فاز الدكتور خالد العناني، وزير السياحة والآثار المصري الأسبق، بمنصب المدير العام لمنظمة اليونسكو في تصويت ساحق بالمجلس التنفيذي للمنظمة خلال دورته ال222 في باريس، ليصبح أول مصري وعربي يقود هذه المنظمة الأممية، إلا ان هذا الإنجاز لم يأتِ من فراغ، بل هو تتويج لرحلة مصرية بدأت قبل 18 عامًا بمحاولتين سابقتين خاضهما فاروق حسني ومشيرة خطاب. المحاولة الأولى: فاروق حسني في 2009 بدأت القصة عام 2007 حين قررت مصر خوض غمار المنافسة على قيادة اليونسكو بترشيح وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، الذي حظي بدعم عربي وإقليمي واسع النطاق، وازدادت فرصه بعد انسحاب المرشح الجزائري من السباق، ما جعله المرشح العربي الوحيد في المعركة الانتخابية، إلا ان تصريحات قديمة نسبت له خلال مشادة غاضبة مع عضو بالبرلمان قال فيها انه سيحرق الكتب الاسرائيلية اذا عثر عليها في المكتبات المصرية، وهو ما أثار جدلًا واسعًا ومخاوف دولية أضعفت موقعه التنافسي. جرى التصويت على خمس جولات متتالية شهدت منافسة محتدمة، لكن في الجولة النهائية حصلت المرشحة البلغارية إيرينا بوكوفا على 31 صوتًا مقابل 27 صوتًا فقط لحسني، في هزيمة بفارق ضئيل لم يتجاوز أربعة أصوات فقط، ما جعل مصر تخسر فرصتها الأولى رغم قربها الشديد من تحقيق الحلم. ايرينا بوكوفا والوزير فاروق حسني المحاولة الثانية: تحدي مشيرة خطاب 2017 لم تثنِ الهزيمة الأولى مصر عن المحاولة مجددًا، فعادت عام 2017 بترشيح مشيرة خطاب كممثلة لمصر والاتحاد الإفريقي لمنصب المدير العام لليونسكو . دخلت خطاب في منافسة أكثر تعقيدًا وتشعبًا، إذ ضمّ السباق تسعة مرشحين من دول مختلفة حول العالم. في الجولة الأولى من التصويت حصلت على 11 صوتًا فقط من أصل 58 عضوًا في مجلس اليونسكو التنفيذي، وارتفع عددها بصوت واحد فقط في الجولة الثانية ليصل إلى 12 صوتًا. مع تقدم الجولات، تصاعدت حدة المنافسة خاصة مع المرشحين الفرنسي والقطري اللذين شكلا التحدي الأكبر أمام الطموح المصري. وفي الجولة الرابعة الحاسمة، حصلت فرنسا على 31 صوتًا بينما حصلت مصر على 25 صوتًا، وهو ما أدى إلى خروج مصر نهائيًا من المنافسة. وفي لفتة دبلوماسية راقية تعكس النضج السياسي المصري، أعلنت القاهرة دعمها للمرشحة الفرنسية أودري أزولاي في الجولة النهائية، ما عزز علاقاتها الدولية رغم خسارة المنافسة. المحاولة الثالثة: انتصار خالد العناني 2025 استفادت مصر من دروس تجربتيها السابقتين، وجاءت محاولتها الثالثة أكثر تنظيمًا وإحكامًا واستعدادًا دبلوماسيًا، إذ أعلن الدكتور خالد العناني ترشحه رسميًا في أبريل 2023، وأطلق حملة انتخابية استراتيجية طموحة استمرت عامين كاملين، نجح خلالها في بناء تحالفات قوية وحشد دعم واسع النطاق من جهات إقليمية ودولية مؤثرة. حصل العناني على تأييد رسمي من الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، إلى جانب دعم دول أوروبية كبرى مثل فرنسا وألمانيا، ودول مهمة أخرى مثل تركيا والبرازيل، ما عزز موقعه كمرشح مفضل منذ بداية السباق. وبعد انسحاب بعض المرشحين مثل المرشحة المكسيكية جابرييلا راموس، ليبقي منافسه الرئيسي هو الكونغولي فيرمان إدوارد ماتوكو البالغ من العمر 69 عامًا. الدكتور خالد العناني وزير السياحة والآثار المصري الأسبق في الاقتراع السري الذي أجراه المجلس التنفيذي لليونسكو، حقق العناني فوزًا ساحقًا وتاريخيًا بحصوله على 55 صوتًا مقابل صوتين فقط لمنافسه ماتوكو، في نتيجة أظهرت تفوقًا واضحًا وإجماعًا دوليًا غير مسبوق على المرشح المصري. وفي أول تصريح له عقب الفوز، أعلن العناني عزمه على عقد لقاءات مع ممثلي الدول الأعضاء خلال أول 100 يوم من ولايته لوضع خطة استراتيجية شاملة. بهذا الإنجاز، تكون مصر قد حققت حلمها بعد 18 عامًا من المثابرة والإصرار، في قصة نجاح تعكس أهمية التخطيط الاستراتيجي والدبلوماسية الذكية، وتؤكد الحضور المصري المتنامي في الساحة الثقافية والدبلوماسية الدولية.