كيسٌ بلاستيكي مُلقى على الأرض هو، فى نظر الكثيرين، مجردُ قمامةٍ لا قيمةَ لها، مثيرة للسخط تستدعى فى الأذهان حلم الحصول على بيئة نظيفة.. نفس الكيس بالنسبة إلى «النبّاش» فرصةً للرزق، و«لقمة عيش» بما يحتويه من عناصرَ قابلةٍ لإعادة التدوير. أمّا المهتمّون بشئون البيئة، فيرونه «كابوسًا» بطله الكيس ليس مجرد نفايةٍ عابرة، بل مادةٌ خطِرة تستغرق آلاف السنين لتتحلل، تاركةً خلفها بصمةً سامةً لا تُمحى على الأرض والماء والهواء، ولذلك تتجسّد فى مخيلة المهتمين بالبيئة مشاهدُ متفرقة، أشبه بلقطاتٍ من فيلم رعبٍ طويل الأمد. سلحفاةٌ بحرية تبتلع كيسًا شفافًا ظنًّا منها أنه قنديلُ بحر، لينتهى بها الأمر مختنقةً ثم منقرضةً على المدى الطويل، وأسماكٌ تمتلئ أجسادها بجزيئاتٍ دقيقةٍ سامةٍ تنتقل لاحقًا إلى موائد البشر، وأكياسٌ تمنع التربة من التنفّس، وتسدُّ مجارى الصرف، بينما يؤدّى حرقها ضمن القمامة إلى إطلاق غازاتٍ ضارّةٍ بالإنسان، وتزيد من حِدّة الاحتباس الحرارى. لكن ما لا نراه أخطر مما نراه، فالبلاستيك لا يختفى، بل يتفتّت ببطء إلى جزيئاتٍ دقيقة تُعرف ب«المايكروبلاستيك» تتسلّل إلى الكائنات البحرية ثم إلينا نحن.. وكشفت الأبحاث عن وجود تلك الجزيئات فى الدم والرئتين والمشيمة، حاملةً معها موادَّ كيميائية تهدّد صحة الأجيال القادمة.. هل تتخيل أن جسدك يبتلع كلَّ أسبوعٍ ما يعادل وزنَ بطاقةِ ائتمانٍ من البلاستيك؟ ولأن اليأس لم يَعُد خيارًا، بدأ العالمُ يتحرك، فبعض الدول مثل كينيا ونيوزيلندا وإمارة أبوظبى حظرت الأكياسَ البلاستيكية تمامًا، بينما فرضت دولٌ أخرى رسومًا مرتفعةً للحد من استخدامها، كما ظهرت البدائلُ المستدامة مثل الأكياس القماشية القابلة لإعادة الاستخدام، والأكياس القابلة للتحلّل الحيوى المصنوعة من موادَّ طبيعية مثل نشا الذرة، وفى مصر قطعنا شوطًا مهمًا بعد تفعيل قانون تنظيم إدارة المخلفات؛ إذ تم حظرُ استخدام الأكياس البلاستيكية بمحافظة البحر الأحمر، وتشجيعُ المصنعين على التحوُّل إلى البدائل الآمنة، كما قدّمت الدولةُ حوافز استثماريةً لدعم صناعة الأكياس الورقية والقماشية، إلى جانب وضع مواصفاتٍ قياسيةٍ لضمان جودة المنتجات المتداولة، وهذا التحركُ الرسمى يؤكد أن الخيارَ الأخضرَ أصبحَ استراتيجيةً وطنية، نتمنى أن تمتدّ إلى باقى المحافظات قريبًا. إنقاذُ الأرض لا يحتاجُ معجزةً، بل يبدأُ بخطوةٍ صغيرة، خيارٌ بسيط، كأن تحملَ حقيبةً قماشية بدلًا من كيسٍ بلاستيكى قد يكون الفارقَ بين كوكبٍ يختنق وآخرَ يتنفس، لعلّ فيلمَ الرعب يتحوّلُ إلى قصةِ أملٍ ونجاة.