فى منتصف يونيو الماضى عقد فى عاصمة النمسا فيينا مؤتمر تحت عنوان (ضد الصهيونية ) تأتى أهمية المؤتمر أن من دعا إليه وأقامه أكثر من 500 شخصية يهودية يمثلون يهود العالم وكلهم شخصيات يهودية مؤثرة على المستوى الثقافى والسياسى فى المنظومة الغربية من الولاياتالمتحدة إلى أوروبا وأيضا الناجين اليهود من الهولوكست. كانت الدلالة الفارقة لهذا المؤتمر هى مكان انعقاده حيث خرج من النمسامسقط رأس تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية واختارت هذه الشخصيات نفس المكان لمحاربة الفاشية الصهيونية ، رغم أن المؤتمر لم يحظ فى وقت انعقاده بتغطية إعلامية موسعة من وسائل الإعلام الغربية لأسباب معروفة لكن تأثيره على مدار الشهور الماضية كان واسعًا. أول هذه التأثيرات هى تحرر النخب الغربية فى أوروبا والولاياتالمتحدة من خوف انتقاد الصهيونية والحكومة الفاشية فى إسرائيل تحت مسمى معادة السامية وهذا لأن 500 شخصية يهودية عالمية وناجين من الهولوكست أصدروا إعلان فيينا عقب مؤتمرهم ويصرخون فى إعلانهم بأن الفاشية الصهيونية لا تمثل الدين اليهودى بل الصهيونية ماهى إلا حركة عنصرية تعمل فى خدمة الاستعمار لتحقيق أهدافه ويجب تفكيكها بالكامل وإعطاء الشعب الفلسطينى كافة حقوقه العادلة. الأمر الآخر الذى جاء فى هذا الإعلان الهام والموجه للنخب الغربية أن إسرائيل التى تحكمها الفاشية الصهيونية لا تمثل الدين اليهودى ولا يهود العالم وأن انتقاد ما تفعله لا يعنى معادة السامية بل هذا الانتقاد موجه لحركة فاشية عنصرية تخدم الاستعمار. لم يفلح التجاهل الإعلامى للمؤتمر أو هجوم أبواق الفاشية الصهيونية على الشخصيات اليهودية التى نظمت المؤتمر فى كتم هذه الأصوات الحرة فخلال أربعة أشهر ظهر تأثير هذه الدعوة العادلة على النخب الأوروبية السياسية والثقافية التى حركت الأنظمة الحاكمة وتوالت الاعترافات الأوروبية بدولة فلسطين. امتد هذا التأثير إلى الولاياتالمتحدة ووسائل الإعلام غير التقليدية وغير الخاضعة لسطوة الفاشية الصهيونية ولعل الأشهر فى هذا تاكر كارلسون الذى وجه فيما يقدمه من محتوى على السوشيال ميديا الانتقاد إلى الإدارات الأمريكية السابقة والحالية من خلال أسئلة متوالية لماذا تدعم الولاياتالمتحدة هذا الإجرام الصهيونى؟ ولماذا يسيطر حكام تل أبيب المتطرفين على القرار الأمريكى؟ وماهى الفائدة التى تعود على الولاياتالمتحدة من هذا الدعم غير المحدود؟ لقد قامت هذه الشخصيات اليهودية بعمل فارق عندما حاولت تبرئة معتقدها الدينى من إجرام الفاشية الصهيونية وأن متطرفين أمثال نتنياهووإيتمار بن غفيروبتسلإيل سموتريش لايمثلون يهود العالم بل يجب تقديمهم إلى العدالة الدولية لمحاكمتهم على ما اقترفوه من جرائم إبادة جماعية فى حق الشعب الفلسطينى الأعزل. الآن تلوح بوادر سلام فى الشرق الأوسط عقب الخطة التى تقدم بها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لإنهاء الحرب الإجرامية على الشعب الفلسطينى فى غزة، لكن بعد الحرب وقبل السلام الذى يرجوه كل عاقل يجب أن يطرح المجتمع الدولى عددًأ من الأسئلة على نفسه ماهى السبل حتى لا تتكرر حرب على هذه الدرجة من البشاعة ؟ كيف يمكن للسلام الذى نرجوه أن يكون دائمًا وغير مهدد بهجمة إجرامية ثانية ؟ لماذا تسقط الإنسانية فى هذه الوحشية رغم ادعاء البعض أن المجتمع البشرى وصل إلى أعلى درجات التحضر؟ من المستفيد من سيطرة أجواء الحروب وخنق روح السلام فى العالم؟ تتجلى الإجابة على هذه الأسئلة عند النظر لخريطة الصراع الشرق أوسطى بشكل أعمق، فلم تكن الأديان تبشر بالحروب والإبادة، بل كانت دعوة سلام ومحبة لكن من يشعل الحروب ويتلذذ بالمجازر وقتل المستضعفين وخدمة مصالح الاستعمار، هى الفاشية الدينية بصورها المتعددة واحدة منها الفاشية الصهيونية وأيضا الفاشية الإخوانية والفاشية المسيحية الصهيونية المتوطنة فى الولاياتالمتحدة إنه مثلث عظيم الشر يعمل على جر الإنسانية إلى الخراب والدمار بسبب أفكار جنونية تسيطر على رؤوس من يعملون لصالح الفاشية. لا تريد الفاشية الدينية بصورها الثلاث أى سلام أو ترغب فى حياة مستقرة للشعوب فهى تسعى دائما لتحقيق أفكارها الجنونية على أرض الواقع من إسرائيل الكبرى إلى أستاذية العالم إلى معركة هرمجدون ولايهم هنا ملايين الضحايا والدماء التى تسيل والخراب الذى يقع فى كل بلد. لن نجد فرقًا بين بن غفيرو سموتريش فى الفاشية الصهيونية والبنا وقطب وبن لادن والدواعش فى الفاشية الإخوانية وجون هاجى وباولا وايت وبات روبنسون فى الفاشية المسيحية الصهيونية فكل هؤلاء يتعايشون على الحقد الذى يولدونه تجاه بعضهم البعض وتجاه الإنسانية. ليس فقط الجنون هو من يحرك الفاشية الدينية لكن أيضا المصالح، فعن طريق السيطرة على عقول المغيبين باسم الدين والدين منهم براء يتكسبون المال الحرام ويديرون مؤسسات ممتدة عبر العالم وظيفتها انتزاع أموال البسطاء وتبرعات الأغنياء السائرين وراء أفكارهم الزائفة التدميرية. يأتى الاستخدام الأخطر للفاشية الدينية بصورها الثلاث عن طريق الاستعمار القديم والحديث وعلى رأس هذا الاستعمار بريطانياوالولاياتالمتحدةالأمريكية فهما الراعى الرسمى للفاشية الدينية. أنتجت بريطانيا الاستعمارية كلا من الفاشية الصهيونية والفاشية الإخوانية فى القرن العشرين من خلال وعد بلفور والرعاية المستمرة للعصابات الصهيونية حتى إعلان وجود إسرائيل وعلى الناحية الأخرى أسست جماعة الإخوان بمصر تحت قيادة حسن البنا ولم تتخل عن الفاشية الإخوانية حتى الآن حيث تحتضن لندن قيادات الجماعة الإرهابية وترعى آلة الدعاية السوداء الخاصة بالجماعة الفاشية. ورثت القوة الاستعمارية الحديثة أو الولاياتالمتحدة عن الامبراطورية البريطانية الآفلة عقب الحرب العالمية الثانية الفاشية الصهيونية والإخوانية وتولت رعايتهما وحمايتهما بكل الوسائل لكن تفردت الولاياتالمتحدة بصناعة الفاشية الخاصة بها وهى الفاشية المسيحية الصهيونية والتى أصبحت متحكمة فى جانب كبير من القرار السياسى الأمريكى وتديره لصالح الفاشية الصهيونية وفى نفس الوقت ترفض تصنيف الفاشية الإخوانية كتنظيم إرهابى لأن صانع القرار الأمريكى يعلم جيدا أن الفاشية الدينية بصورها الثلاث تخدم مصالحه الاستعمارية خاصة فى منطقة الشرق الأوسط. يمكن لأى مراقب بسهولة متابعة آثار الدمار والخراب الذى تسببه الفاشية الدينية بصورها الثلاث فى منطقتنا فالثلاثة يخلقون لبعضهم البعض اسباب إشعال الحروب ولا مانع أن تمول الفاشية الصهيونية الفاشية الإخوانية حرصًا على بقائها وتقسيم الشعب الفلسطينى أو تتعاون الصهيونية والإخوانية فى تمزيق سوريا وإفراغ هذا البلد العربى من معنى الوطن وهنا تهلل آلة الدعاية الإخوانية للخيانة وبيع الأوطان معتبراه فتحًا وانتصارًا مبينًا. لاتغيب الفاشية المسيحية الصهيونية عن مشهد الدمار فى الشرق الأوسط من خلال مندوبيها القادمين من واشنطن والمنتشرين فى منطقتنا أو المتواجدين داخل البيت الأبيض نفسه فإدارة ترامب أنشأت مكتب الإيمان تحت رعاية أمه الروحية باولا وايت حتى تكون كل القرارات التى نرى آثارها التدميرية ذات صبغة ونفحة إيمانية، لا تكتفى الفاشية المسيحية الصهيونية بالتدخل فى القرار السياسى الأمريكى بل هى تقدم دعمًا مباشرًا للفاشية الصهيونية عن طريق ملايين الدولارات التى تنهال على زعماء الصهيونية دون توقف، وفى نفس الوقت تقدم دعمًا غير مباشر للفاشية الإخوانية بتعظيم دورها وإعطائها مساحة للحركة بحرية سواء داخل الولاياتالمتحدة نفسها أو فى البلاد المنكوبة بوجودها فيها. بالتأكيد المصالح الاستعمارية الأمريكية لا تعرف دينًا أو عقيدة وتستخدم الإرث الشيطانى الذى ورثته عن بريطانيا أو ماصنعته هى بنفسها لخدمة هذه المصالح ونهب الشعوب والهيمنة على الدول و أمام هذه السطوة الإجرامية للفاشية وما تقدمه من خدمات للمصالح الاستعمارية ستشتعل الحروب دائما ويظل السلام مهددًا، هذا إن تحقق سلام وهنا يجب أن نتساءل هل تظل الإنسانية والمجتمع الدولى فى قبضة هذا المثلث الإجرامى الخطير؟ يقودنا هذا السؤال إلى سؤالين آخرين من يواجه؟ وكيف نواجه ؟ لإنقاذ الإنسانية وتحرير المجتمع الدولى من كارثية الفاشية البغيضة، يشير السؤال الأول إلى إجابة جلية واضحة وهى الأمة المصرية بتاريخها وتسامحها وخبراتها وانتصاراتها فى مواجهة الفاشية الدينية بصورها الثلاث. تصدت الأمة المصرية منذ لحظة الظهور الأولى للفاشية الصهيونية وخاضت المعارك فى مواجهتها وكشفت حقيقتها كرأس حربة للاستعمار حتى انتصرت عليها وأنهت غطرستها فى حرب أكتوبر المجيدة والأمة المصرية هى من أطاحت بالفاشية الإخوانية ووقفت صامدة بعزم رجالها الأبطال من القوات المسلحة والشرطة تواجه إرهاب الفاشية الإخوانية حتى دحرته. قطعت الأمة المصرية أيضا ذراع الفاشية المسيحية الصهيونية فى حرب لا تقل فى شراستها عن حروبها ضد الفاشية الصهيونية والإخوانية لكنها حربًا لم تكن ظاهرة للجميع فقد أرادت الفاشية المسيحية الصهيونية طوال عقود تحطيم الوحدة الوطنية المصرية والتسلل إلى الداخل المصرى لتمزيق نسيج الأمة وغرس بذور الفتن الطائفية خدمة لضلعى مثلث الشر الآخرين، وفى محاولة لتفتيت مصر الموحدة القوية التى تقف بصلابة فى وجه الأغراض الاستعمارية لكن وطنية المؤسسات الدينية المصرية وعمق التلاحم بين أبناء الأمة الواحدة أفشل هذه المخططات والمؤامرات الشريرة. أما عن كيف نواجه؟ ..تستطيع الأمة المصرية بثقلها وحضارتها وتاريخها وانتصاراتها تجييش واستدعاء كل أحرار العالم ومثقفيه ومفكريه ورجال الدين إلى عاصمتها الخالدة القاهرة للوقوف صف واحد فى مواجهة الفاشية الدينية بكل صورها، وتحرر القيم الدينية السمحة والنبيلة من اختطاف الفاشية لها. نستطيع بهذا الحشد العالمى أن نكشف حقيقة القوى الاستعمارية التى ترعى الفاشية الدينية وتتاجر فى دماء البشر وأرواحهم خدمة لمصالح سياسية واقتصادية تتحقق على حساب الشعوب المستضعفة. تستطيع الأمة المصرية من خلال إعلان القاهرة لمناهضة الفاشية الدينية بكل صورها بناء تكتل دولى شعبى ذو بعد حضارى وسياسى أيضا يتصدى لإجرام الفاشية ومن يقف وراءها حتى لا يدفع مستقبل الأجيال القادمة ثمن عدم مواجهة هذا المثلث الكارثى، وعلى مستوى حاضرنا فمحاصرة هذا الشر ومواجهته سيطفئ نيران الحروب الهمجية ويستقر السلام.