بعد مرور 52 عاماً على نصر أكتوبر العظيم، لا يزال هذا النصر محفوراً في قلوب المصريين والعرب جميعاً. تلك اللحظات التي عشناها لا تستطيع الكلمات أن تعبر عنها، فالإحساس بأنك شاركت في هذه الملحمة يظل الأغلى والأثمن، خاصة عندما يكون في سنوات شبابك المبكرة، حيث كان هذا المشاركة هي الأساس في بناء علاقتي بالمسؤولية والولاء الوطني. الاستعداد للملحمة منذ التحاقي بالكلية الحربية أثناء المرحلة الأخيرة من حرب الاستنزاف، بدأنا الإعداد الفعلي والحاسم لخوض معركة الكرامة. لقد أعدنا أنفسنا نفسياً وبدنياً وعلمياً حتى وصلنا إلى درجة الإتقان في استخدام الأسلحة والمعدات. أتذكر جيداً كيف كان التركيز على استيعاب الدروس المستفادة من حرب 67، مع الإلمام بمواطن القوة والضعف لدى العدو الإسرائيلي. كما أتذكر التدريب على العبور في أماكن تحاكي الضفة الشرقية للقناة، والتدريب على استخدام القوارب المطاطية، كل ذلك بأعلى مستوى من الإعداد والحماس. مفتاح النصر كان التخطيط والتنفيذ للمفاجأة الاستراتيجية، أو ما يسمى بخطة الخداع الاستراتيجي، هو التميمة الحقيقية للنصر. هذه الخطة التي نفذت على جميع المستويات، نجحت في جعل القيادة الإسرائيلية غير متأكدة من نيتنا في خوض حرب شاملة. والحقيقة المذهلة أننا كجنود لم نكن نعلم أي تفاصيل عن هذه الخطة، رغم أننا كنا جزءاً منها من خلال المناورات وإعادة الانتشار. موقف لن أنساه بدأت الحرب بضربة جوية مزلزلة، ثم التمهيد النيراني، ثم بدأ العبور العظيم. ولكن هناك موقف سيظل محفوراً في وجداني إلى الأبد. بعد أيام قليلة من بدء القتال، اضطررت للذهاب إلى القاهرة، وبينما كنت أسير في منطقة جسر السويس مرتدياً الزي العسكري، توقف بجاني أتوبيس نقل عام، وقال لي السائق بصوت مفعم بالفخر: "اركب يا بطل". صعدت الأتوبيس لتفاجئني مشاهد لا تنسى من الحب والاحترام، تصفيق ودعاء بالسلامة. وقفت مذهولاً من تلك المشاعر الصادقة، وقلت لهم: "إن شاء الله أرجع لزملائي فجر باكر، وسأنقل لهم كل هذه الأحاسيس ليعرفوا أننا لسنا وحدنا، بل معنا شعب عظيم". في تلك اللحظة تأكدت بما لا يدع مجالاً للشك من أصالة هذا الشعب ومعدنه الأصيل. موقع المسؤولية بعد النصر، بدأت أحلامنا تتشكل لتنمية سيناء. كنا نتساءل: لماذا لا تكون سيناء مثل غرب القناة؟ لماذا تلك العزلة وضعف البنية التحتية؟ كانت تلك الأسئلة تمثل أحلامنا وخوفنا من تكرار ما حدث سابقاً. وشاءت إرادة الله أن أكون ضمن أول حركة محافظين في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، محافظاً للإسماعيلية، حيث تمثل 48% من مساحتها شرق القناة. من هذا الموقع، رأيت بداية تحقيق الأحلام التي حلمنا بها على جبهة القتال. تنمية شاملة ها هي الأحلام تتحقق على أرض الواقع: قناة السويس الجديدة، مدينة الإسماعيلية الجديدة، شبكة الأنفاق والكباري التي تمثل شريان حياة حقيقياً. لقد انطلقت تنمية سيناء ومنطقة محور قناة السويس في جميع المجالات: التعليم، الصحة، البنية التحتية، التنمية العمرانية، وتحسين جودة الحياة لجعل المجتمع السيناوي مجتمعاً جاذباً. أخيراً، أدين بالشكر لله عز وجل الذي أنعم عليّ وعلى جيلي بالمشاركة في ملحمة أكتوبر المجيدة، ثم بحضور مراحل تحقيق الأحلام. أدعو الله أن تظل مصر شامخة تحت قيادة أبنائها المخلصين، وفي المقدمة دائماً الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة. كاتب المقال : مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا و الاستراتيجية محافظ الإسماعيلية الأسبق