فى المنطقة الحرة بالعين السخنة، تبرز قصة جديدة تروى صراع قلاع الصناعة الوطنية من أجل البقاء والعودة بقوة، إنها قصة مصنع بلوكات الأنود الكربونية، الذى لم يكن مجرد مبنى صناعى متوقف، بل كان رمزًا لتحديات الصناعة فى مصر، نجحت مجهودات الحكومة فى عودته للحياة من جديد، وتم كسر الصمت الذى خَيَّم على أروقة المصنع بعد توقف تجاوز العامين، وعادت الآلات العملاقة لدورة الحياة والإنتاج والعمل وتحقيق الأرباح والتصدير للخارج وجذب عملة صعبة للدولة. وتم التشغيل التجريبى للمرحلة الأولى من مشروع إعادة تأهيل مصنع بلوكات الأنود الكربونية بعد فترة توقف تجاوزت العامين، حيث تبلغ الطاقة الإنتاجية للمرحلة الأولى نحو 125 ألف طن، ومن المقرر أن تصل إلى 250 ألف طن سنويًا بانتهاء تنفيذ المرحلة الثانية خلال الربع الأول من عام 2026، بما يعزز القدرة التنافسية للمنتج المصرى ويدعم صادرات الصناعات المعدنية. اقرأ أيضًا | إعادة تشغيل مصنع بلوكات الأنود الكربونية بالعين السخنة تُعد الشركة المصرية لبلوكات الأنود الكربونية، من أوائل الشركات المتخصصة فى تحميص الفحم البترولى الأخضر بمنطقة الشرق الأوسط، وشملت المرحلة الأولى من إعادة التأهيل – التى انطلقت مايو 2025 – تنفيذ أعمال تطوير شاملة للبنية التحتية وخطوط الإنتاج، تضمنت تغطية أحواض الفحم الأخضر بمساحة 15,6 ألف مربع للحفاظ على البيئة وجودة المادة الخام، إحلال وتجديد منظومة الإطفاء بالكامل، وإضافة نظام إطفاء تلقائى بالمناطق الحيوية.. كما تَمَّ إنشاء وحدة معالجة مياه جديدة وإجراء معالجة كيميائية لشبكة المياه لتحسين جودة التشغيل والحفاظ على المُعدات، إعادة تأهيل الأفران والمبادلات الحرارية ومبرد الفحم والسيور والفلاتر، مع إضافة صومعة لتجميع الغبار من الفلاتر الرئيسية للحفاظ على البيئة وتحسين جودة المنتج..ومن المُتوقَّع، عقب استكمال الأعمال الفنية وتأهيل مبرد الفحم الثانى، أن يبلغ حجم الإنتاج السنوى للمصنع نحو 250 ألف طن، بعوائد تُقَدَّر ب97 دولارًا عن «كلسنة» كل طن مترى، بما يعزز الإيرادات ويحقق الاستدامة التشغيلية للمشروع. إحياء الشركة وخلال جولة «الأخبار» داخل موقع الشركة المصرية لبلوكات الأنود الكربونية، إحدى شركات القابضة للصناعات المعدنية، التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام، وجدنا أن هناك مشروعًا قوميًا أعيد إحياؤه من جديد، ودبت فيه نبض الحياة، بعد أن كان مقررًا بيعه العام الماضى، واستعاد المصنع شبابه وباتت الحركة بداخله متسارعة، وعادت الشاحنات التى تحمل الفحم البترولى الأخضر «المادة الخام» للتوافد من جديد، بعد أن تم الإعلان عن تشغيل المصنع تجريبيًا مطلع أكتوبر الجارى. وجدنا خلال الجولة، أن المصنع تحول إلى خلية نشاط منظمة، والهواء أصبح يحمل مزيجًا من حرارة عملية «الكلسنة» المنبعثة من الأفران الدوارة، وسط ضجيج خطوط الإنتاج التى عادت للدوران، وعادت الثقة من جديد للعمال بعد أن كان الخوف يسيطر عليهم، وأصبح المهندسون والفنيون المصريون، الذين خضعوا لبرامج تدريب مكثفة على المُعدات والتقنيات الجديدة، هم الآن القوة الدافعة خلف هذا المشروع. أصوات الآلات تحدثت «الأخبار» مع عدد من عمال مصنع بلوكات الأنود الكربونية بالعين السخنة، والمُلاحظ أن أغلب الأيدى العاملة من فئة الشباب، وعلى بُعد خطوات من الأفران العملاقة التى عادت لتنبعث منها حرارة «الكلسنة»، تحدثنا مع يحيى الجعفرى، فنى صيانة، الذى أبدى سعادته ولم يخف فرحته بعودة صوت الآلات الدائرة ورائحة الفحم المتناثرة فى المكان.. أضاف الجعفرى، أنهم تلقوا تدريبات مكثفة للعودة مجددًا للعمل، ويقوم المصنع بتحميص الفحم وتصديره للخارج، حيث يدخل فى صناعات متعددة مثل صناعة الألمنيوم والحديد. فيما كشف إبراهيم عباس فنى صيانة، أن الفحم يمر بعدة مراحل منها تخرين الفحم الأخضر داخل الأحواض، حتى يتم وضعه داخل السيور الناقلة، بالإضافة إلى أنه يوجد صوامع لتخزين الفحم الأخضر، وفرن للكلسنة، ومبرد الفحم، والمبادلات الحرارية، وصوامع تخزين الفحم المحمص، وحدة التحكم، ومعامل ضبط الجودة.. وأشار عباس، إلى أن طبيعة عمله تكمن فى صيانة أى أعطال تحدث أثناء عملية العمل والإنتاج، بجانب القيام بالصيانة الدورية لخطوط الإنتاج المختلفة، للرفع من كفاءة المُعدات والآلات، ولم يخف ابتسامته وفرحته بعد عودة العمل قائلًا: «احنا دلوقتى بنشتغل ب100% من طاقتنا، عشان نثبت أننا نستاهل الثقة دى، والعودة دى رد اعتبار لينا كلنا، وإثبات إن مجهودنا له قيمة.. الحمد لله تعبنا السنين اللى فاتت ماراحش على الفاضى». فيما قال محمود عفيفى، فنى إنتاج، إن طبيعة عمله تحتاج لمجهود وحركة كثيرة صعودًا ونزولًا لمتابعة حركة السير أثناء عملية الإنتاج، ومتابعة كمية الفحم أثناء مرورها من على السير، معبرًا عن سعادته بعودة الشركة للإنتاج مرة أخرى. دعم الصناعة وزير قطاع الأعمال المهندس محمد شيمى، قال إن إعادة تشغيل المصنع تمثل خطوة مهمة فى مسار دعم الصناعة الوطنية وتعظيم القيمة المضافة من الموارد المحلية، مشيرًا إلى أن المصنع يُعد ركيزة رئيسية فى سلاسل إنتاج الألومنيوم، كما يسهم فى زيادة الصادرات وتوفير عوائد دولارية، فضلًا عن توفير منتج عالى الجودة يخدم قطاعات صناعية استراتيجية فى مصر. وعن كيفية عودة العمال بعد توقف المصنع لمدة عامين، أوضح الوزير، أن الشركة يعمل بها 148 عاملًا خلال الوقت الحالى، وعند التوسعات المستقبلية يصل العدد إلى 300 عامل، وتم تأهيل جميع العمال لمواكبة التطور، ونهتم بصحة الجميع ولا نقبل بإصابة أى عامل، قائلًا: «عندنا عمال ألماظ» داخل شركة الأنود، وأغلبهم شباب، كاشفًا أنه تم وضع مرتبات محفزة، حتى يعود العمال للعمل مرة أخرى. إعادة الهيكلة وأضاف شيمى، أن المصنع بدأ إنشاؤه عام 2011، وتم تشغيله عام 2015، إلى أن توقف عام 2023، وكان فى طريقه للبيع والتصفية، ولكن تَمَّت إعادته للحياة والعمل بعد القضاء على المشاكل السابقة، ويخضع حاليًا للإدارة من جانب الوزارة، وتَمَّت عملية إعادة الهيكلية. وأوضح المهندس محمد شيمي، أن أعمال إعادة التأهيل جاءت فى إطار توجه الدولة واستراتيجية عمل الوزارة بتطوير الأصول الصناعية المتوقفة وتحويلها إلى كيانات إنتاجية فاعلة، مشيرًا إلى أن المشروع يتم بالتعاون مع شركة بريتش بتروليوم العالمية (BP)، بموجب اتفاقية تم توقيعها يناير 2025، بحضور الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، وتهدف إلى استكمال أعمال التأهيل بتمويل مُسبق من أنشطة تحميص الفحم المخططة خلال السنوات الخمس المقبلة. عوائد دولارية وكشف شيمى، أن منتجات المصنع يتم تصديرها للخارج بعقد مدته 5 سنوات، ومن المُتوقع أن نحقق عائدًا يصل إلى 30 مليون دولار العام المقبل، بعد تشغيل المرحلة الثانية مطلع 2026، ومضاعفة الطاقة الإنتاجية.. وشدد المهندس محمد شيمى، على ضرورة الالتزام بالجدول الزمنى المُحدد لأعمال التنفيذ والتشغيل، وأعلى معايير السلامة والجودة وتحسين بيئة العمل، مشيدًا بجهود العاملين بالشركة فى إنجاز المرحلة الأولى بكفاءة عالية، وأكد أن الوزارة تتابع عن كثب، الموقف التنفيذى للمشروع، وتعمل على تذليل أى تحديات لضمان استمرار التشغيل وتحقيق الاستدامة الإنتاجية. الطاقة الإنتاجية وأشار الوزير، إلى أن الطاقة الإنتاجية للمرحلة الأولى من المشروع تبلغ 125 ألف طن، ومن المقرر أن تصل إلى 250 ألف طن سنويًا بانتهاء تنفيذ المرحلة الثانية خلال الربع الأول من عام 2026، بما يعزز القدرة التنافسية للمنتج المصرى ويدعم صادرات الصناعات المعدنية، وأكد أن الوزارة تسعى من خلال هذا المشروع إلى تعزيز التعاون مع كبرى الشركات العالمية وتحقيق التكامل الصناعي، بما يسهم فى بناء قاعدة صناعية قوية تدعم الاقتصاد الوطنى وتوفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة.