في لحظة فارقة بتاريخ السياسة الأمريكية، نجح زهران ممداني، الشاب المسلم ذو ال34 عاماً، في تحقيق فوز ساحق بانتخابات رئاسة بلدية نيويورك، متفوقاً على الحاكم السابق أندرو كومو والجمهوري كورتيس سليوا، ليصبح أول مسلم وأصغر شخص يتولى هذا المنصب منذ عام 1892، حسبما أظهرت النتائج الأولية لمجلس انتخابات المدينة. نيويورك ستهزم ترامب في خطاب النصر الذي نقلته صحيفة نيويورك تايمز، وجّه ممداني رسالة صريحة للرئيس دونالد ترامب الذي شن هجوماً شرساً عليه طوال الحملة الانتخابية، قائلاً: "إذا كان هناك من يستطيع أن يظهر لأمة خانها دونالد ترامب طريقة هزيمته، فهي المدينة التي أوصلته إلى ما هو عليه". وأضاف بنبرة تحدٍ واضحة: "نيويورك ستكون النور في هذا الوقت من الظلام السياسي"، في إشارة لما اعتبره سياسات قاسية من إدارة ترامب، خاصة فيما يتعلق بمداهمات الهجرة التي وعد بمواجهتها عبر توظيف مزيد من المحامين لحماية سكان المدينة. حاول ترامب بشتى الوسائل إثناء الناخبين عن اختيار ممداني، حيث كتب على منصته "تروث سوشيال" بحسب ما أوردته وسائل إعلام محلية: "أي شخص يهودي يصوّت لزهران ممداني هو شخص غبي!"، متهماً إياه بأنه "يكره اليهود" بسبب مواقفه المؤيدة للقضية الفلسطينية، ووصفه ب"الشيوعي الذي لم يعمل يوماً في حياته"، بل ودعا أنصاره للتصويت لكومو المستقل بدلاً منه. من مغني راب إلى عمدة نيويورك ولد ممداني في كمبالا بأوغندا، ونشأ بين أوغندا وجنوب أفريقيا قبل انتقاله مع عائلته إلى نيويورك في السابعة من عمره، وفق ما ذكرته شبكة "سي ان ان". والده محمود ممداني، أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة كولومبيا، ووالدته المخرجة الهندية الشهيرة ميرا نير صاحبة أفلام "Monsoon Wedding" و"ميسيسيبي ماسالا". تلقى تعليمه في المدارس العامة بنيويورك، ثم التحق بمدرسة "برونكس" الثانوية المرموقة للعلوم، وحصل على شهادة في الدراسات الأفريقية من كلية بودوين، حيث أسس أول فرع طلابي لمنظمة "طلاب من أجل العدالة في فلسطين". حصل على الجنسية الأمريكية عام 2018، وتزوج هذا العام من الفنانة السورية الأمريكية راما دواجي. قبل دخوله السياسة، عمل ممداني مستشاراً إسكانياً لمساعدة أصحاب المنازل منخفضي الدخل على تجنب حجز منازلهم، وهي التجربة التي ألهمته خوض غمار العمل السياسي، كما عمل كمغني راب تحت اسم "Mr. Cardamom"، وشارك بأغنية في فيلم ديزني الذي أخرجته والدته عام 2016. استغل منافسوه هذا الماضي الموسيقي في إعلانات هجومية، لكن أحد مساعديه، قال لشبكة "سي ان ان" إن "الشجاعة في مواجهة الإحراج والقدرة على تقديم النفس للغرباء بطريقة سخيفة كانت من أهم أصول حملته". ثورة رقمية غيّرت قواعد اللعبة دخل ممداني السباق الانتخابي دون شهرة أو دعم مؤسسي، لكنه نجح في بناء حملة رقمية استثنائية حصد من خلالها 5 ملايين متابع على إنستجرام و1.6 مليون على تيك توك. أنتج سيلاً متواصلاً من مقاطع الفيديو باللغات الأردية والبنغالية والإسبانية والعربية، مستهدفاً المجتمعات المتنوعة في نيويورك، بحسب صحيفة نيويورك تايمز. من أبرز مقاطعه الفيديو التي حققت انتشاراً واسعاً كان عن "تضخم أسعار الحلال"، إذ أجرى مقابلات مع بائعي اللحوم في الشوارع وهو يتناول وجبة من الأرز واللحم، موضحاً كيف يؤثر نظام التصاريح المعقد على أسعار ما كان يُفترض أن يكون طعام شوارع رخيصاً. كما أجرى مقابلات مع ناخبين أيدوا ترامب في انتخابات 2024 بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، مركزاً على القضايا المعيشية اليومية للطبقة العاملة. برنامج جريء لمدينة عادلة ركز ممداني حملته على محاربة ارتفاع تكاليف المعيشة، مقدماً وعوداً طموحة بحافلات نقل عام مجانية، ورعاية أطفال مجانية، وتجميد الإيجارات في المساكن الخاضعة للتنظيم، ورفع الحد الأدنى للأجور، وتوظيف آلاف المعلمين الجدد، مع تمويل كل ذلك من ضرائب جديدة على الأثرياء وإعادة التفاوض على عقود المدينة. تكاتف أصحاب النفوذ من قطاعي العقارات والأعمال، القلقين من توجهاته الاشتراكية الديمقراطية، لدعم كومو وضخ ملايين الدولارات في لجان العمل السياسي المناهضة لممداني، محذرين من أنه سيُبعد أثرياء نيويورك ويثني الشركات عن العمل في العاصمة المالية للبلاد. لكن هذا الضغط ساعده على تصوير حملته كصراع بين الطبقة العاملة والمليارديرات، وفق ما أوضحته صحيفة نيويورك تايمز. تحديات المرحلة المقبلة رغم الفوز الكاسح، يواجه ممداني تحديات هائلة، إذ أعلنت حاكمة نيويورك كاثي هوكول، زميلته في الحزب الديمقراطي، معارضتها لرفع الضرائب اللازمة لتمويل أجندته، وفق ما ذكرته " بي بي سي"، كما أن مواقفه من القضية الفلسطينية ووصفه الحرب في غزة ب"الإبادة الجماعية"، ووعده باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إذا زار نيويورك، ستضعه في مواجهة مباشرة مع مؤسسات سياسية ومالية قوية. أشارت "بي بي سي" إلى أن فشل العمدة السابق بيل دي بلاسيو، الذي فاز قبل 12 عاماً بمنصة مماثلة لمعالجة عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية، يمثل تحذيراً لممداني الذي سيتعين عليه التعامل مع حدود سلطاته كعمدة وإيجاد توازن مع نخبة الأعمال التي انتقدها بشدة خلال حملته. مع ذلك، يحظى ممداني بدعم واسع من التقدميين مثل بيرني ساندرز وألكساندريا أوكاسيو كورتيز، وحصل على اتصال من الرئيس الأسبق باراك أوباما الذي عرض عليه "النصح والدعم"، بحسب نيويورك تايمز. سيتسلم ممداني منصبه رسمياً في الأول من يناير المقبل، محملاً بآمال اليسار الأمريكي وتحت مجهر النقد الجمهوري، في رهان على إثبات أن الأفكار التقدمية يمكن أن تنجح في أكبر مدن أمريكا.