فى قرية صغيرة بصعيد مصر، حيث تتقاطع التقاليد الصارمة مع ملامح التطلع الخجول، وُلدت شرارة الحلم، من هناك خرج فيلم «رفعت عينى للسما» ليصنع من الفن الشعبى جسراً بين الواقع والحلم، وبين الممكن والمستحيل، وليكون وثيقة حياة تحتفى بالحلم الإنسانى حين يتحوّل إلى حقيقة، فيلم يفتح نوافذه على عوالم صغيرة مليئة بالأسئلة الكبرى: كيف يُمكن لحلم شخصى أن يصبح قوة جماعية؟ وكيف يتحول الفن الشعبى إلى وسيلة لتغيير النظرة إلى المرأة والمجتمع؟ لم يكن الفيلم الوثائقى الذى أخرجه أيمن الأمير وندى رياض مجرد تجربة سينمائية، بل شهادة على قدرة الفن الشعبى أن يكون أداة مقاومة وتعليم، ووسيلة لتحرر فردى وجماعي، وقد أثبت أن الطريق إلى الحرية يبدأ بخطوة على خشبة مسرح، وبالإيمان بأن الفن قادر على تغيير وجه الحياة، إنه قصة فتيات وقفن فوق خشبة مسرح الشارع فى قرية «البرشا»، ليُعدن صياغة معنى المشاركة فى الحياة. وعبر مشاهد تتداخل فيها البساطة مع العمق، تتجلى قوة الفيلم، فهى لا تنبع من موضوعه فحسب، بل من صدقه الإنسانى وطزاجة الصورة التى تقتنص اللحظة فى صفائها وعفويتها، لتصنع منها مشهداً باقياً فى الذاكرة. الكاميرا لا تتعالى على أبطالها، بل ترافقهم كرفيقة طريق، تتنفس معهم وتُصغى لنبضهم. الصوت والموسيقى فى الفيلم ليسا خلفية جمالية فحسب، بل روح المكان ونبضه الدافئ. ضحكات الفتيات وصدى الجمهور، والأغانى الشعبية المتداخلة، تشكل جميعها نسيجاً حسياً يجعل المشاهد شريكاً فى التجربة، لا مجرد متفرج. لقد أعاد الفيلم إحياء جوهر السينما التسجيلية بوصفها فناً يبحث عن الحقيقة فى التفاصيل اليومية. أما الاختيار السردى للمخرجين، القائم على متابعة طويلة الأمد، فقد أتاح للشخصيات أن تنضج أمام الكاميرا، وتكشف عن تحولها الإنساني. هذا الصبر فى الرصد، المدعوم بمونتاج استُخلص من أكثر من 400 ساعة تصوير، منح الفيلم عمقاً نادراً فى زمن السرعة. لقد علّمنا الفيلم أن الأمل لا يسكن المدن الكبرى فقط، بل يولد أحيانًا فى قرية صغيرة بالصعيد، حين ترفع فتيات عيونهن نحو السماء، ويجدن أن الحلم أقرب مما يظنّ العالم. لكن الإنجاز الحقيقى للعمل يتجاوز حدوده الجمالية. فالفيلم يقدم نموذجًا للتمكين قابلاً للتكرار؛ شراكات مع مؤسسات تهدف لتمكين المرأة عبر الفن، وتحويل البنية الاجتماعية عبر إتاحة منصات للتعبير.