في واحدة من القصص الأثرية المدهشة التي تُعيد كتابة فصول من التاريخ المصري القديم، كشف الستار الدكتور عيسى زيدان، مدير عام الترميم ونقل الآثار بالمتحف المصري الكبير، ل"بوابة أخبار اليوم" عن أسرار جديدة تتعلق بالبداية الحقيقية لاكتشاف مقبرة الملك الذهبي توت عنخ آمون، مؤكداً أن أول دليل على وجود المقبرة تم العثور عليه قبل اكتشاف هوارد كارتر لها ب13 عامًا كاملة. وأوضح الدكتور زيدان أن المتحف المصري الكبير يحتفظ اليوم بإناء نادر مصنوع من الفاينس الأزرق، عليه اسم العرش الملكي لتوت عنخ آمون «نب خبرو رع»، وهو ما يمثل أول إشارة أثرية مؤكدة إلى وجود الملك ومقبرته الملكية في وادي الملوك قبل اكتشافها الأسطوري عام 1922. ◄ الاكتشاف الذي سبق العالم وأشار الدكتور عيسى زيدان إلى أن قصة هذا الإناء تعود إلى عام 1909، حين عثر عالم الآثار البريطاني إدوارد آيرتون على القطعة أسفل صخرة بالقرب من المقبرة المعروفة باسم KV58، والتي اكتشفها لاحقًا عالم الآثار إرنست هارولد جونز، وسُميت ب«مقبرة العربات» أو «المقبرة الحربية». وكانت تحتوي على رقائق ذهبية منقوشة بأسماء ملكية، بينها اسم توت عنخ آمون، مما أكد للعالم في ذلك الوقت أن هناك ملكًا شابًا مجهول المقبرة ما زال مدفونًا في مكان ما داخل وادي الملوك. وقال الدكتور زيدان إن هذا الإناء المعروض الآن داخل المتحف المصري الكبير ليس مجرد قطعة فنية من الفاينس، بل هو الدليل الأول الذي مهّد لاكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، مشيرًا إلى أن قيمته التاريخية لا تقل عن قيمة كنوز المقبرة ذاتها، لأنه أثبت للعالم أن الملك كان موجودًا فعلاً قبل أن يُكتشف جسده ومقبرته. ◄ من دليل صغير إلى أعظم اكتشاف في القرن العشرين وتابع الدكتور عيسى زيدان قائلاً: "هذا الإناء يُعتبر نقطة البداية في رحلة البحث عن الملك الذهبي. فعندما عُثر عليه عام 1909، أيقن علماء الآثار أن هناك مقبرة ملكية مفقودة تخص ملكًا اسمه توت عنخ آمون، لكن أحدًا لم يتمكن من تحديد موقعها". وأضاف أن تلك المؤشرات الأولى كانت السبب في استمرار عمليات التنقيب في وادي الملوك، حتى جاء هوارد كارتر عام 1917 بتمويل من اللورد كارنارفون ليبدأ رحلة البحث الكبرى. واستمرت الحفريات خمس سنوات كاملة دون جدوى، حتى جاء يوم 4 نوفمبر 1922، حين تم العثور بالصدفة على أول درجة من سلم المقبرة الشهيرة، على يد أحد الصبية العاملين، ليبدأ بذلك الاكتشاف الأعظم في تاريخ علم المصريات. ◄ شاهد من المتحف المصري الكبير وأوضح الدكتور زيدان أن إناء الفاينس النادر يُعرض حاليًا ضمن قاعات المتحف المصري الكبير في قسم خاص يوثق التاريخ الخفي لاكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون، حيث يمكن للزائرين مشاهدة هذا الدليل المادي الذي سبق لحظة المجد في 1922. وأكد أن هذا المعروض "يحمل بين طياته قصة مثيرة عن الصبر والإيمان بالعلم"، لأنه يثبت أن كل اكتشاف كبير يبدأ بتفصيلة صغيرة، وأن الملك الذهبي كان معروفًا لدى علماء الآثار قبل ظهور مقبرته للعالم. ◄ أسرار من قلب المتحف واختتم الدكتور عيسى زيدان تصريحاته قائلًا: "المتحف المصري الكبير لا يضم فقط كنوز توت عنخ آمون، بل يضم أيضًا أدلة وبراهين تروي القصة الكاملة لاكتشافه، من أول إناء الفاينس الذي حمل اسمه، إلى لحظة تتويج القناع الذهبي داخل فترينة عرضه الأبدية. هذه ليست مجرد آثار، بل وثائق حيّة تُجسّد عبقرية الحضارة المصرية في كل تفصيلة" . بهذا يكشف المتحف المصري الكبير عن فصل جديد من حكاية الملك الذهبي، ويُعيد للأذهان أن كل اكتشاف أثري هو رحلة طويلة من الإصرار والعلم والإيمان بخلود التاريخ.