لم يتركهم أحياء، حاول أن ينهي حياة الطفلة جنى عن طريق السم، ولما فشل، انهال عليها بالضرب حتى لفظت أنفاسها الأخيرة متأثرة بنزيف داخلي، ثم نقل الجثث إلى مدخل عمارة في منطقة اللبيني لإخفاء الجريمة. غياب الضمير وبالتواصل مع الدكتور أحمد عبد السميع، أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة، بدأ حديثه قائلا: القاتل في جريمة اللبيني يصنف ضمن ما يعرف بالشخصية السيكوباتية ذات النزعة التملكية، وهي من أخطر أنواع الاضطرابات السلوكية، فهذا النوع من الأشخاص يجمع بين الذكاء العالي، والبرود الانفعالي، وغياب الضمير الأخلاقي، لكنه يملك قدرة هائلة على التمثيل والإقناع، ما يجعله يبدو طبيعيًا في نظر الآخرين، فالدافع النفسي، الدافع الرئيسي هنا ليست الغيرة فقط، بل الجرح النرجسي، عندما رفضت الضحية خضوعها له، شعر القاتل بأن كرامته وسلطته مهددة، فبدأ ما يسمى بدافع التدمير الانتقامي، فالنرجسي لا يتحمل فكرة الرفض، لذلك يلجأ إلى الإيذاء الكامل، لا ليقتل الجسد فقط، بل ليمحو الوجود نفسه، ولهذا لم يكتف بقتل الأم، بل امتد انتقامه إلى أطفالها كعقاب رمزي لها، ورسالة بأن لا أحد ينجو من عقابه، طريقة التنفيذ تكشف عن انعدام الشعور بالذنب ووجود تخطيط عقلاني مع غياب الإحساس الإنساني، وهي سمات مشتركة لدى السيكوباتيين، هو لم يقتل في لحظة غضب، بل خطط، وسمم، وراقب، ثم نقل الجثث بهدوء.. مما يعكس قدرة على التحكم العاطفي المرضي، والعلاقة التي ربطته بالضحية كانت قائمة على الهيمنة النفسية، وليست مشاعر حقيقية، فهو أراد أن يمتلكها، لا أن يحبها، وحين فقد السيطرة عليها، تحولت الرغبة في الامتلاك إلى رغبة في التدمير، وهذه السمة تعرف في علم النفس باسم حب التملك القاتل، وغالبًا ما تنتهي بجرائم مماثلة، كما أن القاتل لم ير الأطفال كضحايا، بل كأدوات في صراع داخلي مع أمهم، وهذا يعكس غيابًا تامًا، وفي لحظة القتل، لم ير فيهم سوى امتدادًا لعدوه النفسي، فمحاهم كما يمحى الألم من الذاكرة، كما انه حتى في اعترافاته، حاول القاتل أن يبرر جريمته ليخفف من ذنبه، وهو سلوك دفاعي شائع لدى الشخصيات السيكوباتية، حيث يخلقون رواية لتجميل أفعالهم، فهم لا يرون أنفسهم مجرمين، بل ضحايا تم استفزازهم، فالقاتل لم يقدم على جريمته بسبب لحظة غضب، بل بسبب خلل عميق في تكوينه النفسي، وغياب أي قيمة أخلاقية أو إنسانية، فهو شخص فقد صلته بالمجتمع والضمير، ويعيش وفق منطق بدائي داخلي، إما أن أملكك، أو أُدمرك، لذلك، فإن جريمة اللبيني ليست مجرد جريمة قتل، بل نموذجا خطيرا لما يحدث حين تتحول العاطفة إلى مرض، والحب إلى سلاح، والإنسان إلى شيطان يرتدي قناع البشر. اقرأ أيضا: راح ضحيتها سيدة وأبنائها الثلاثة.. القصة الكاملة لجريمة «اللبيني»