يعكس التحرش خللا عميقًا في سلوكيات البعض منا ويتطور الامر إلى مواجهات عنيفة تنتهي بوقوع جرائم قتل إما بدافع الدفاع عن النفس أو الغير مثلما حدث في الواقعة التي بين أيدينا؛ باختصار الحكاية بدأت داخل ميكروباص مزدحم بالركاب، بجريمة قتل بشعة هزت وقائعها منطقة التجمع الخامس، حيث أقدم السائق على قتل موظف بعد أن دفعت الأخير نخوته لإنقاذ فتاة حاول السائق التحرش بها، بينما يحاول المجني عليه منع المتهم من التحرش بها، ينهال عليه السائق دون رحمة بعدة طعنات نافذة بأماكن متفرقة بجسده لتستقر الأخيرة في رقبته بأداة حادة «مفك» وجرح قطعي في الرأس مما أدى لإزهاق روحه وتمكن الركاب والأهالي من الإمساك بالمتهم وتسليمهم لرجال الشرطة. الحكاية بدأت فصولها في أحد احياء منطقة المعادي وتحديدًا داخل بيت بسيط بميدان أبو عبده بجوار مستشفى الريان عرب المعادي، حيث نشأ بطل قصتنا الشهم «عبد الرازق إسماعيل»، شاب يبلغ من العمر 23 عاما، يعيش مع أسرته في بيت عائلته المكونة من أب وأم وثلاثة أشقاء يعمل عبد الرازق مشرفًا بإحدى الشركات العقارية بالتجمع الخامس، عبد الرازق شخص مثقف وطموح أحلامه كثيرة يسعى لتحقيقها، بنى نفسه بنفسه وبين جيرانه معروف عنه الطيبة وحسن الخلق، يعيش هو وأسرته في حالهم، ليس لديهم أي خلافات مع أحد والجميع يشهد لهم بالاحترام، بعدما حصل على شهادته، تزوج قبل عام وانجب طفلته «تالا» قبل شهر ويعيش السعادة والفرحة مع اسرته وأفراد عائلته، لكن سرعان من تبدلت سعادته وفرحه إلى حزن عندما دفعته شهامته للدفاع عن فتاة من التحرش وتعدى المتهم عليه وضربه بآلة حادة أودت بحياته ويسقط قتيلا وسط دهشة الجميع بعدما حاولوا الدفاع عنه. مكالمة هاتفية استيقظ «عبدالرازق « صباح يوم الحادث سعيدا يشعر بالأمل والتفاؤل وتبادل اطراف الحديث مع زوجته، لكنه لم يعلم ما الذي ينتظره في الخارج، طلب منها أن تعد له الإفطار وأخبرها أنه سيتوجه إلى العمل بعد صلاة الجمعة فهو عمل إضافي لتحسين دخله خاصة بعد أن أصبح لديه ضيف جديد يسعد حياتهما ابنته»تالا» التى أتت قبل 30 يوما، توجه الابن إلى بيت والديه للاطمئنان عليهما وكأنه يودعهما دون أن يدري، طلب من والدته ان تدعو له بالتوفيق والنجاح في عمله، قضى بضع ساعات مع أسرته وعائلته ومر الوقت وجاء وقت صلاة الجمعة، توجه عبد الرازق إلى المسجد وبعد الصلاة خرج متجهًا إلى عمله، مرت ساعات العمل الطويلة، وفي تمام الساعة السابعة مساءً هاتف عبد الرازق زوجته ليخبرها بخروجه من الشركة يسألها كعادته إن كانت تريد شيئا في طريق عودته، ليأتيه نفس الرد منها، «ترجع لنا بألف سلامة يا حبيبي»، ولكن تأخر الوقت ولم يعد عبد الرازق، شعرت زوجته وامه بالقلق لعدم رده على الهاتف وتأخره عن موعد رجوعه، بدأ القلق والخوف يتسربان إلى صدور الجميع واثناء ذلك تلقى شقيق المجني عليه يدعى «أحمد» مكالمة هاتفية علم بعدها أن شقيقه تعرض لحادث مؤلم وطلب منه ضابط المباحث التوجه إلى المستشفى، اسرع شقيقه وأسرته الى هناك على أمل أن تكون الإصابة بسيطة، ولكن عقب وصولهم تفاجأوا انه ليس مصابًا بل جثة في ثلاجة المستشفى وما وجودهم إلا كي يتعرفوا عليها. سيناريو الجريمة كانت عقارب الساعة تشير إلى السابعة والنصف مساء ذلك اليوم المشئوم؛ توجه عبد الرازق بعد خروجه من الشركة التي يعمل بها إلى موقف الميكروباص قاصدًا العودة إلى منزله، وبعدما انطلق السائق بالسيارة بعدما اكتمل العدد، حدثت مشادة بين السائق وإحدى الفتيات وانتهى الامر بتعدي السائق على الفتاة بألفاظ خادشة بعد مضايقات تحرش لفظي بها، صرخت الفتاة تستغيث في وجه السائق، شهامة ونخوة عبد الرازق وقفت حائلا للدفاع عن الفتاة ومنع السائق من التعدي عليها بالألفاظ البذيئة والشتائم والتحرش بها،عاتبه على أفعاله هذه، ظن أنه سيرتجع ويعتذر عما بدر منه في حق الفتاة، لكن ما لم يتوقعه أحد أن تعدى السائق بآلة حادة على عبد الرازق وسقط غارقا في دمائه، اتصل بعض الركاب بالإسعاف ونقل إلى أقرب مستشفى ولكن لفظ أنفاسه الأخيرة على بابها، وبدورها أخطرت المستشفى الأجهزة الأمنية. بلاغ تلقت الأجهزة الأمنية إخطارًا من مستشفى القاهرة الجديدة يفيد بوصول شاب في بداية العشرينيات من عمره برفقته بعض الناس مطعون في ذراعه ومضروب بآلة حادة في رقبته، على الفور تشكل فريق بحث وتوجه إلى محل البلاغ وعقب الفحص والمعاينة، أمر رجال المباحث بالتحفظ على الجثة تحت تصرف النيابة، وبمناقشة الشهود الذين رافقوا المجني عليه قالوا، أنه تدخل لمنع السائق ومن معه من التحرش بالفتاة وفور ذلك توجه فريق البحث إلى الشارع محل الحادث واستمعوا لأقوال بعض شهود آخرين، وتفريغ الكاميرات المحيطة والتحفظ عليها، بعدها وضع فريق البحث الاكمنة وفي ساعات قليلة تمكن رجال المباحث من إلقاء القبض على المتهم بعدما حاصرت سيارته على الطريق قبل فراره، ليعترف بارتكابه الجريمة، وامرت النيابة بحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيقات وتشريح جثة المجني عليه لبيان سبب الوفاة. شهود تواصلنا مع نجل عم المجني عليه يدعى «أحمد جميل» قال:»حتى هذه اللحظة كلنا عائلته والجيران مش مصدقين اللي حصل وأنه فارق الدنيا بهذا الشكل،هو عاش راجل ومات راجل ربنا يحتسبه من الشهداء، يوم الوقعه انا تلقيت الخبر نزل عليّ زي الصاعقة، جرينا أنا ومحمد اخوه للمستشفى وفاكرين انها حادثة وانه مصاب إصابات خفيفة، طلع الموضوع كبير كان بيدافع عن فتاه حاول السائق التحرش بها، خبر القبض على السائق المتهم بعد ساعات قليلة ريح قلبنا، لكن عبد الرازق مش هيرتاح في قبره إلا بعد ما يلقى المجرم الجزاء الذي يستحقه ونحن على ثقة من ذلك، زوجته وأمه وأبوه واخواته في حالة نفسية يرثى لها، حزن ووجع علي ابنهم الشاب،ربنا يصبرنا ويصبر زوجته، تيتمت ابنته الصغيرة التي لن تكمل شهرًامن عمرها». اقرأ أيضا: ضبط عامل «الدليفري المتحرش» بحدائق الأهرام