في صبيحة عيد الأضحى بينما المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يستعدون للتكبير والتهليل والنحر تقرُّبًا إلى الله استيقظ العالم العربي على مشهد لا يُنسى مشهد إعدام صدام حسين نُحر الرجل كما تُنحر الأضاحي ولكن ليس في يومٍ عادي بل في أول أيام العيد في رسالة لا تخلو من دلالة رمزية أرادت أن تُظهر الانكسار في لحظة احتفال والهوان في لحظة يُفترض أن تكون للكرامة والسمو تلك الحادثة التي وقعت في 30 ديسمبر 2006 لم تكن مجرد نهاية لرجل حكم العراق بقبضة من حديد بل كانت بداية لعصر دموي جديد أُريق فيه من دماء الأبرياء ما يعجز عنه الوصف وانفجرت فيه الطائفية لتفتك بنسيج العراق الواحد وتحوله إلى مساحات للقتل والخوف والدمار لكن السؤال الأهم الذي لا يزال يتردد في أذهان الكثيرين أين كانت الأصوات السنية التي طالما ملأت الفضاء العربي صراخا ونواحا تطالب بالثأر وتتوعد وتُزايد على مواقف الآخرين؟ أين كانت تلك الألسنة التي لا تتوقف عن توجيه اللوم لمصر ولغيرها في كل شاردة وواردة متى تقاعست أو تريثت؟ لماذا ابتلعت هذه الألسنة صرخاتها حين سُفك دم رئيس عربي سني وحين سالت من بعده أنهار من دماء الأبرياء في العراق؟ هل كان صمتهم عجزا؟ أم كان قبولا ضمنيا بما جرى؟ أم أن المزايدات الحماسية لا تُستخدم إلا حين تكون مصر في موقع القرار وحين تكون التضحيات مطلوبة من جيشها وشعبها فقط؟ لم تكن مصر يوما عدوا للعرب بل كانت دوما السند وقت الشدائد والدرع حين تتداعى الحصون خاضت الحروب وقدمت الدماء واحتملت فوق طاقتها كثيرا من أجل قضايا العرب من فلسطين إلى العراق ومن لبنان إلى السودان ولكن حين يُطلب منها أن تُلقي بأبنائها في أتون حرب لا قرار وطني لها فيه تنهال الاتهامات وتُرفع رايات التخوين في المقابل حين وقعت الكارثة في العراق لم نجد من يطلب الحرب بل وجدنا صمتا ومواقف خجولة وعبارات مائعة مثل "نأسف" و"نستنكر"، بينما كانت بغداد تُنهب والفلوجة تُقصف والموصل تُسلم وكأن العراق لا يعنيهم أو كأن ما جرى فيه شأن داخلي لا يستحق ضجيج الشعارات لقد كان مشهد إعدام صدام حسين بمثابة اختبار للعالم العربي ففشل فيه الكثيرون لا لأنهم لم يطلقوا رصاصة بل لأنهم لم يرفعوا حتى صوتهم بالحق وحين يغيب الصوت عن الحق يُصبح الصمت خيانة في النهاية ما تحتاجه الأمة العربية ليس ضجيجا إعلاميا ولا مزايدات سياسية بل مواقف حقيقية وعملا موحدا ونظرا أعمق للمستقبل فصدام مات ولكن العراق لا يزال ينزف وسوريا تحترق واليمن يتفكك وليبيا تئن والفلسطينيون وحدهم في الميدان