بينما يحتفل العالم بافتتاح المتحف المصري الكبير، تعود إلى الواجهة واحدة من أعظم قصص الهندسة المصرية الحديثة، بطلها الدكتور الراحل المهندس أحمد محمد حسين، أستاذ الهندسة بجامعة عين شمس، وصاحب فكرة نقل تمثال رمسيس الثاني واقفًا من ميدانه الشهير إلى موقعه الحالي أمام المتحف الكبير، في إنجاز هندسي أبهر العالم وتحدى المستحيل. إنها حكاية العقل المصري حين يواجه العالم بالعلم والإصرار، وحين يكتب من الحجر والحديد ملحمة توازي بناء الأهرامات نفسها في رمزيتها ودقتها. في عام 2004، صدر قرار تاريخي بنقل تمثال الملك رمسيس الثاني من ميدان رمسيس وسط القاهرة إلى ساحة المتحف المصري الكبير، بعدما أثرت عليه الاهتزازات والتلوث الناتج عن القطارات والسيارات على مدى عقود. التمثال الذي يزن 83 طنًا ويبلغ ارتفاعه أكثر من 11 مترًا، شكّل معضلة هندسية عالمية، دفعت كبرى الشركات الأجنبية إلى اقتراح نقله بعد تفكيكه إلى أجزاء أو نقله وهو مستلقيًا على شاحنة عملاقة لتجنب خطر الميل أو الانقلاب. لكن المفاجأة جاءت من المهندس المصري أحمد محمد حسين، الذي لجأت إليه شركة المقاولون العرب لتحليل مخاطر المشروع. رفض الرجل كل الاقتراحات الأجنبية، وقال بثقة العالم والعالِم: "رمسيس يجب أن يظل واقفًا.. كما عاش وكما سيُعرض أمام المتحف الكبير" . اقرأ أيضا| المتحف المصري الكبير في عيون خبراء العالم: «سيبهر شعوب الأرض» كانت الفكرة أقرب إلى المغامرة، إذ حذّرت الشركات الألمانية والفرنسية من سقوط التمثال أثناء المرور على الكباري والمنحنيات، واعتبرتها «مهمة مستحيلة». لكن الدكتور حسين صمم نظامًا ميكانيكيًا دقيقًا يجعل التمثال يتزن ويتأرجح على العربة في نطاق محدد، بحيث يمتص أي اهتزاز دون أن يفقد مركز ثقله. وبالفعل، جرى تصنيع معدات خاصة في مصانع المقاولون العرب، واستُخدم ونش ضخم بسعة 475 طنًا لتنفيذ العملية تحت إشراف مباشر منه، وبمشاركة فريق هندسي مصري بالكامل. وفي صباح 25 أغسطس 2006، تحرك تمثال رمسيس في موكب مهيب استمر لساعات، وسط تغطية إعلامية عالمية وهتافات آلاف المصريين الذين اصطفوا لتحيته وهو يودّع الميدان في رحلته إلى المتحف الكبير. ونجحت التجربة بدقة مذهلة دون خدش واحد في التمثال، ليكتب المهندس أحمد حسين صفحة خالدة في سجل العبقرية المصرية الحديثة. وعلى الرغم من أن اسمه لم يُذكر كثيرًا في وسائل الإعلام آنذاك، إلا أن زملاءه في كلية الهندسة يصفونه اليوم بأنه "حارس المتحف المصري الكبير" الرجل الذي أعاد رمسيس إلى مجده، وقدم درسًا للعالم في أن الهندسة ليست معادلات فحسب، بل شغف وحب للوطن. اليوم، ومع افتتاح المتحف رسميًا، يُستعاد اسم الدكتور أحمد محمد حسين كأحد رواد الهندسة المصرية المعاصرة، وكعقل وطني آمن بأن حضارة الأجداد لا تُصان إلا بأيدي الأحفاد.